إِلَى جِبْرِيل إِضَافَة الْمصدر إِلَى فَاعله، وَجِبْرِيل لَا ينْصَرف للعلمية والعجمة، وَقد تكلمنا فِيهِ بِمَا فِيهِ الْكِفَايَة فِي أَوَائِل الْكتاب. وَقَوله: (النَّبِي) مَنْصُوب لِأَنَّهُ مفعول الْمصدر، وَقَوله: (عَن الْإِيمَان) يتَعَلَّق بالسؤال. الثَّانِي: وَجه الْمُنَاسبَة بَين الْبَابَيْنِ من حَيْثُ إِن الْمَذْكُور فِي الْبَاب الأول هُوَ الْمُؤمن الَّذِي يخَاف أَن يحبط عمله وَفِي هَذَا الْبَاب يذكر بِمَاذَا يكون الرجل مُؤمنا، وَمن الْمُؤمن فِي الشَّرِيعَة. الثَّالِث: قَوْله (وَعلم السَّاعَة) عطف على قَوْله: الْإِيمَان، أَي: علم الْقِيَامَة. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: سميت سَاعَة لوقوعها بَغْتَة، أَو لسرعة حِسَابهَا، أَو على الْعَكْس لطولها. فَهُوَ تمليح، كَمَا يُقَال فِي الْأسود كافورا، وَلِأَنَّهَا عِنْد الله تَعَالَى على طولهَا كساعة من السَّاعَات عِنْد الْخلق. فَإِن قلت: كَانَ يَنْبَغِي أَن يَقُول: وَوقت السَّاعَة، لِأَن السُّؤَال عَن وَقتهَا حَيْثُ قَالَ، مَتى السَّاعَة؟ وَكلمَة مَتى، للْوَقْت، وَلَيْسَ السُّؤَال عَن علمهَا. قلت: فِيهِ حذف تَقْدِيره: وَعلم وَقت السَّاعَة، بِقَرِينَة ذكر: مَتى، وَالْعلم لَازم السُّؤَال، إِذْ مَعْنَاهُ: أتعلم وَقت السَّاعَة؟ فَأَخْبرنِي، فَهُوَ مُتَضَمّن للسؤال عَن علم وَقتهَا.
وبيَانِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَهُ ثمَّ قَالَ جاءَ جِبْرِيلُ عليهِ السلامُ يُعَلِّمُكمْ دِينَكُمْ فَجَعلَ ذلِكَ كُلَّهُ دِينا. وَمَا بَيَّنَ النَّبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِوَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ مِنَ الإيمانِ. وقَوْلِهِ تَعَالَى {ومَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ دِينا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنهُ} (آل عمرَان: ٨٥) .
و: بَيَان، مجرور لِأَنَّهُ عطف على قَوْله: سُؤال، قَوْله: (لَهُ) أَي: لجبريل، عَلَيْهِ السَّلَام، وَقد أعَاد الْكرْمَانِي الضَّمِير إِلَى الْمَذْكُور من قَوْله: (عَن الْإِيمَان وَالْإِسْلَام والاحسان وَعلم السَّاعَة) ، وَهَذَا وهم مِنْهُ، ثمَّ تكلّف بِجَوَاب عَن سُؤال بناه على مَا زَعمه ذَلِك، فَقَالَ: فَإِن قلت: لم يبين النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقت السَّاعَة، فَكيف قَالَ: وَبَيَان النَّبِي، عَلَيْهِ السَّلَام، لَهُ لِأَن الضَّمِير إِمَّا رَاجع إِلَى الْأَخير أَو إِلَى مَجْمُوع الْمَذْكُور؟ قلت: إِمَّا أَنه أطلق وَأَرَادَ أَكْثَره، إِذْ حكم مُعظم الشَّيْء حكم كُله، أَو جعل الحكم فِيهِ بِأَنَّهُ لَا يُعلمهُ إلَاّ الله بَيَانا لَهُ. قَوْله: (ثمَّ قَالَ) أَي: النَّبِي، عَلَيْهِ السَّلَام، وَهَذَا إِشَارَة إِلَى كَيْفيَّة استدلاله من سُؤال جِبْرِيل، عَلَيْهِ السَّلَام، وَجَوَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِيَّاه على جعل كل ذَلِك دينا، فَلذَلِك قَالَ: ثمَّ قَالَ، بِالْجُمْلَةِ الفعلية عطفا على الْجُمْلَة الاسمية، لِأَن الأسلوب يتَغَيَّر بِتَغَيُّر الْمَقْصُود، لِأَن مَقْصُوده من الْكَلَام الأول هُوَ التَّرْجَمَة، وَمن هَذَا الْكَلَام كَيْفيَّة الِاسْتِدْلَال، فلتغاير المقصودين تغاير الأسلوبان، وَفِي عطف الفعلية على الاسمية وعكسها خلاف بَين النُّحَاة. قَوْله: (فَجعل) أَي: رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَوْله: (ذَلِك) إِشَارَة إِلَى مَا ذكر فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة الْآتِي. فَإِن قلت: علم وَقت السَّاعَة لَيْسَ من الْإِيمَان، فَكيف قَالَ كُله، قلت: الِاعْتِقَاد بوجودها، وبعدم الْعلم بوقتها لغير الله تَعَالَى من الدّين أَيْضا أَو أعْطى للْأَكْثَر حكم الْكل مجَازًا، فِيهِ نظر لِأَن لَفظه: كل، يدْفع الْمجَاز. قَوْله: (وَمَا بَين النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) كلمة الْوَاو هُنَا بِمَعْنى المصاحبة، وَالْمعْنَى: جعل النَّبِي، عَلَيْهِ السَّلَام، سُؤال جِبْرِيل، وَجَوَاب النَّبِي، عَلَيْهِ السَّلَام، كُله دينا مَعَ مَا بيَّن لوفد عبد الْقَيْس من الْإِيمَان، وَبَينه فِي قصتهم بِمَا فسر بِهِ الاسلام هَهُنَا، وَأَرَادَ بِهَذَا الْإِشْعَار بِأَن الْإِيمَان وَالْإِسْلَام وَاحِد، على مَا هُوَ مذْهبه وَمذهب جمَاعَة من الْمُحدثين، وَقد نقل أَبُو عوَانَة الاسفرائني فِي (صَحِيحه) عَن الْمُزنِيّ صَاحب الشَّافِعِي، رَحمَه الله، الْجَزْم بِأَنَّهُمَا وَاحِد، وَأَنه سمع ذَلِك مِنْهُ. وَعَن الإِمَام أَحْمد الْجَزْم بتغايرهما، وَقد بسطنا الْكَلَام فِيهِ فِي أَوَائِل كتاب الْإِيمَان. وَكلمَة مَا، مَصْدَرِيَّة تَقْدِيره: مَعَ بَيَان النَّبِي، عَلَيْهِ السَّلَام، لوفد عبد الْقَيْس. قَوْله: وَقَوله {وَمن يبتغ غير الاسلام دينا فَلَنْ يقبل مِنْهُ} (آل عمرَان: ٨٥) عطف على قَوْله: (وَمَا بَين النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام) ، وَالتَّقْدِير: وَمَعَ قَوْله تَعَالَى: {وَمن يبتغ} (آل عمرَان: ٨٥) أَي مَعَ مَا دلّت عَلَيْهِ الْآيَة أَن الْإِسْلَام هُوَ الدّين، أَي: وَمن يطْلب غير الْإِسْلَام دينا، والابتغاء: الطّلب.
(حَدثنَا مُسَدّد قَالَ حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم أخبرنَا أَبُو حَيَّان التَّيْمِيّ عَن أبي زرْعَة عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بارزاً يَوْمًا للنَّاس فَأَتَاهُ جِبْرِيل فَقَالَ مَا الْإِيمَان قَالَ الْإِيمَان أَن تؤمن بِاللَّه وَمَلَائِكَته وبلقائه وَرُسُله وتؤمن بِالْبَعْثِ قَالَ الْإِسْلَام قَالَ الْإِسْلَام أَن تعبد الله وَلَا تشرك بِهِ وتقيم الصَّلَاة وَتُؤَدِّي الزَّكَاة الْمَفْرُوضَة وتصوم رَمَضَان قَالَ مَا الْإِحْسَان
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute