الْمُفْرد أَو الْقَارِن حَتَّى يبلغ الْهَدْي إِلَى مَحَله، وَذَلِكَ فِي أَيَّام النَّحْر لَا قبلهَا، وَيُقَال: مَعْنَاهُ لَو اسْتقْبلت هَذَا الرَّأْي، وَهُوَ الْإِحْرَام بِالْعُمْرَةِ فِي أشهر الْحَج من أول أَمْرِي لم أسق الْهَدْي. قَوْله: (فنسكت الْمَنَاسِك كلهَا) أَي: أَتَت بِأَفْعَال الْحَج كلهَا غير الطّواف بِالْبَيْتِ. قَوْله: (فَلَمَّا طهرت) ، بِفَتْح الْهَاء وَضمّهَا.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: قَالَ النَّوَوِيّ: احْتج بِهِ من قَالَ: إِن التَّمَتُّع أفضل لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يتَمَنَّى إلَاّ الْأَفْضَل. وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَأجَاب الْقَائِلُونَ بتفضيل الْإِفْرَاد أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا قَالَ من أجل فسخ الْحَج إِلَى الْعمرَة الَّذِي هُوَ خَاص بهم فِي تِلْكَ السّنة فَقَط، مُخَالفَة للجاهلية. وَقَالَ هَذَا الْكَلَام تطييبا لقلوب أَصْحَابه، لِأَن نُفُوسهم كَانَت لَا تسمح بِفَسْخ الْحَج قلت: قَالَ الطَّبَرِيّ: وَجُمْلَة الْحَال لَهُ أَنه لم يكن مُتَمَتِّعا، لِأَنَّهُ قَالَ: (لَو اسْتقْبلت من أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرت مَا أهديت) يَعْنِي مَا سقت الْهَدْي ولجعلتها عمْرَة، وَلَا كَانَ مُفردا لِأَن الْهَدْي كَانَ وَاجِبا كَمَا قَالَ، وَذَلِكَ لَا يكون إِلَّا للقارن. وَفِيه: فسخ الْحَج إِلَى الْعمرَة، لَكِن نقُول: إِنَّه كَانَ مَخْصُوصًا بهم فِي تِلْكَ السّنة، وَأَنه لَا يجوز الْيَوْم إلَاّ عِنْد ابْن عَبَّاس، وَبِه قَالَ أَحْمد وَدَاوُد والظاهري. وَفِيه: دَلِيل على جَوَاز الْأَمريْنِ، وَأَنه لَوْلَا مَا سبق من سوقه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْهَدْي لحل مَعَهم، إلَاّ أَن السنَّة فِيمَن سَاق الْهَدْي أَنه لَا يحل إلَاّ بعد بُلُوغ الْهَدْي مَحَله، وَهُوَ نَحره يَوْم النَّحْر. قَالَ القَاضِي: وَفِيه: دَلِيل على أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ مهلا بِالْحَجِّ. قلت: يَعْنِي لم يكن مُعْتَمِرًا، بل كَانَ قَارنا، كَمَا قَالَه الطَّبَرِيّ. وَقَالَ الطَّحَاوِيّ، رَحمَه الله: احْتج بِهَذَا الحَدِيث قوم على جَوَاز فسخ الْحَج فِي الْعمرَة، وَقَالُوا: من طَاف من الْحجَّاج بِالْبَيْتِ قبل وُقُوفه بِعَرَفَة وَلم يكن مِمَّن سَاق الْهَدْي فَإِنَّهُ يحل قلت: أَرَادَ بهؤلاء الْقَوْم جمَاعَة الظَّاهِرِيَّة، وَأحمد، ثمَّ قَالَ: وَخَالفهُم آخَرُونَ، فَقَالُوا: لَيْسَ لأحد دخل فِي حجَّة أَن يخرج مِنْهَا إلَاّ بِتَمَامِهَا، وَلَا يحله شَيْء مِنْهَا قبل يَوْم النَّحْر من طواف وَلَا غَيره. قلت: أَرَادَ بالآخرين جَمَاهِير التَّابِعين وَالْفُقَهَاء مِنْهُم أَحْمد وَأَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وأصحابهم، ثمَّ أجَاب عَن ذَلِك بِمثل مَا ذكرنَا الْآن أَنه كَانَ خَاصّا لَهُم فِي حجتهم تِلْكَ دون سَائِر النَّاس بعدهمْ، ثمَّ قَالَ: وَالدَّلِيل على أَن ذَلِك كَانَ خَاصّا للصحابة الَّذين حجُّوا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دون غَيرهم حَدِيث بِلَال بن الْحَارِث، قَالَ: (قلت: يَا رَسُول الله أَرَأَيْت فسخ حجنا هَذَا لنا خَاصَّة أم للنَّاس عَامَّة؟ قَالَ: بل لكم خَاصَّة) . وَأخرجه أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه.
٢٥٦١ - حدَّثنا مُؤَمَّلُ بنُ هِشَامٍ قَالَ حدَّثنا إسْمَاعِيلُ عنْ أيُّوبَ عَن حَفْصَةَ قالَتْ كُنَّا نَمْنَعُ عَوَاتِقَنَا أنْ يخْرُجْنَ فقَدِمَتِ امْرَأةٌ فنزَلَتْ قَصْرَ بَني خَلَفَ فَحَدَّثَتْ أنَّ أختَهَا كانَتْ تَحْتَ رَجُلٍ مِنْ أصْحَابِ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَدْ غَزَا مَعَ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثِنْتَي عَشْرَةَ غَزْوَةً وكانَتْ أُختِي مَعَهُ فِي سَتِّ غَزَواتٍ قالَتْ كُنَّا نُدَاوِي الْكَلْمَى ونَقُومُ علَى المَرْضى فسَألْت أُخْتِي رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقالَتْ هَلْ عَلى إحْدانَا بأسٌ إنْ لَمْ يَكُنْ لَها جِلْبابٌ أنْ لَا تَخْرُجَ قَالَ لِتُلْبِسهَا صاحِبتُهَا مِنْ جلْبابِهَا ولْتَشْهَدِ الخَيْرَ ودَعْوةَ المُؤْمِنِينَ فلَمَّا قَدِمَتْ أُمُّ عطِيَّةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا سَألْنَهَا أوْ قالَتْ سألْناها فقالَتْ وكانَتْ لَا تَذْكُر رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إلَاّ قالَتْ بِأبِي فقُلْنا أسَمِعْتِ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ كذَا وكَذا قالَتْ نَعَمْ بِأبِي فقالَ لِتَخْرُجِ العَوَاتِقُ ذَواتُ الخُدُورِ أوِ العَواتِقِ وذَوَاتِ الخُدُورِ والحُيَّضُ فيَشْهَدْنَ الخَبَرَ ودَعْوةَ المُسْلِمِينَ ويَعْتَزِلُ الحُيَّضُ المُصَلَّى فَقُلْتُ آلْحَائِضُ فقالتْ أوَلَيْسَ تَشْهَدُ عَرفَةَ وتَشْهَدُ كَذا وتَشْهَدُ كذَا..
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (أَو لَيْسَ تشهد عَرَفَة وَتشهد كَذَا وَتشهد كَذَا وَتشهد كَذَا؟) لِأَن مَعْنَاهُ: تشهد الْوُقُوف بِعَرَفَة، وَتشهد الْوُقُوف بِمُزْدَلِفَة وَرمي الْجمار وَغير ذَلِك من أَفعَال الْحَج غير الطّواف بِالْبَيْتِ، وَهَذَا مُوَافق لقَوْل جَابر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فنسكت الْمَنَاسِك كلهَا غير أَنَّهَا لم تطف بِالْبَيْتِ، وَهَذَا الحَدِيث قد مضى فِي: بَاب شُهُود الْحَائِض
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute