للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْجِزْيَة عَن عَليّ بن عبد الله، وَأخرجه فِي الْحَج أَيْضا عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة، وَفِي الْجِهَاد عَن آدم وَعَن عَليّ بن عبد الله وَعَمْرو بن عَليّ، كِلَاهُمَا عَن يحيى بن سعيد. وَأخرجه مُسلم فِي الْجِهَاد عَن يحيى بن يحيى، د وَفِيه وَفِي الْحَج عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَفِيهِمَا أَيْضا عَن مُحَمَّد بن رَافع، وَفِي الْجِهَاد أَيْضا عَن أبي بكر وَأبي كريب وَعَن عبد بن حميد، وَأخرجه أَبُو دَاوُد فيهمَا عَن عُثْمَان بِهِ مقطعا. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي السّير عَن أَحْمد بن عَبدة الضَّبِّيّ. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْحَج فِي الْبيعَة عَن إِسْحَاق ابْن مَنْصُور، وَفِي الْحَج عَن مُحَمَّد بن قدامَة.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (حرمه الله) أَي: جعله حَرَامًا، وَلَفظ البُخَارِيّ فِي: بَاب غَزْوَة الْفَتْح: (أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَامَ يَوْم الْفَتْح، فَقَالَ: إِن الله حرم مَكَّة يَوْم خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض، فَهِيَ حرَام بحراح الله تَعَالَى إِلَى يَوْم الْقِيَامَة. .) الحَدِيث. وَقَالَ الْبَزَّار: وَهَذَا الحَدِيث قد رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس من غير وَجه. فَإِن قلت: إِن قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِن إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، حرم مَكَّة وَأَنا أحرم مَا بَين لابتيها) أَي: لابتي الْمَدِينَة، يُعَارض هَذَا الحَدِيث؟ قلت: لَيْسَ الْأَمر كَذَلِك، لِأَن معنى قَوْله: (إِن إِبْرَاهِيم حرم مَكَّة) ، أعلن بتحريمها وَعرف النَّاس بِأَنَّهَا حرَام بِتَحْرِيم الله، إِيَّاهَا، فَلَمَّا لم يعرف تَحْرِيمهَا إلَاّ فِي زَمَانه على لِسَانه أضيف إِلَيْهِ. وَذَلِكَ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {الله يتوفى الْأَنْفس} (الزمر: ٢٤) . فَإِنَّهُ أضَاف إِلَيْهِ التوفي. وَفِي آيَة أُخْرَى: {قل يتوفاكم ملك الْمَوْت} (السَّجْدَة: ١١) . أضَاف إِلَيْهِ التوفي، وَقَالَ فِي آيَة أُخْرَى: {الَّذين تتوفاهم الْمَلَائِكَة} (النَّحْل: ٨٢) . فأضاف إِلَيْهِم التوفي. وَفِي الْحَقِيقَة المتوفي هُوَ الله عز وَجل، وأضاف إِلَى غَيره لِأَنَّهُ ظهر على أَيْديهم. قَوْله: (لَا يعضد شَجَرهَا) أَي: لَا يقطع، من عضدتُ الشّجر أعضده عضد، أَمْثَال: ضرب، إِذا قطعته، وَفِي (الْمُحكم) : الشّجر معضود وعضيد. وَقَالَ الطَّبَرِيّ: معنى: لَا يعضد لَا يفْسد وَيقطع، وَأَصله من عضد الرجل الرجل إِذا أصَاب عضده بِسوء. قَوْله: (وَلَا ينفر صَيْده) أَي: لَا يزعج من مَكَانَهُ. وَهُوَ تَنْبِيه من الْأَدْنَى إِلَى الْأَعْلَى، فَلَا يضْرب وَلَا يقتل بِالطَّرِيقِ الأولى. قَوْله: (وَلَا يلتقط) على صِيغَة الْمَعْلُوم، ولقطته مَنْصُوب بِهِ. قَوْله: (إلَاّ من عرفهَا) ، أَي: إلَاّ مَنْ عرف أَنَّهَا لقطَة فيلتقطها ليردها إِلَى صَاحبهَا وَلَا يتملكها.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: أَن مَكَّة حرَام فَلَا يجوز لأحد أَن يدخلهَا إلَاّ بِالْإِحْرَامِ، وَهُوَ قَول عَطاء بن أبي رَبَاح وَاللَّيْث بن سعد وَالثَّوْري وَأبي حنيفَة وَأَصْحَابه: وَمَالك فِي رِوَايَة، وَهِي قَوْله الصَّحِيح، وَالشَّافِعِيّ فِي الْمَشْهُور عَنهُ، وَأحمد وَأبي ثَوْر، وَقَالَ الزُّهْرِيّ وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَالشَّافِعِيّ فِي قَول، وَمَالك فِي رِوَايَة، وَدَاوُد بن عَليّ وَأَصْحَابه من الظَّاهِرِيَّة: لَا بَأْس بِدُخُول الْحرم بِغَيْر إِحْرَام، وَإِلَيْهِ ذهب البُخَارِيّ أَيْضا، قَالَه عِيَاض، وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث جَابر: (أَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، دخل يَوْم فتح مَكَّة وَعَلِيهِ عِمَامَة سَوْدَاء) ، وَبِمَا رَوَاهُ البُخَارِيّ من حَدِيث أنس: (أَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، دخل مَكَّة وعَلى رَأسه مغفر. .) الحَدِيث. وَأجِيب: عَن هَذَا: بِأَن دُخُوله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مَكَّة كَانَ وَهِي حَلَال ساعتئذ، فَكَذَلِك دَخلهَا وَهُوَ غير محرم، وَأَنه كَانَ خَاصّا للنَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثمَّ عَادَتْ حَرَامًا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة، فَلَا يجوز دُخُولهَا لأحد بِغَيْر إِحْرَام.

وَفِيه: أَنه لَا يجوز قطع شَوْكَة وَلَا قطع شَجَرَة، وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: أجمع الْعلمَاء على تَحْرِيم قطع شجر الْحرم، وَقَالَ الإِمَام: اخْتلف النَّاس فِي قطع شجر الْحرم: هَل فِيهِ جَزَاء أم لَا؟ فَعِنْدَ مَالك: لَا جَزَاء فِيهِ، وَعند أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: فِيهِ الْجَزَاء، وجزاؤه عِنْد الشَّافِعِي فِي الدوحة بقرة وَمَا دونهَا شَاة، وَعند أبي حنيفَة: يُؤْخَذ مِنْهُ قيمَة ذَلِك، يشترى بِهِ هدي، فَإِن لم تبلغ ثمنه ذَلِك تصدق بِهِ بِنصْف صَاع لكل مِسْكين، وَقَالَ الشَّافِعِي: فِي الْخشب وَمَا أشبه قِيمَته بَالِغَة مَا بلغت، وَالْمحرم والحلال فِي ذَلِك سَوَاء، وَأجْمع كل من يحفظ عَنهُ الْعلم على إِبَاحَة أَخذ كل مَا ينبته النَّاس فِي الْحرم من الْبُقُول والزروع والرياحين وَغَيرهَا، وَاخْتلفُوا فِي أَخذ السِّوَاك من شجر الْحرم، فَعَن مُجَاهِد وَعَطَاء وَعَمْرو بن دِينَار أَنهم رخصوا فِي ذَاك، وَحكى أَبُو ثَوْر ذَلِك عَن الشَّافِعِي، وَكَانَ عَطاء يرخص فِي أَخذ ورق السنا يستمشي بِهِ وَلَا ينْزع من أَصله، ورخصوا فِيهِ عَمْرو بن دِينَار، وَفِيه أَنه لَا يجوز رفع لقطتهَا إلَاّ المنشد، قَالَ القَاضِي عِيَاض: حكم اللّقطَة فِي سَائِر الْبِلَاد وَاحِد، وَعند الشَّافِعِي: أَن لقطَة مَكَّة بِخِلَاف غَيرهَا من الْبِلَاد، وَأَنَّهَا لَا تحل إلَاّ لمن يعرفهَا، وَمذهب الْحَنَفِيَّة كمذهب مَالك لعُمُوم قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إعرف عفاصها ووكاءها ثمَّ عرفهَا سنة) ، من غير فصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>