شاهين الوَاسِطِيّ. وَقَالَ صَاحب (التَّلْوِيح) : هُوَ إِسْحَاق بن بشر، وَهُوَ وهم، وخَالِد الأول: هُوَ ابْن عبد الله الطَّحَّان، وَالثَّانِي: خَالِد ابْن مهْرَان الْحذاء.
وَهَذَا الحَدِيث من أَفْرَاده.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (جَاءَ إِلَى السِّقَايَة) ، قد ذكرنَا أَن السِّقَايَة مَا يبْنى للْمَاء، وَهُوَ الْموضع الَّذِي يسقى فِيهِ المَاء، وَفِي (الْمُجْمل) : هُوَ الْموضع الَّذِي يتَّخذ فِيهِ الشَّرَاب فِي الْمَوْسِم وَغَيره. قَوْله:(فَاسْتَسْقَى) أَي: طلب الشّرْب. قَوْله:(يَا فضل) ، هُوَ ابْن الْعَبَّاس أَخُو عبد الله، وأمهما لبَابَة بنت الْحَارِث الْهِلَالِيَّة. قَوْله:(إِنَّهُم يجْعَلُونَ إيديهم فِيهِ) وَفِي رِوَايَة الطَّبَرِيّ عَن أبي كريب عَن أبي بكر بن عَيَّاش عَن يزِيد بن أبي زِيَاد عَن عِكْرِمَة (عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: لما طَاف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَتَى الْعَبَّاس وَهُوَ فِي السِّقَايَة فَقَالَ: إسقوني. قَالَ الْعَبَّاس: إِن هَذَا قد مرت يَعْنِي: قد مرس أَفلا أسقيك مِمَّا فِي بُيُوتنَا؟ قَالَ: لَا، وَلَكِن إسقوني مِمَّا يشرب النَّاس، فَأتى بِهِ فذاقه، فقطب ثمَّ دَعَا بِمَاء فَكَسرهُ، ثمَّ قَالَ: إِذا اشْتَدَّ نبيذكم فاكسروه بِالْمَاءِ، وتقطيبه مِنْهُ إِنَّمَا كَانَ لحموضة فَقَط، وكسره بِالْمَاءِ ليهون عَلَيْهِ شربه، وَمثل ذَلِك يحمل على مَا رُوِيَ عَن عمر وَعلي، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، فِيهِ لَا غير. وروى مُسلم من حَدِيث بكر بن عبد الله الْمُزنِيّ قَالَ: كنت جَالِسا مَعَ ابْن عَبَّاس عِنْد الْكَعْبَة، فَأَتَاهُ أَعْرَابِي فَقَالَ: مَا لي أرى بني عمكم يسقون الْعَسَل وَاللَّبن وَأَنْتُم تسقون النَّبِيذ؟ أَمن حَاجَة بكم أم من بخل؟ فَقَالَ ابْن عَبَّاس: الْحَمد لله، مَا بِنَا من حَاجَة وَلَا بخل، قدم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على رَاحِلَته وَخَلفه أُسَامَة، فَاسْتَسْقَى، فأتيناه بِإِنَاء فِيهِ نَبِيذ فَشرب وَسَقَى فَضله أُسَامَة، وَقَالَ: أَحْسَنْتُم وَأَجْمَلْتُمْ، كَذَا فَاصْنَعُوا، وَلَا نزيد مَا أَمر بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (قَالَ: اسْقِنِي) ويروى: (فَقَالَ) ، الْفَاء فِيهِ فصيحة أَي: فَذهب فَأتى بِالشرابِ، فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إسقني. قَوْله:(وهم يسقون) ، جملَة حَالية أَي: يسقون النَّاس. قَوْله:(ويعملون فِيهَا) ، أَي: ينزحون مِنْهَا المَاء. قَوْله:(لَوْلَا أَن تغلبُوا) ، بِضَم التَّاء على صِيغَة الْمَجْهُول، أَي: لَوْلَا أَن يجْتَمع عَلَيْكُم النَّاس، وَمن كَثْرَة الزحام تصيرون مغلوبين. وَقَالَ الدَّاودِيّ: أَي أَنكُمْ لَا تتركوني أستقي وَلَا أحب أَن أفعل بكم مَا تَكْرَهُونَ فتغلبوا. وَقيل: مَعْنَاهُ لَوْلَا أَن تقع عَلَيْكُم الْغَلَبَة بِأَن يجب عَلَيْكُم ذَلِك بِسَبَب فعلي. وَقيل. مَعْنَاهُ: لَوْلَا أَن تغلبُوا بِأَن ينتزعها الْوُلَاة مِنْكُم حرصا على حِيَازَة هَذِه المكرمة. وروى مُسلم من حَدِيث جَابر (أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بني عبد الْمطلب وهم يسقون على زَمْزَم، فَقَالَ: إنزغوا بني عبد الْمطلب، فلولا أَن يغلبكم النَّاس على سِقَايَتكُمْ لنزغت مَعكُمْ، فناولوه دلوا فَشرب مِنْهُ) . وَذكر ابْن السكن أَن الَّذِي نَاوَلَهُ الدَّلْو هُوَ الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: دَلِيل على أَن الظَّاهِر أَن أَفعاله فِيمَا يتَّصل بِأُمُور الشَّرِيعَة على الْوُجُوب، فَتَركه الْفِعْل شَفَقَة أَن يتَّخذ سنة، قَالَه الْخطابِيّ. وَفِيه: الشّرْب من سِقَايَة الْحَاج، وَقَالَ طَاوُوس: الشّرْب من سِقَايَة الْعَبَّاس من تَمام الْحَج، وَقَالَ عَطاء: لقد أدْركْت هَذَا الشَّرَاب، وَأَن الرجل ليشْرب فتلتزق شفتاه من حلاوته، فَلَمَّا ذهبت الْحُرِّيَّة وَولى العبيد تهاونوا بِالشرابِ واستخفوا بِهِ، وروى ابْن أبي شيبَة عَن السَّائِب بن عبد الله أَنه أَمر مُجَاهدًا مَوْلَاهُ بِأَن يشرب من سِقَايَة الْعَبَّاس وَيَقُول: إِنَّه من تَمام السّنة. وَقَالَ الرّبيع بن سعد: أَتَى أَبُو جَعْفَر السِّقَايَة فَشرب وَأعْطى جعفرا فَضله، وَمِمَّنْ شرب مِنْهَا: سعيد بن جُبَير وَأمر بِهِ سُوَيْد بن غَفلَة: وروى ابْن جريج عَن نَافِع أَن ابْن عمر لم يكن يشرب من النَّبِيذ فِي الْحَج، وَكَذَا روى خَالِد ابْن أبي بكر أَنه حج مَعَ سَالم مَا لَا يُحْصى، فَلم يره يشرب من نَبِيذ السِّقَايَة. وَفِيه: إِثْبَات أَمر السِّقَايَة للْحَاج، وَأَن مشروعيته من بَاب إكرام الضَّيْف واصطناع الْمَعْرُوف. وَفِيه: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم تحرم عَلَيْهِ الصَّدقَات الَّتِي سَبِيلهَا الْمَعْرُوف كالمياه الَّتِي تكون فِي السقايات تشربها الْمَارَّة. وَقَالَ ابْن التِّين: شربه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يَخْلُو أَن يكون ذَلِك من مَال الْكَعْبَة الَّذِي كَانَ يُؤْخَذ لَهَا من الْخمس، أَو من مَال الْعَبَّاس الَّذِي عمله للغني وَالْفَقِير، فَشرب مِنْهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليسهل على النَّاس. وَفِيه: أَنه لَا يكره طلب السَّقْي من الْغَيْر. وَفِيه: رد مَا يعرض على الْمَرْء من الْإِكْرَام إِذا عارضته مصلحَة أولى مِنْهُ، لِأَن رده لما عرض عَلَيْهِ الْعَبَّاس مِمَّا يُؤْتى بِهِ من بَيته لمصْلحَة التَّوَاضُع الَّتِي ظَهرت من شربه مِمَّا يشرب مِنْهُ النَّاس. وَفِيه: التَّرْغِيب فِي سقِِي المَاء خُصُوصا مَاء زَمْزَم. وَفِيه: تواضع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَفِيه: حرص أَصْحَابه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الِاقْتِدَاء بِهِ. وَفِيه: كَرَاهَة التقذر والتكره للمأكولات والمشروبات. وَفِيه: أَن الأَصْل فِي الْأَشْيَاء الطَّهَارَة لتنَاوله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، من الشَّرَاب الَّذِي غمست فِيهِ الْأَيْدِي، قَالَه ابْن التِّين، وَالله أعلم بِحَقِيقَة الْحَال.