المَكَانِ المَغْرِبَ والْعِشَاءَ فَلَا يَقْدَمُ النَّاسُ جَمْعا حَتَّى يُعْتِمُوا وصَلَاةَ الْفَجْرِ هاذِهِ السَّاعَةَ ثُمَّ وقَفَ حَتَّى أسْفَرَ ثُمَّ قَالَ لَوْ أنَّ أميرَ المُؤمِنِينَ أفاضَ الآنَ أصَابَ السُّنَّةَ فَمَا أدْرِي أقوْلُهُ كانِ أسْرَعَ أمْ دَفْعُ عُثْمَانَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فلَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ.
(انْظُر الحَدِيث ٥٧٦١ وطرفه) .
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث عبد الله بن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ السَّابِق عَن عبد الله بن رَجَاء، بِفَتْح الرَّاء وَالْجِيم: ابْن الْمثنى الْبَصْرِيّ عَن إِسْرَائِيل بن يُونُس عَن جده أبي إِسْحَاق عَمْرو بن عبد الله السبيعِي الْكُوفِي عَن عبد الرَّحْمَن بن يزِيد النَّخعِيّ الْكُوفِي. قَوْله: (خرجنَا) وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: (خرجت) ، بِالْإِفْرَادِ. قَوْله: (مَعَ عبد الله) هُوَ ابْن مَسْعُود. قَوْله: (ثمَّ قدمنَا جمعا) أَي: الْمزْدَلِفَة. قَوْله: (فصلى الصَّلَاتَيْنِ) أَي: الْمغرب وَالْعشَاء. قَوْله: (كل صَلَاة) بِنصب: كل، أَي: صلى كل صَلَاة مِنْهُمَا. قَوْله: (وَالْعشَاء بَينهمَا) بِفَتْح الْعين لَا بِكَسْرِهَا، لِأَن المُرَاد بِهِ الطَّعَام الَّذِي يتعشى بِهِ، وَالْوَاو فِيهِ للْحَال. قَوْله: (الْمغرب وَالْعشَاء) ، يجوز النصب فيهمَا على أَنه عطف بَيَان لقَوْله: (هَاتين الصَّلَاتَيْنِ) ، وَيجوز الرّفْع فيهمَا على أَن الْمغرب خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: إِحْدَى الصَّلَاتَيْنِ الْمغرب، وَالْأُخْرَى الْعشَاء. قَوْله: (حولنا) أَي: غَيرنَا. قَوْله: (فَلَا يقدم) بِفَتْح الدَّال. قَوْله: (جمعا) أَي: الْمزْدَلِفَة. قَوْله: (حَتَّى يعتموا) بِضَم الْيَاء من الإعتام، وَهُوَ الدُّخُول فِي وَقت الْعشَاء الْآخِرَة. قَوْله: (هَذِه السَّاعَة) أَي: بعد طُلُوع الصُّبْح قبل ظُهُوره للعامة. قَوْله: (حَتَّى أَسْفر) أَي: حَتَّى أَضَاء الصُّبْح وانتشر. قَوْله: (فَمَا أَدْرِي) ، هُوَ كَلَام عبد الرَّحْمَن بن يزِيد الرَّاوِي عَن ابْن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَقَالَ الْكرْمَانِي: هُوَ قَول عبد الله بن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَهَذَا غلط وَالظَّاهِر أَنه قد وَقع من النَّاسِخ، وَالله تَعَالَى أعلم. قَوْله: (أصَاب السّنة) ، يَعْنِي فعل رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (أم دفع عُثْمَان) ، يَعْنِي: من مُزْدَلِفَة، وَكَانَ حِينَئِذٍ أميرَ الْمُؤمنِينَ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَالْمرَاد أَن السّنة الدّفع من الْمشعر الْحَرَام عِنْد الْإِسْفَار قبل طُلُوع الشَّمْس خلافًا لما كَانَ عَلَيْهِ أهل الْجَاهِلِيَّة. قَوْله: (فَلم يزل يُلَبِّي) أَي: لم يزل ابْن مَسْعُود يُلَبِّي حَتَّى رمى جَمْرَة الْعقبَة يَوْم النَّحْر.
