كَانَ التَّامَّة أَي: فَكَانَ الْآخِذ بهَا والتارك لَهَا، وَالضَّمِير فِي: بهَا وَلها، يرجع إِلَى الْعمرَة. وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: ظَاهره التَّخْيِير، فَلذَلِك كَانَ مِنْهُم الْآخِذ والتارك، لَكِن لما ظهر مِنْهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْعَزْم حِين غَضَبه، قَالُوا: تحللنا وَسَمعنَا وأطعنا، وَكَانَ ترددهم لأَنهم مَا كَانُوا يرَوْنَ الْعمرَة فِي أشهر الْحَج جَائِزَة، وَأَنَّهَا من أفجر الْفُجُور، فَبين لَهُم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَوَاز ذَلِك. قَوْله: (وَأَنا أبْكِي) جملَة حَالية. قَوْله: (يَا هنتاه) يَعْنِي: يَا هَذِه من غير أَن يُرَاد بِهِ مدح أَو ذمّ، وأصل هَذَا مَأْخُوذ من: هن، على وزن: أَخ، وَهُوَ كِنَايَة عَن شَيْء لَا تذكره باسمه، وَتقول فِي النداء: يَا هن، للرجل وللمرأة يَا هنة، وَلَك أَن تذخل فيهمَا الْهَاء لبَيَان الْحَرَكَة فَتَقول: يَا هنة وَيَا هنته، وَإِذا أشبعت الْحَرَكَة تتولد الْألف فَتَقول حِينَئِذٍ: يَا هَناه وَيَا هنتاه، وَلَا يستعملان إلَاّ فِي النداء وَقَالَ السفاقسي: ضبط فِي رِوَايَة أبي ذَر بِإِسْكَان النُّون، وَفِي رِوَايَة أبي الْحسن بِفَتْحِهَا. وَقَالَ ابْن الْأَثِير: تضم الْهَاء الْآخِرَة وتسكن وَتقول فِي التَّثْنِيَة للمذكر: هنان، وللجمع: هنون وللمؤنث هنتان وهنات، وَقيل: معنى يَا هنتاه: يَا بلهاء، كَأَنَّهَا نسبت إِلَى قلَّة الْمعرفَة بمكائد النَّاس وشرورهم. وَقَالَ التَّيْمِيّ: الْألف وَالْهَاء فِي آخِره كالألف وَالْهَاء فِي الندبة. قَوْله: (قلت لَا أُصَلِّي) كِنَايَة عَن أَنَّهَا حَاضَت، وَفِيه رِعَايَة الْأَدَب وَحسن المعاشرة. قَوْله: (فَلَا يضيرك) ، من الضير بالضاد الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره رَاء الضَّرَر وَهَذِه رِوَايَة الْكشميهني وَفِي رِوَايَة (لَا يَضرك) بتَشْديد الرَّاء من الضَّرَر. قَوْله: (أَن يرزقيكها) أَي: الْعمرَة. قَوْله: (فِي النَّفر الآخر) ، وَهُوَ الْيَوْم الثَّالِث عشر من ذِي الْحجَّة، والنفر الأول هُوَ الثَّانِي عشر مِنْهُ، وَقَالَ الْكرْمَانِي: النَّفر، بِسُكُون الْفَاء وَفتحهَا. قَوْله: (حَتَّى نزل المحصب) ، بِضَم الْمِيم وَفتح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الصَّاد الْمُهْملَة الْمَفْتُوحَة وَفِي آخِره بَاء مُوَحدَة: وَهُوَ مَكَان متسع بَين مَكَّة وَمنى، وَسمي بِهِ لِاجْتِمَاع الْحَصْبَاء فِيهِ بِحمْل السَّيْل، وَأَنه مَوضِع منهبط، وَهُوَ الأبطح والبطحاء، وحدوه بِأَنَّهُ مَا بَين الجبلين إِلَى الْمَقَابِر وَلَيْسَت الْمقْبرَة مِنْهُ، وَفِيه لُغَة أُخْرَى: الحصاب، بِكَسْر الْحَاء. وَقَالَ أَبُو عبيد: هُوَ من حُدُود خيف بني كنَانَة، وَحده من الْحجُون ذَاهِبًا إِلَى منى. وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: وَهُوَ الْخيف. قَالَ ياقوت: وَهُوَ غير المحصب مَوضِع رمي الْجمار بمنى. قَوْله: (فلتهل) بِضَم التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق: من الإهلال، وَهُوَ الْإِحْرَام. قَوْله: (ثمَّ أفرغا) أَمر لعبد الرَّحْمَن وَعَائِشَة كليهمَا أَي: أفرغا من الْعمرَة، وَهَذَا يدل على أَن عبد الرَّحْمَن أَيْضا اعْتَمر مَعَ عَائِشَة. قَوْله: (هَهُنَا) أَي: المحصب. قَوْله: (فَإِنِّي أنظركما) بِمَعْنى: انتظركما، وَفِي رِوَايَة للكشميهني: (انتظركما) ، من الِانْتِظَار. قَوْله: (حَتَّى تأتياني) وَفِي غَالب النّسخ، تأتيان، بنُون الْوِقَايَة وَحذف الْيَاء الَّتِي للمتكلم والإكتفاء بالكسرة عَنْهَا. قَوْله: (حَتَّى إِذا فرغت وفرغت) بالتكرار وصلَة الأول محذوفة أَي: فرغت من الْعمرَة وفرغت من الطّواف، وَحذف الأول للْعلم بِهِ، ويروى: (حَتَّى إِذا فرغت وَفرغ) ، بِلَفْظ الْغَائِب أَي: حَتَّى إِذا فرغت أَنا من الْعمرَة وَطواف الْوَدَاع وَفرغ عبد الرَّحْمَن أَيْضا. قَوْله: (بِسحر) ، بِفَتْح الرَّاء بِدُونِ التَّنْوِين وبجرها مَعَ التَّنْوِين، وَهُوَ عبارَة عَن قبيل الصُّبْح الصَّادِق، فَإِذا أردْت بِهِ سحر ليلتك بِعَيْنِه لم تصرفه لِأَنَّهُ معدول عَن السحر، وَهُوَ علم لَهُ، وَإِن أردْت نكرَة صفة فَهُوَ منصرف، وَالْأولَى هُنَا هُوَ الأول. قَوْله: (هَل فَرَغْتُمْ؟) خطاب لعبد الرَّحْمَن ولعائشة وَمن مَعَهُمَا فِي ذَلِك الإعمار، وإلَاّ فَالْقِيَاس أَن يُقَال: هَل فرغتما، أَو نقُول: إِن أقل الْجمع اثْنَان. قَوْله: (فآذن بالرحيل) أَي: فَاعْلَم النَّاس بالارتحال. قَوْله: (مُتَوَجها) أَي: حَال كَونه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُتَوَجها نَحْو الْمَدِينَة.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: أَن من كَانَ بِمَكَّة وَأَرَادَ الْعمرَة فميقاته لَهَا الْحل، وَإِنَّمَا وَجب الْخُرُوج إِلَيْهِ ليجمع فِي نُسكه بَين الْحل وَالْحرم، كَمَا يجمع الْحَاج بَينهمَا، فَإِن عَرَفَات من الْحل. وَفِيه: النُّزُول بالمحصب، فَظَاهره أَن النُّزُول فِيهِ سنة كَمَا قَالَ أَبُو حنيفَة، وَهُوَ قَول إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَسَعِيد بن جُبَير وطاووس، وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: كَانَ ابْن عمر يرَاهُ سنة، وَقَالَ نَافِع: حصب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْخُلَفَاء بعده، أخرجه مُسلم، وَزعم ابْن حبيب أَن مَالِكًا كَانَ يَأْمر بالتحصيب ويستحبه، وَبِه قَالَ الشَّافِعِي، وَقَالَ عِيَاض: هُوَ مُسْتَحبّ عِنْد جَمِيع الْعلمَاء، وَهُوَ عِنْد الْحِجَازِيِّينَ أوكد مِنْهُ عِنْد الْكُوفِيّين، وَأَجْمعُوا أَنه لَيْسَ بِوَاجِب، وَأخرج مُسلم عَن نَافِع (عَن ابْن عمر: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبا بكر وَعمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، كَانُوا ينزلون بِالْأَبْطح) ، وأخرجت الْأَئِمَّة السِّتَّة عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، قَالَت: إِنَّمَا نزل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالمحصب ليَكُون أسمح لِخُرُوجِهِ وَلَيْسَ بِسنة، فَمن شَاءَ نزله وَمن شَاءَ لم ينزله.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute