للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مُبْتَدأ. وَقَوله: (مثل أحد) أَيْضا كَلَام إضافي خَبره. وَاحِد منصرف لِأَنَّهُ علم الْمُذكر. قَوْله: (وَمن صلى) مثل قَوْله: (من اتبع جَنَازَة مُسلم) . وَقَوله: (ثمَّ رَجَعَ) عطف على: صلى. قَوْله: (قبل ان تدفن) نصب على الظّرْف، وَأَن مَصْدَرِيَّة، وَالتَّقْدِير: قبل الدّفن. وَقَوله: (فانه) خبر الْمُبْتَدَأ، كَمَا فِي الأول. قَوْله: (من الاجر) حَال من قَوْله: (بقيراط) .

بَيَان الْمعَانِي: قَوْله: (فَإِنَّهُ يرجع من الْأجر بقيراطين) حُصُول القيراطن هَهُنَا مُقَيّد بِثَلَاثَة أَشْيَاء. الأول: الِاتِّبَاع، وَالثَّانِي: الصَّلَاة عَلَيْهِ. وَالثَّالِث: حُضُور الدّفن. فَإِن قلت: لَو اتبع حَتَّى دفنت وَلم يصل عَلَيْهَا هَل لَهُ القيراطان؟ قلت: لَا، إِذْ المُرَاد أَن يُصَلِّي هُوَ أَيْضا، جمعا بَين الرِّوَايَتَيْنِ وحملاً للمطلق على الْمُقَيد. وَقَالَ النَّوَوِيّ: اعْلَم أَن الصَّلَاة يحصل بهَا قِيرَاط إِذا انْفَرَدت، فَإِن انْضَمَّ إِلَيْهَا الِاتِّبَاع حَتَّى الْفَرَاغ حصل لَهُ قِيرَاط ثَان، فَلِمَنْ صلى وَحضر الدّفن القيراطان، وَلمن اقْتصر على الصَّلَاة قِيرَاط وَاحِد، وَلَا يُقَال: يحصل بِالصَّلَاةِ مَعَ الدّفن ثَلَاثَة قراريط، كَمَا يتوهمه بَعضهم من ظَاهر بعض الْأَحَادِيث، وَلِأَن هَذَا النَّوْع صَرِيح، والْحَدِيث الْمُطلق والمحتمل مَحْمُول عَلَيْهِ، وَأما الرِّوَايَة الَّتِي فِيهَا: (من صلى على جَنَازَة فَلهُ قِيرَاط وَمن تبعها حَتَّى تدفن فَلهُ قيراطان) فَمَعْنَاه: فَلهُ تَمام قيراطين بالمجموع. وَنَظِيره قَوْله تَعَالَى: {ائنكم لتكفرون بِالَّذِي خلق الارض فى يَوْمَيْنِ} (فصلت: ٩) إِلَى قَوْله: {فى اربعة أَيَّام} (فصلت: ١٠) ثمَّ قَالَ: {فقضاهن سبع سموات فِي يَوْمَيْنِ} قَالَ: وَأما الدّفن فَفِيهِ وَجْهَان: الصَّحِيح: أَنه تَسْوِيَة الْقَبْر بالتمام، وَالثَّانِي: انه نصب اللَّبن عَلَيْهِ، وان لم يهل عَلَيْهِ التُّرَاب. قَالَ: ثمَّ فِي الحَدِيث تَنْبِيه على مَسْأَلَة أُخْرَى، وَهُوَ: ان القيراط الثَّانِي مُقَيّد بِمن اتبعها، وَكَانَ مَعهَا فى جميح الطَّرِيق حَتَّى تدفن، فَلَو صلى وَذهب إِلَى الْقَبْر وَحده، وَمكث حَتَّى جَاءَت الْجِنَازَة وَحضر الدّفن لم يحصل لَهُ القيراط الثَّانِي، وَكَذَا لَو حضر الدّفن وَلم يصل، أَو اتبعها وَلم يصل فَلَيْسَ فِي الحَدِيث حُصُول القيراط لَهُ، وَإِنَّمَا حصل القيراط لمن تبعها بعد الصَّلَاة، لكنه لَهُ أجر فِي الْجُمْلَة، وَعَن أَشهب: أَنه كره اتِّبَاع الْجِنَازَة وَالرُّجُوع قبل الصَّلَاة، وَحكى ابْن عبد الحكم عَن مَالك: أَنه لَا ينْصَرف بعد الدّفن إلَاّ بِالْإِذْنِ وَإِطْلَاق هَذَا الحَدِيث وَغَيره يُخَالِفهُ.

استنباط الاحكام: الاول: فِيهِ الْحَث على الصَّلَاة على الْمَيِّت وَاتِّبَاع جنَازَته وَحُضُور دَفنه، وَقَالَ أَبُو الزِّنَاد: حض النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على التواصل فِي الْحَيَاة بقوله: (صل من قَطعك وَأعْطِ من حَرمك) . (وَلَا تقاطعوا وَلَا تدابروا) وعَلى التواصل بعد الْمَوْت بِالصَّلَاةِ والتشييع إِلَى الْقَبْر وَالدُّعَاء لَهُ. الثَّانِي: فِيهِ أَن الثَّوَاب الْمَذْكُور إِنَّمَا يحصل لمن تبعها إِيمَانًا واحتساباً، فَإِن حُضُورهَا على ثَلَاثَة أَقسَام: احتسابا ومكافأة ومخافة. والاول: هُوَ الَّذِي يجازى عَلَيْهِ الْأجر ويحط الْوزر، وَالثَّانِي: لَا يعد ذَلِك فِي حَقه. وَالثَّالِث: الله اعْلَم بِمَا فِيهِ. الثَّالِث: فِيهِ وجوب الصَّلَاة على الْمَيِّت وَدَفنه وَهُوَ إِجْمَاع. الرَّابِع: فِيهِ الحض على الِاجْتِمَاع لَهما والتنبيه على عظم ثوابهما، وَهِي مِمَّا خصت بِهِ هَذِه الامة. الْخَامِس: فِيهِ حجَّة ظَاهِرَة للحنفية فِي ان الْمَشْي خلف الْجِنَازَة أفضل من الْمَشْي أمامها، بِظَاهِر قَوْله: (من اتبع) ، وَهُوَ مَذْهَب الْأَوْزَاعِيّ أَيْضا. وَقَول عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله عَنهُ: وَذهب قوم إِلَى التَّوسعَة فِي ذَلِك وأنهما سَوَاء، وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَأبي مُصعب من أَصْحَاب مَالك. وَقَالَ بَعضهم: وَقد تمسك بِهَذَا اللَّفْظ من زعم أَن الْمَشْي خلفهَا أفضل، وَلَا حجَّة فِيهِ، لِأَنَّهُ يُقَال: تبعه إِذا مَشى خَلفه، أَو إِذا مر بِهِ فَمشى مَعَه، وَكَذَلِكَ: اتبعهُ بِالتَّشْدِيدِ. قلت: هَذَا الْقَائِل نفى حجَّة هَؤُلَاءِ بِمَا هُوَ حجَّة عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ فسر لفظ تبع بمعنيين: أَحدهمَا: حجَّة لمن زعم أَن الْمَشْي خلفهَا أفضل، وَالْآخر: لَيْسَ بِحجَّة عَلَيْهِ، وَلَا هُوَ حجَّة لخصمه. فَافْهَم. ثمَّ الرّكُوب وَرَاء الْجِنَازَة لَا بَأْس بِهِ، وَالْمَشْي أفضل. وَقَالَت الشَّافِعِيَّة: لَا فرق عندنَا بَين الرَّاكِب والماشي، يَعْنِي فِي الْمَشْي أمامها خلافًا للثوري حَيْثُ قَالَ: إِن الرَّاكِب يكون خلفهَا، وَتَبعهُ الرَّافِعِيّ فِي شرح الْمسند، وَكَأَنَّهُ قلد الْخطابِيّ، فَإِنَّهُ كَذَا ادّعى، وَفِيه حَدِيث صَححهُ الْحَاكِم على شَرط البُخَارِيّ من حَدِيث الْمُغيرَة بن شُعْبَة، وَقَالَ بِهِ من الْمَالِكِيَّة أَيْضا ابو مُصعب.

سُؤال: لم كَانَ الْجَزَاء بالقيراط دون غَيره؟ الْجَواب: إِنَّه أقل مُقَابل عَادَة. آخر: لِمَ خص بِأحد؟ الْجَواب: لِأَنَّهُ أعظم جبال الْمَدِينَة، والشارع كَانَ يُحِبهُ، وَهُوَ أَيْضا يُحِبهُ، وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم.

تابَعَهُ عُثْمانُ المُؤَذِّنُ قَالَ حدّثنا عَوْفٌ عَنْ مُحمَّدٍ عَنْ أَبى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَحْوَهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>