من حَدِيث ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا: اغْتسل رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثمَّ لبس ثِيَابه، فَلَمَّا أَتَى ذَا الحليفة صلى رَكْعَتَيْنِ ثمَّ قعد على بعيره. فَلَمَّا اسْتَوَى بِهِ على الْبَيْدَاء أحرم بِالْحَجِّ، وَقَالَ: صَحِيح الْإِسْنَاد.
وَمِمَّا يُسْتَفَاد من الحَدِيث: اسْتِقْبَال الْقبْلَة عِنْد الإهلال لاستقبال دَعْوَة إِبْرَاهِيم، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِمَكَّة، فَلذَلِك يُلَبِّي الدَّاعِي أبدا بعد أَن يسْتَقْبل بِالْوَجْهِ، لِأَنَّهُ لَا يصلح أَن يولي الْمُجيب ظَهره من يَدعُوهُ ثمَّ يلبيه، بل يستقبله فِي مَوْضِعه الَّذِي دعِي مِنْهُ. وَفِيه: اسْتِحْبَاب الْإِحْرَام عقيب الصَّلَاة، وَفِي (التَّلْوِيح) : لَا خلاف أَن الْمبيت بِذِي طوى وَدخُول مَكَّة نَهَارا لَيْسَ من الْمَنَاسِك، لَكِن إِن فعله اقْتِدَاء بِالنَّبِيِّ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وتبعا لآثاره كَانَ ثَوَابه فِي ذَلِك جزيلاً. وَفِي (شرح الْمُهَذّب) : لمن هِيَ طَرِيقه مُسْتَحبّ، وَدخُول مَكَّة نَهَارا أفضل من اللَّيْل، وَهُوَ الصَّحِيح عِنْد الْأَكْثَرين من الشَّافِعِيَّة. وَقَالَ بعض الشَّافِعِيَّة: هما سَوَاء، فَإِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَخلهَا فِي عمْرَة الْجِعِرَّانَة لَيْلًا. قلت: هُوَ الْمَذْكُور فِي (الْهِدَايَة) عَن أبي حنيفَة. وَفِيه: الِاغْتِسَال، وَقَالَ النَّوَوِيّ: الِاغْتِسَال الْمَذْكُور سنة، قَالَ: فَإِن عجز عَنهُ تيَمّم وَتَكون نِيَّته فِي ذَلِك غسل دُخُول مَكَّة. وَقَالَ فِي (مَنَاسِك الْكرْمَانِي) : هَذَا الْغسْل مُسْتَحبّ لكل أحد حَتَّى الْحَائِض وَالنُّفَسَاء وَالصَّبِيّ، وَقَالَ ابْن حزم: لَا يلْزم الْغسْل فرضا فِي الْحَج إلَاّ الْمَرْأَة تهل بِعُمْرَة تُرِيدُ التَّمَتُّع فتحيض قبل الطّواف بِالْبَيْتِ، فَهَذِهِ تَغْتَسِل وَلَا بُد، وَالْمَرْأَة تَلد قبل أَن تهلّ بِالْعُمْرَةِ أَو بِالْقُرْآنِ فَفرض عَلَيْهَا أَن تَغْتَسِل وتهلّ. وَفِي (الاستذكار) : مَا أعلم أحدا من الْمُتَقَدِّمين أوجب الِاغْتِسَال عِنْد الْإِحْرَام بِالْعُمْرَةِ أَو الْحَج إلَاّ الْحسن بن أبي الْحسن، وَقد رُوِيَ عَن عِكْرِمَة إِيجَابه كَقَوْل أهل الظَّاهِر، وَرُوِيَ عَنهُ أَن الْوضُوء يَكْفِي مِنْهُ. وَقَالَ أَبُو عمر: هُوَ سنة مُؤَكدَة عِنْد مَالك وَأَصْحَابه لَا يرخصون فِي تَركه إلَاّ من عذر، وَعَن عبد الْملك: هُوَ لَازم، إلَاّ أَنه لَيْسَ فِي تَركه نَاسِيا وَلَا عَامِدًا دم وَلَا فديَة. وَقَالَ ابْن خوازمند: هُوَ عِنْد مَالك أوكد من غسل الْجُمُعَة. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالْأَوْزَاعِيّ وَالثَّوْري: يجْزِيه الْوضُوء، وَهُوَ قَول إِبْرَاهِيم، وَفِي (سنَن سعيد بن مَنْصُور) : حَدثنَا جرير عَن مُغيرَة قَالَ: ذكر عَن إِبْرَاهِيم إِذا قدم الْحَاج أمسك عَن التَّلْبِيَة مَا دَامَ يطوف بِالْبَيْتِ. فَقَالَ إِبْرَاهِيم: لَا، بل يُلَبِّي قبل الطّواف وَفِي الطّواف وَبعد الطّواف، وَلَا يقطعهَا حَتَّى يَرْمِي الْجَمْرَة، وَهُوَ قَول أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق وَدَاوُد، إلَاّ أَن أَبَا حنيفَة وَالشَّافِعِيّ قَالَا: يقطع التَّلْبِيَة مَعَ أول حَصَاة يرميها فِي الْجَمْرَة، وَقد استقصينا الْكَلَام فِيهِ فِيمَا مضى. وَقَالَ قوم: يقطع الْمُعْتَمِر التَّلْبِيَة إِذا دخل الْحرم، وَقَالَ آخَرُونَ: لَا يقطعهَا حَتَّى يرى بيُوت مَكَّة. وَقَالَت طَائِفَة: حَتَّى يدْخل بيُوت مَكَّة. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يقطعهَا حَتَّى يسْتَلم الْحجر، لما رَوَاهُ أَحْمد عَن هشيم: حَدثنَا حجاج عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده: اعْتَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاث عمر، كل ذَلِك فِي ذِي الْقعدَة، يُلَبِّي حَتَّى يسْتَلم الْحجر. وَقَالَ اللَّيْث: إِذا بلغ الْكَعْبَة قطع التَّلْبِيَة. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يقطعهَا حَتَّى يفْتَتح الطّواف، وَقَالَ مَالك: من أحرم من الْمِيقَات قطع التَّلْبِيَة إِذا دخل أول الْحرم، فَإِن أحرم من الْجِعِرَّانَة أَو من التَّنْعِيم قطعهَا إِذا دخل بيُوت مَكَّة. أَو إِذا دخل الْمَسْجِد. وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس: لَا يقطع الْمُعْتَمِر التَّلْبِيَة حَتَّى يسْتَلم الرُّكْن، وَكَانَ ابْن عمر يقطعهَا إِذا رأى بيُوت مَكَّة.
تابَعَهُ إسْمَاعِيلُ عنْ أيُّوبَ فِي الغَسْلِ
أَي: تَابع عبد الْوَارِث إِسْمَاعِيل بن علية عَن أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ فِي أَمر الْغسْل، وَوصل البُخَارِيّ هَذِه الْمُتَابَعَة فِي: بَاب الِاغْتِسَال عِنْد دُخُول مَكَّة، على مَا يَأْتِي، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.