فَالْتَفت إِلَيّ فَقَالَ: جهل النَّاس أم نسوا؟ وَالَّذِي بعث مُحَمَّدًا بِالْحَقِّ، لقد خرجت مَعَه من منى إِلَى عَرَفَة فَمَا ترك التَّلْبِيَة حَتَّى رمى الْجَمْرَة إلَاّ أَن يخلطها بتكبير أَو تهليل.
٥٨٦١ - حدَّثنا أبُو عَاصِمٍ الضَّحاكُ بنُ مَخْلِدٍ قَالَ أخبرنَا ابنُ جُرَيْجٍ عَن عَطاءٍ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أرْدَفَ الْفَضلُ فأخْبرَ الفَضلُ أنَّهُ لَمْ يَزلْ يُلَبِّي حَتَّى رمَى الجَمْرَةَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي الجزءين مِنْهَا، وهما: الإرداف والتلبية، وَأما ذكر التَّكْبِير فِيهَا فَلَيْسَ لَهُ ذكر فِي هَذَا الحَدِيث، وَقد ذَكرْنَاهُ الْآن، وَقد ذكره البُخَارِيّ فِي: بَاب النُّزُول بَين عَرَفَة وَجمع. قَالَ كريب: فَأَخْبرنِي عبد الله بن عَبَّاس عَن الْفضل، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لم يزل يُلَبِّي حَتَّى بلغ الْجَمْرَة. قَوْله: (فَأخْبر الْفضل) أَي: أخبر الْفضل ابْن عَبَّاس أَنه أَي: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَفِي رِوَايَة مُسلم من طَرِيق عِيسَى بن يُونُس عَن ابْن جريج عَن عَطاء: فَأَخْبرنِي ابْن عَبَّاس أَن الْفضل أخبرهُ، وَبَقِيَّة الْكَلَام قد مَضَت هُنَاكَ مستقصاة.
٧٨٦١ - حدَّثنا زُهَيْرُ بنُ حَرْبٍ قَالَ حدَّثنا وهْبُ بنُ جَرِيرٍ قَالَ حَدثنَا أبي عنْ يُونُسَ الأيْلِيِّ عنِ الزُهْرِيِّ عنْ عُبَيْدِ الله بنِ عَبْدِ الله عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أنَّ أُسامَةَ بنَ زَيْدٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا كانَ رِدْفَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْ عَرَفةَ إِلَى المُزْدَلِفةِ ثُمَّ أرْدَفَ الفَضْلَ مِنْ المُزْدَلِفةِ إِلَى مِنىً قَالَ فكِلاهُما قالَا لَمْ يَزلِ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي الإرداف والتلبية إِلَى رمي جَمْرَة الْعقبَة، وَهَذَا طَرِيق ثَان لحَدِيث ابْن عَبَّاس السَّابِق أخرجه عَن زُهَيْر، مصغر الزهر: ابْن حَرْب ضد الصُّلْح النَّسَائِيّ، بالنُّون وبالسين الْمُهْملَة، مَاتَ بِبَغْدَاد سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ، وروى عَنهُ مُسلم أَيْضا، ووهب بن جرير، بِفَتْح الْجِيم وَكسر الرَّاء: أَبُو الْعَبَّاس، وَهُوَ يروي عَن أَبِيه جرير بن حَازِم بن زيد أَبُو النَّضر الْبَصْرِيّ، وَيُونُس بن يزِيد الْأَيْلِي، وَالزهْرِيّ مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب، وَعبيد الله، بِضَم الْعين: ابْن عبد الله، بِالْفَتْح: ابْن عتبَة بن مَسْعُود أحد الْفُقَهَاء السَّبْعَة.
وَفِي هَذَا السَّنَد رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ. وَفِيه: ثَلَاثَة من الصَّحَابَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، يروي أحدهم وَهُوَ ابْن عَبَّاس عَن الآخرين وهما أُسَامَة بن زيد وَالْفضل بن عَبَّاس، وَهُوَ معنى قَوْله: (قَالَ فكلاهما قَالَا) أَي: قَالَ ابْن عَبَّاس: فكلاهما، أَي: أُسَامَة وَالْفضل، قَالَا: لم يزل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُلَبِّي فِي أَوْقَات حجه حَتَّى رمى أَي: إِلَى أَن رمى جَمْرَة الْعقبَة يَوْم النَّحْر. فَإِن قلت: ذكر أُسَامَة فِي هَذَا فِيهِ إِشْكَال لِأَن مُسلما روى هَذَا الحَدِيث من رِوَايَة إِبْرَاهِيم بن عقبَة قَالَ: (أَخْبرنِي كريب أَنه سَأَلَ أُسَامَة بن زيد: كَيفَ صَنَعْتُم حِين ردفت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَشِيَّة عَرَفَة؟) الحَدِيث بِطُولِهِ، وَفِيه: (حَتَّى جِئْنَا الْمزْدَلِفَة فَأَقَامَ الْمغرب ثمَّ أَنَاخَ النَّاس فِي مَنَازِلهمْ وَلم يحلوا حَتَّى أَقَامَ الْعشَاء الْآخِرَة فصلى ثمَّ حلوا، قلت: وَكَيف فَعلْتُمْ حِين أَصْبَحْتُم؟ قَالَ: ردفه الْفضل بن الْعَبَّاس وَانْطَلَقت أَنا فِي سباق قُرَيْش على رحلي) . فَمُقْتَضى هَذَا أَن يكون أُسَامَة قد سبق إِلَى رمي الْجَمْرَة، فَيكون إخْبَاره بِمثل مَا أخبر بِهِ الْفضل من التَّلْبِيَة مُرْسلا قلت: لَا مَانع من رُجُوعه إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وإتيانه مَعَه إِلَى الْجَمْرَة، أَو أَقَامَ بالجمرة حَتَّى أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَيُؤَيّد هَذَا مَا رَوَاهُ مُسلم أَيْضا من حَدِيث أم الْحصين، قَالَت: (فَرَأَيْت أُسَامَة بن زيد وبلالاً فِي حجَّة الْوَدَاع، وَأَحَدهمَا آخذ بِخِطَام نَاقَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَالْآخر رَافع ثَوْبه يستره من الْحر حَتَّى رمى جَمْرَة الْعقبَة) . وَاحْتج بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُور أَبُو حنيفَة وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق وأصحابهم على اسْتِمْرَار التَّلْبِيَة إِلَى حِين رمى جَمْرَة الْعقبَة على مَا ذَكرْنَاهُ فِيمَا مضى مفصلا، وروى سعيد بن مَنْصُور من طَرِيق ابْن عَبَّاس، قَالَ: حججْت مَعَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، إِحْدَى عشرَة حجَّة، فَكَانَ يُلَبِّي حَتَّى يَرْمِي الْجَمْرَة. وَذكر الطَّحَاوِيّ أَن الْإِجْمَاع وَقع من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ على أَن التَّلْبِيَة لَا تقع إلَاّ مَعَ رمي جَمْرَة الْعقبَة، أما مَعَ أول حَصَاة، أَو بعد تَمامهَا على اخْتِلَاف فِيهِ. وَدَلِيل الْإِجْمَاع أَن عمر بن الْخطاب كَانَ يُلَبِّي غَدَاة الْمزْدَلِفَة بِحُضُور مَلأ من الصَّحَابَة وَغَيرهم، فَلم يُنكر عَلَيْهِ أحد مِنْهُم بذلك،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute