صَلَاة فِي وَقتهَا جَازَ ذَلِك، وَبِه قَالَ الْأَوْزَاعِيّ وَإِسْحَاق بن رَاهَوَيْه وَأَبُو ثَوْر، وَأَبُو يُوسُف وَأَشْهَب، وَحَكَاهُ النَّوَوِيّ عَن أَصْحَاب الحَدِيث، وَبِه قَالَ من التَّابِعين: عَطاء وَعُرْوَة وَسَالم وَالقَاسِم وَسَعِيد بن جُبَير. وَفِيه: أَن الْإِقَامَة لكل وَاحِدَة من الْمغرب وَالْعشَاء.
وَفِيه: للْعُلَمَاء سِتَّة أَقْوَال: أَحدهَا: أَنه يُقيم لكل مِنْهُمَا وَلَا يُؤذن لوَاحِدَة مِنْهُمَا، وَهُوَ قَول الْقَاسِم وَمُحَمّد وَسَالم وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَات عَن ابْن عمر، وَبِه قَالَ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه وَأحمد بن حَنْبَل فِي أحد الْقَوْلَيْنِ عَنهُ. وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَأَصْحَابه فِيمَا حَكَاهُ الْخطابِيّ وَالْبَغوِيّ وَغير وَاحِد، وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي (شرح مُسلم) : الصَّحِيح عِنْد أَصْحَابنَا أَنه يُصَلِّيهمَا بِأَذَان للأولى وَإِقَامَتَيْنِ لكل وَاحِدَة إِقَامَة. وَقَالَ فِي الْإِيضَاح إِنَّه الْأَصَح. الثَّانِي: أَن يُصَلِّيهمَا بِإِقَامَة وَاحِدَة للأولى وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَات عَن ابْن عمر، وَهُوَ قَول سُفْيَان الثَّوْريّ فِيمَا حَكَاهُ التِّرْمِذِيّ والخطابي وَابْن عبد الْبر وَغَيرهم. الثَّالِث: أَنه يُؤذن للأولى وَيُقِيم لكل وَاحِدَة مِنْهُمَا، وَهُوَ قَول أَحْمد بن حَنْبَل فِي أصح قوليه، وَبِه قَالَ أَبُو ثَوْر وَعبد الْملك بن الْمَاجشون من الْمَالِكِيَّة، والطَّحَاوِي، وَقَالَ الْخطابِيّ هُوَ قَول أهل الرَّأْي، وَذكر ابْن عبد الْبر أَن الْجوزجَاني حَكَاهُ عَن مُحَمَّد بن الْحسن عَن أبي يُوسُف عَن أبي حنيفَة. الرَّابِع: أَنه يُؤذن للأولى وَيُقِيم لَهَا وَلَا يُؤذن للثَّانِيَة وَلَا يُقيم لَهَا، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف، حَكَاهُ النَّوَوِيّ وَغَيره. قلت: هَذَا هُوَ مَذْهَب أَصْحَابنَا، وَعند زفر: بِأَذَان وَإِقَامَتَيْنِ. الْخَامِس: أَنه يُؤذن لكل مِنْهُمَا وَيُقِيم، وَبِه قَالَ عمر بن الْخطاب وَعبد الله بن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَهُوَ قَول مَالك وَأَصْحَابه إلَاّ ابْن الْمَاجشون، وَلَيْسَ لَهُم فِي ذَلِك حَدِيث مَرْفُوع، قَالَه ابْن عبد الْبر. السَّادِس: أَنه لَا يُؤذن لوَاحِدَة مِنْهُمَا وَلَا يُقيم، حَكَاهُ الْمُحب الطَّبَرِيّ عَن بعض السّلف، وَهَذَا كُله فِي جمع التَّأْخِير.
أما جمع التَّقْدِيم كالظهر وَالْعصر بنمرة فَفِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهَا: أَنه يُؤذن للأولى وَيُقِيم لَهَا وَلَا يُقيم لكل مِنْهُمَا، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَجُمْهُور أَصْحَابه. وَالثَّانِي: أَنه يُؤذن للأولى وَيُقِيم لَهَا وَلَا يُقيم للثَّانِيَة، وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة. وَالثَّالِث: أَنه يُؤذن لكل مِنْهُمَا وَيُقِيم، وَهُوَ وَجه حَكَاهُ الرَّافِعِيّ عَن ابْن كج عَن أبي الْحُسَيْن الْقطَّان أَنه أخرجه وَجها. فَإِن قلت: مَا الأَصْل فِي هَذِه الْأَقْوَال؟ قلت: الَّذِي قَالَ بِأَذَان وَاحِد وَإِقَامَتَيْنِ، قَالَ بِرِوَايَة جَابر، وَالَّذِي قَالَ بِلَا أَذَان وَلَا إِقَامَة قَالَ بِحَدِيث أبي أَيُّوب وَابْن عمر، فَإِنَّهُ لَيْسَ فيهمَا أَذَان وَلَا إِقَامَة، وَكَذَا رَوَاهُ طلق بن حبيب وَابْن سِيرِين وَنَافِع عَن ابْن عمر من فعله، وَالَّذِي قَالَ بِإِقَامَة وَاحِدَة قَالَ بِحَدِيث الزُّهْرِيّ عَن سَالم عَن ابْن عمر:(أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، جمع بَين الْمغرب وَالْعشَاء بِجمع بِإِقَامَة وَاحِدَة) ، وَكَذَا رَوَاهُ ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا عِنْد مُسلم، وَالَّذِي قَالَ بِإِقَامَة للمغرب وَإِقَامَة للعشاء بِحَدِيث أُمَامَة وَكَذَا فعله عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَهَذِهِ الْأَحَادِيث الَّتِي رويت كلهَا مُسندَة، قَالَه ابْن حزم، وَقَالَ: وَأَشد الِاضْطِرَاب فِي ذَلِك عَن ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنهُ من عمله الْجمع بَينهمَا بِلَا أَذَان وَلَا إِقَامَة، وَرُوِيَ عَنهُ أَيْضا إِقَامَة وَاحِدَة، وَرُوِيَ عَنهُ مَوْقُوفا بِأَذَان وَاحِد وَإِقَامَة وَاحِدَة.، وَرُوِيَ عَنهُ مُسْندًا الْجمع بَينهمَا بإقامتين، وروى عَنهُ مُسْندًا بِأَذَان وَاحِد وَإِقَامَة وَاحِدَة. قَالَ: وَهنا قَول سادس وَلم نجده مرويا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ مَا روينَاهُ عَن ابْن مَسْعُود أَنه: صلى الْمغرب بِالْمُزْدَلِفَةِ كل وَاحِد مِنْهُمَا بِأَذَان وَإِقَامَة. قلت: هَذَا رَوَاهُ البُخَارِيّ عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا على مَا يَأْتِي، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
وَفِيه: أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يتَنَفَّل بَين الْمغرب وَالْعشَاء حِين جمع بَينهمَا بِالْمُزْدَلِفَةِ وَلَا عقيب كل وَاحِدَة مِنْهُمَا، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لما لم يكن بَين الْمغرب وَالْعشَاء مهلة لم يتَنَفَّل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَينهمَا، بِخِلَاف الْعشَاء فَإِنَّهُ يحْتَمل أَن يكون المُرَاد أَنه لم يتَنَفَّل عقيبها، لكنه تنفل بعد ذَلِك فِي أثْنَاء اللَّيْل، وَنقل ابْن الْمُنْذر الْإِجْمَاع على ترك التَّطَوُّع بَين الصَّلَاتَيْنِ بِالْمُزْدَلِفَةِ، وَمن تنفل بَينهمَا لم يَصح أَنه جمع بَينهمَا.
ذكر رِجَاله: وهم سِتَّة: الأول: خَالِد بن مخلد، بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة: البَجلِيّ أَبُو الْهَيْثَم وَيُقَال: أَبُو مُحَمَّد، وَقد مر فِي أول كتاب الْعلم. الثَّانِي: سُلَيْمَان بن بِلَال أَبُو أَيُّوب الْقرشِي التَّيْمِيّ. الثَّالِث: يحيى بن سعيد