وَقَالَ سعد بن أبي وَقاص: (فعلناها مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَعْنِي: الْمُتْعَة، وَهَذَا يَعْنِي الَّذِي نهى عَنْهَا يَوْمئِذٍ كَافِر بالعرش، يَعْنِي بيُوت مَكَّة) رَوَاهُ مُسلم. فَإِن قلت: روى أَبُو دَاوُد عَن سعيد بن الْمسيب أَن رجلا من الصَّحَابَة أَتَى عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَشهد عِنْده أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ينْهَى عَن الْمُتْعَة قبل الْحَج؟ قلت: أُجِيب عَن هَذَا بِأَنَّهُ حَالَة مُخَالفَة للْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع، كَحَدِيث أبي ذَر، بل هُوَ أدنى حَالا مِنْهُ، فَإِن فِي إِسْنَاده مقَالا. فَإِن قلت: قد نهى عَنْهَا عمر وَعُثْمَان وَمُعَاوِيَة قلت: قد أنكر عَلَيْكُم عُلَمَاء الصَّحَابَة وخالفوهم فِي فعلهَا، وَالْحق مَعَ المنكرين عَلَيْهِم دونهم.
٤٦٥١ - حدَّثنا مُوسى بنُ إسْمَاعِيلَ قَالَ حدَّثنا وُهَيْبٌ حدَّثنا ابنُ طَاوُوسٍ عَنْ أبِيهِ عَن ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ كانُوا يَرَوْنَ أنَّ العُمْرَةَ فِي أشْهُرِ الحَجِّ من أفْجَرِ الْفُجُورَ فِي الأرْضِ ويَجْعَلُونَ المُحَرَّمَ صَفرا ويَقُولونَ إذَا بَرَأ الدَّبَرْ وعَفا الأثَرْ وانْسَلَخَ صَفَرْ حلَّتِ العُمْرَةُ لِمَنِ اعْتَمَرْ. قَدِمَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأصْحابُهُ صَبِيحَةَ رَابِعَةٍ مُهِلِّينَ بالْحَجِّ فأمَرَهُمْ أنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً فتعَاظَمَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ فَقالُوا يَا رسُولَ الله أيُّ الحلِّ قَالَ حِل كُلّهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَأَمرهمْ أَن يجعلوها عمْرَة) ، وَهِي فسخ الْحَج إِلَى الْعمرَة، وَرِجَال الحَدِيث قد تقدمُوا غير مرّة، ووهيب مصغر وهب ابْن خَالِد، وَابْن طَاوُوس هُوَ عبد الله، يروي عَن أَبِيه طَاوُوس.
وَأخرجه ابخاري أَيْضا فِي أَيَّام الْجَاهِلِيَّة عَن مُسلم بن إِبْرَاهِيم. وَأخرجه مُسلم فِي الْحَج عَن مُحَمَّد بن حَاتِم. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن عبد الْأَعْلَى.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (كَانُوا) أَي: أهل الْجَاهِلِيَّة. قَوْله: (يرَوْنَ) ، أَي: يَعْتَقِدُونَ أَن الْعمرَة إِلَى آخِره، وروى دَاوُد (عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: وَالله مَا أعمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعَائِشَة فِي ذِي الْحجَّة إلَاّ ليقطع بذلك أَمر أهل الشّرك، فَإِن هَذَا الْحَيّ من قُرَيْش من دَان دينهم كَانُوا يَقُولُونَ: إِذا عَفا الْأَثر وبرأ الدبر وَدخل صفر فقد حلت الْعمرَة لمن اعْتَمر، وَكَانَ يحرمُونَ الْعمرَة حَتَّى يَنْسَلِخ ذُو الْحجَّة وَالْمحرم) . وَرَوَاهُ ابْن حبَان أَيْضا، فَفِي هَذَا تعْيين الْقَائِلين الْمَذْكُورين فِي قَوْله: وَيَقُولُونَ: قَوْله: (من أفجر الْفُجُور) ، أَي: من أعظم الذُّنُوب، وَهَذَا من تحكماتهم الْبَاطِلَة الْمَأْخُوذَة من غير أصل، والفجور: الانبعاث فِي المعاضي، يُقَال: فجر يفجر فجورا من: بَاب نصر ينصر. قَوْله: (ويجعلون الْمحرم صفرا) أَي: يجْعَلُونَ الصفر من الْأَشْهر الْحرم، وَلَا يجْعَلُونَ الْمحرم مِنْهَا. قَوْله: (صفر) قَالَ بَعضهم: كَذَا هُوَ فِي جَمِيع الْأُصُول من الصَّحِيحَيْنِ، وَقَالَ صَاحب (التَّلْوِيح) قَوْله: (صفرا) هُوَ الصَّحِيح لِأَنَّهُ مَصْرُوف بِلَا خلاف، وَوَقع فِي مُسلم، رَحمَه الله تَعَالَى: صفر بِغَيْر ألف. قلت: هَذَا يرد مَا قَالَه بَعضهم، وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : قَوْله: صفر، كَذَا هُوَ بِغَيْر ألف فِي أصل الدمياطي، رَحمَه الله تَعَالَى. وَفِي مُسلم: الصَّوَاب صفرا بِالْألف. وَقَالَ النَّوَوِيّ: كَانَ يَنْبَغِي أَن يكْتب بِالْألف، وَلَكِن على تَقْدِير حذفهَا لَا بُد من قِرَاءَته مَنْصُوبًا لِأَنَّهُ منصرف. وَقَالَ الْكرْمَانِي: اللُّغَة الربيعية أَنهم يَكْتُبُونَ الْمَنْصُوب بِلَا ألف. وَقَالَ: وتقرأ هَذِه الْأَلْفَاظ كلهَا سَاكِنة الآخر مَوْقُوفا عَلَيْهَا، لِأَن مُرَادهم السجع. وَفِي (الْمُحكم) وَكَانَ أَبُو عُبَيْدَة لَا يصرفهُ، فَقيل لَهُ: لِمَ لم تصرفْهُ؟ لِأَن النَّحْوِيين قد أَجمعُوا على صرفه وَقَالُوا لَا يمْنَع الْحَرْف من الصّرْف إلَاّ العلتان فَأخْبرنَا بالعلتين فِيهِ؟ فَقَالَ: نعم، العلتان الْمعرفَة والساعة. وَقَالَ: أَبُو عمر الْمُطَرز، يرى أَن الْأَزْمِنَة كلهَا سَاعَات، والساعات مُؤَنّثَة، وَقَالَ عِيَاض: قيل صفر دَاء يكون فِي الْبَطن كالحيات إِذا اشْتَدَّ جوع الْإِنْسَان عضه، وَقَالَ رؤبة: هِيَ حَيَّة تلتوي فِي الْبَطن، وَهِي أعدى من الجرب عِنْد الْعَرَب قلت: هَذَا الْمَعْنى فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا صفر، وَهَهُنَا غير مُنَاسِب، وَقَالَ النَّوَوِيّ: قَالَت الْعلمَاء: المُرَاد الْإِخْبَار عَن النسيء الَّذِي كَانُوا يَفْعَلُونَهُ فِي الْجَاهِلِيَّة، فَكَانُوا يسمون الْمحرم صفرا، ويحلونه، ويؤخرون تَحْرِيم الْمحرم إِلَى نفس صفر، لِئَلَّا يتوالى عَلَيْهِم ثَلَاثَة أشهر مُحرمَة، فيضيق عَلَيْهِم فِيهَا مَا اعتادوه من الْمُقَاتلَة والغارة والنهب، فضللهم الله فِي ذَلِك فَقَالَ: {إِنَّمَا النسيء زِيَادَة فِي الْكفْر يضل بِهِ الَّذين كفرُوا} (التَّوْبَة: ٧٣) . وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ، النسيء، هُوَ تَأْخِير حُرْمَة الشَّهْر إِلَى شهر آخر وَرُبمَا زادوا فِي عدد الشَّهْر فيجعلونها ثَلَاثَة عشر أَو أَرْبَعَة عشر ليتسع لَهُم الْوَقْت، وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: إِن الْعَرَب كَانُوا يؤخرون الْمحرم إِلَى صفر، وَهُوَ النسيء الْمَذْكُور فِي الْقُرْآن، قَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا النسيء زِيَادَة فِي الْكفْر} (التَّوْبَة: ٧٣) . وَقَالَ الْكَلْبِيّ: أول من نسأ القلمّس واسْمه: حُذَيْفَة
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute