للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ابْن مُحَمَّد عَن عبيد الله بن عمر عَن نَافِع عَن ابْن عمر، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (من أحرم بِالْحَجِّ وَالْعمْرَة كَفاهُ لَهما طواف وَاحِد وسعي وَاحِد، ثمَّ لَا يحل حَتَّى لَا يحل مِنْهُمَا جَمِيعًا، ثمَّ قَالَ: فَذهب قوم إِلَى هَذَا الحَدِيث، فَقَالُوا: على الْقَارِن بَين الْحَج وَالْعمْرَة طواف وَاحِد لَا يجب عَلَيْهِ من الطّواف غَيره، وَخَالفهُم فِي ذَلِك آخَرُونَ، فَقَالُوا: بل يطوف لكل وَاحِد مِنْهُمَا طَوافا وَاحِدًا وَيسْعَى سعيا وَاحِدًا، وَكَانَ من الْحجَّة لَهُم فِي ذَلِك أَن هَذَا الحَدِيث خطأ أَخطَأ فِيهِ الدَّرَاورْدِي فرفعه إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَإِنَّمَا أَصله عَن ابْن عمر نَفسه، هَكَذَا رَوَاهُ الْحفاظ وهم مَعَ هَذَا لَا يحتجون بالدراوردي، عَن عبيد الله أصلا، فَلم يحتجون لَهُ فِي هَذَا، فَأَما مَا رَوَاهُ الْحفاظ من ذَلِك عَن عبيد الله، فَمَا حَدثنَا صَالح بن عبد الرَّحْمَن، قَالَ: حَدثنَا سعيد ابْن مَنْصُور، قَالَ: حَدثنَا هشيم، قَالَ: حَدثنَا عبد الله عَن نَافِع عَن ابْن عمر، أَنه كَانَ يَقُول: إِذا قرن طَاف لَهما طَوافا وَاحِدًا، فَإِذا فرق طَاف لكل مِنْهُمَا طَوافا، وسعى سعيا انْتهى. ثمَّ قَالَ هَذَا الْقَائِل، بعد أَن نقل كَلَام الطَّحَاوِيّ، وَهُوَ تَعْلِيل مَرْدُود، فالدراوردي صدق، وَلَيْسَ مَا رَوَاهُ مُخَالفا لما رَوَاهُ غَيره، فَلَا مَانع أَن يكون الحَدِيث عِنْد نَافِع على الْوَجْهَيْنِ. انْتهى. قلت: الْمَرْدُود مَا قَالَه وَذهب إِلَيْهِ من غير تَحْقِيق النّظر فِيهِ، فَهَل يحل رد مَا لَا يرد لأجل مَا قصر فِيهِ فهمه، وَكثر تعنته ومصادمته للحق الأبلج؟ أَفلا وقف هَذَا على مَا قَالَه التِّرْمِذِيّ بعد أَن ذكر الحَدِيث الْمَذْكُور؟ وَقد رَوَاهُ غير وَاحِد عَن عبيد الله وَلم يرفعوه، وَهُوَ أصح. وَقَالَ أَبُو عمر فِي (الاستذكار) : لم يرفعهُ أحد عَن عبيد الله غير الدَّرَاورْدِي وكل من رَوَاهُ عَنهُ غَيره، أوقفهُ على ابْن عمر، وَكَذَا رَوَاهُ مَالك عَن نَافِع مَوْقُوفا، وَقَالَ أَبُو زرْعَة: الدَّرَاورْدِي سيء الْحِفْظ، ذكره عَنهُ الذَّهَبِيّ فِي (الكاشف) . وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ، وَحَدِيثه عَن عبيد الله مُنكر، وَقَالَ ابْن سعد: كَانَ كثير الحَدِيث يغلط.

ثمَّ قَالَ هَذَا الْقَائِل: واحتجت الْحَنَفِيَّة بِمَا رُوِيَ عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنه جمع بَين الْحَج وَالْعمْرَة، فَطَافَ لَهما طوافين وسعى لَهما سعيين، ثمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فعل، وَطَرِيقه عَن عَليّ عِنْد عبد الرَّزَّاق وَالدَّارَقُطْنِيّ وَغَيرهمَا ضَعِيفَة، وَكَذَا أخرج من حَدِيث ابْن مَسْعُود بِإِسْنَاد ضَعِيف نَحوه، وَأخرج من حَدِيث ابْن عمر نَحْو ذَلِك، وَفِيه: الْحسن بن عمَارَة وَهُوَ مَتْرُوك. انْتهى. قلت: حَدِيث عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، رَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي (سنَنه الْكُبْرَى) عَن حَمَّاد بن عبد الرَّحْمَن الْأنْصَارِيّ (عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد، قَالَ: طفت مَعَ أبي، وَقد جمع بَين الْحَج وَالْعمْرَة، فَطَافَ لَهما طوافين، وسعى لَهما سعيين، وحَدثني أَن عليا، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فعل ذَلِك، وحدثه أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فعل ذَلِك.

فَإِن قلت: قَالَ صَاحب (التَّنْقِيح) وَحَمَّاد: هَذَا ضعفه الْأَزْدِيّ؟ قلت: ذكره ابْن حبَان فِي (الثِّقَات) وَأخرجه الدَّارَقُطْنِيّ من وُجُوه عَن الْحسن ابْن عمَارَة، ثمَّ قَالَ: وَهُوَ مَتْرُوك، وَعَن حَفْص بن أبي دَاوُد عَن ابْن أبي ليلى. وَقَالَ حَفْص: ضَعِيف، وَعَن عِيسَى بن عبد الله ابْن عَليّ، ثمَّ قَالَ: وَهُوَ مَتْرُوك، قلت: إِذا كثرت طرق الحَدِيث، وَلَو كَانَ فِيهَا ضعفاء تتعاضد وتتقوى.

وروى الطَّحَاوِيّ أَيْضا (عَن أبي النَّضر، قَالَ: أَهلَلْت بِالْحَجِّ فأدركت عليا فَقلت لَهُ: إِنِّي أَهلَلْت بِالْحَجِّ أفأستطيع أَن أضيف إِلَيْهِ عمْرَة؟ قَالَ: لَا لَو كنت أَهلَلْت بِالْعُمْرَةِ ثمَّ أردْت أَن تضيف إِلَيْهَا الْحَج ضممته. قَالَ: قلت: كَيفَ أصنع إِذا أردْت ذَلِك؟ قَالَ: تصب عَلَيْك إداوة مَاء، ثمَّ تحرم بهما جَمِيعًا وَتَطوف لكل وَاحِد مِنْهُمَا طَوافا) ، وَعنهُ عَن عَليّ وَعبد الله قَالَا: الْقَارِن يطوف طوافين، وَيسْعَى سعيين ثمَّ اعْترض هَذَا الْقَائِل أَيْضا على الطَّحَاوِيّ حَيْثُ قَالَ، فِي قَول عَائِشَة: وَأما الَّذين جمعُوا بَين الْحَج وَالْعمْرَة، فَإِنَّمَا طافوا طَوافا وَاحِدًا، أَن مرادها جمعُوا بَين الْحَج وَالْعمْرَة جمع مُتْعَة لَا جمع قرَان، بقوله: وَإِنِّي لكثير التَّعَجُّب مِنْهُ فِي هَذَا الْموضع، كَيفَ سَاغَ لَهُ هَذَا التَّأْوِيل؟ وَحَدِيث عَائِشَة مفصل للحالتين، فَإِنَّهَا صرحت بِفعل من تمتّع، ثمَّ بِمن قرن حَيْثُ، قَالَت: فَطَافَ الَّذين أهلوا بِالْعُمْرَةِ ثمَّ حلوا، ثمَّ طافوا طَوافا آخر بعد أَن رجعُوا من منى، فَهَؤُلَاءِ أهل التَّمَتُّع، ثمَّ قَالَت: وَأما الَّذين جمعُوا، إِلَى آخِره، فَهَؤُلَاءِ أهل القِران، وَهَذَا أبين من أَن يحْتَاج إِلَى بَيَان. انْتهى. قلت: هَذَا الَّذِي ذكره مُتَعَجِّبا أَخذه من كَلَام الْبَيْهَقِيّ، فَإِنَّهُ شنع على الطَّحَاوِيّ فِي كتاب (الْمعرفَة) بِغَيْر معرفَة، حَيْثُ قَالَ: وَزعم بعض من يَدعِي فِي هَذَا تَصْحِيح الْأَخْبَار على مذْهبه، إِنَّمَا أَرَادَت بِهَذَا الْجمع جمع مُتْعَة لَا جمع قرَان. قَالَت: فَإِنَّمَا طافوا طَوافا وَاحِدًا فِي حجتهم، لِأَن حجتهم كَانَت مَكِّيَّة، وَالْحجّة المكية لَا يُطَاف لَهَا قبل عَرَفَة، وَكَيف استجاز لدينِهِ أَن يَقُول مثل هَذَا، وَفِي حَدِيثهَا أَنَّهَا أفردت من جمع بَينهمَا جمع مُتْعَة أَولا بِالذكر، فَذكرت كَيفَ طافوا فِي عمرتهم ثمَّ كَيفَ طافوا فِي حجتهم، ثمَّ لم يبْق إلَاّ المفردون والقارنون،

<<  <  ج: ص:  >  >>