وَاخْتلف السّلف فِي الْوَقْت الَّذِي يقطع فِيهِ الْحَاج التَّلْبِيَة، فَذَهَبت طَائِفَة إِلَى أَن التَّلْبِيَة لَا تقطع حَتَّى يَرْمِي جَمْرَة الْعقبَة، وَهُوَ مَرْوِيّ عَن ابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَبِه قَالَ عَطاء وطاووس وَالنَّخَعِيّ وَابْن أبي ليلى وَالثَّوْري وَأَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق، وروى عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنه كَانَ يُلَبِّي فِي الْحَج. فَإِذا زاغت الشَّمْس من يَوْم عَرَفَة قطعهَا. وَقَالَ مَالك: وَذَلِكَ الْأَمر الَّذِي لم يزل عَلَيْهِ أهل الْعلم ببلدنا، وَقَالَ ابْن شهَاب: وَفعل ذَلِك الْأَئِمَّة أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعَائِشَة وَابْن الْمسيب، وَذكر ابْن الْمُنْذر عَن سعد مثله، وَذكر أَيْضا عَن مَكْحُول، وَكَانَ ابْن الزبير، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، يَقُول: أفضل الدُّعَاء يَوْم عَرَفَة التَّكْبِير، وروى مَعْنَاهُ عَن جَابر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، ثمَّ اخْتلف بعض هَؤُلَاءِ، فَقَالَ الثَّوْريّ وَأَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو ثَوْر، يقطع التَّلْبِيَة مَعَ أول حَصَاة يرميها من جَمْرَة الْعقبَة. وَقَالَ أَحْمد وَإِسْحَاق وَطَائِفَة من أهل النّظر، والأثر لَا يقطعهَا حَتَّى يَرْمِي جَمْرَة الْعقبَة بأسرها، قَالُوا: وَهُوَ قَول ظَاهر الحَدِيث أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لم يزل يُلَبِّي حَتَّى رمى جَمْرَة الْعقبَة، وَلم يقل: حَتَّى رمى بَعْضهَا. قلت: روى الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث شريك عَن عَامر بن شَقِيق عَن أبي وَائِل (عَن عبد الله قَالَ: رمقت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلم يزل يُلَبِّي حَتَّى رمى جَمْرَة الْعقبَة بِأول حَصَاة) فَإِن قلت: أخرج ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه، (عَن الْفضل بن عَبَّاس، قَالَ: أفضت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من عَرَفَات، فَلم يزل يُلَبِّي حَتَّى رمى جَمْرَة الْعقبَة، يكبر مَعَ كل حَصَاة ثمَّ قطع التَّلْبِيَة مَعَ آخر حَصَاة. قلت: قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذِه زِيَادَة غَرِيبَة لَيست فِي الرِّوَايَات عَن الْفضل، وَإِن كَانَ ابْن خُزَيْمَة قد اخْتَارَهَا، وَقَالَ الذَّهَبِيّ فِيهِ نَكَارَة. وَقَوله: (يكبر مَعَ كل حَصَاة) ، يدل على أَنه قطع التَّلْبِيَة مَعَ أول حَصَاة، وَهَذَا ظَاهر لَا يخفى. فَإِن قلت: هَذَا حكم الْحَاج، فَمَا حكم الْمُعْتَمِر؟ قلت: قَالَ قوم: يقطع الْمُعْتَمِر التَّلْبِيَة إِذا دخل الْحرم، وَقَالَ قوم: لَا يقطعهَا حَتَّى يرى بيُوت مَكَّة، وَقَالَ قوم: حَتَّى يدْخل بيُوت مَكَّة. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يقطعهَا حَتَّى يسْتَلم الْحجر، فَإِذا استلمه قطعهَا، وَقَالَ اللَّيْث إِذا بلغ الْكَعْبَة قطعهَا، وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يقطعهَا حَتَّى يفْتَتح الطّواف، وَقَالَ مَالك: إِن أحرم من الْمِيقَات قطعهَا إِذا دخل الْحرم، وَإِن أحرم من الْجِعِرَّانَة أَو من التَّنْعِيم قطعهَا إِذا دخل بيُوت مَكَّة، أَو إِذا دخل الْمَسْجِد. وَاسْتدلَّ أَبُو حنيفَة بِمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute