قَالَ أَبُو زيد: القانع هُوَ المتعرض لما فِي أَيدي النَّاس، وَهُوَ ذمّ لَهُ، وَهُوَ الطمع، وَقَالَ صَاحب (الْعين) : القنوع الذلة للمسألة. وَقَالَ إِبْرَاهِيم: قنع إِلَيْهِ مَال وخضع وَهُوَ السَّائِل والمعتر الَّذِي يتَعَرَّض وَلَا يسْأَل، وَقَالَ الزّجاج القانع الَّذِي يقنع بِمَا يعطاه، وَقيل: الَّذِي يقنع باليسير. وَقَالَ قطرب: كَانَ الْحسن يَقُول: هُوَ السَّائِل الَّذِي يقنع بِمَا أوتيه وَيصير القانع من معنى القناعة والرضى. وَقَالَ الطوسي: قنع يقنع قنوعا إِذا سَأَلَ وتكفف، وقنع يقنع قناعة إِذا رَضِي. قلت: الأول من بَاب، فتح يفتح، وَالثَّانِي من بَاب: علم يعلم، قَالَ إِسْمَاعِيل: وَقَالُوا: رجل قنعان، بِضَم الْقَاف يرضى باليسير، وَقَالَ صَاحب (الْعين) : القانع خَادِم الْقَوْم وأجيرهم، وَقَرَأَ الْحسن والمعتري، وَمَعْنَاهُ: المعتر، يُقَال: أعتره واعتراه وعره وعراه إِذا تعرض لما عِنْده أَو طَالبه، وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد، قَالَ: القانع هُوَ الطامع، وَقَالَ مرّة: هُوَ السَّائِل، وَمن طَرِيق الثَّوْريّ عَن فرات عَن سعيد بن جُبَير: المعتر الَّذِي يعتريك يزورك وَلَا يَسْأَلك، وَمن طَرِيق ابْن جريج عَن مُجَاهِد: المعتر الَّذِي يعتر بِالْبدنِ من غَنِي أَو فَقير، يَعْنِي: يطِيف بهَا متعرضا لَهَا، وَهَذَا الَّذِي ذكره البُخَارِيّ مُعَلّقا.
وشعَائِرُ الله اسْتِعْظَامُ البُدْنِ واسْتِحْسَانُهَا
أَشَارَ بِهِ إِلَى تَفْسِير مَا ذكر فِي الْآيَة الْمَذْكُورَة من شَعَائِر الله، وَأخرجه عبد بن حميد من طَرِيق وَرْقَاء عَن ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وَمن يعظم شَعَائِر الله} (الْحَج، ٢٣) . قَالَ: استعظام الْبدن استحسانها وإسمانها، وَرَوَاهُ ابْن أبي شيبَة من وَجه آخر عَن ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، نَحوه.
والْعَتِيقُ عِتْقُهُ مِنَ الجَبَابِرَةِ
أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا ذكر قبل الْآيَتَيْنِ المذكورتين من قَوْله تَعَالَى: {وليطوفوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيق} (الْحَج: ٩٢) . وَفسّر: الْعَتِيق، بقوله: عتقه من الْجَبَابِرَة، وَعَن قَتَادَة: أعتق من الْجَبَابِرَة فكم جَبَّار سَار إِلَيْهِ ليهدمه فَمَنعه الله، وَعَن مُجَاهِد: أعتق من الْغَرق، وَأخرج عبد بن حميد من طَرِيق سُفْيَان عَن ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد، قَالَ: إِنَّمَا سمي الْعَتِيق لِأَنَّهُ أعتق من الْجَبَابِرَة. وَقيل: سمي الْعَتِيق لقدمه. وَقيل: لِأَنَّهُ لم يملك قطّ.
ويُقَالُ وجَبَتْ سَقَطَتْ إلَى الأرْضِ ومِنْهُ وجَبَتِ الشَّمْسُ
أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا ذكر فِي الْآيَة الْمَذْكُورَة من قَوْله: {فَإِذا وَجَبت جنوبها} (الْحَج: ٦٣) . وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق مقسم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: فَإِذا وَجَبت أَي: سَقَطت، وَكَذَا أخرجه الطَّبَرِيّ من طَرِيقين عَن مُجَاهِد. قَوْله: (وَمِنْه) ، أَي: وَمن الْمَعْنى الْمَذْكُور، وَقَوْلهمْ: وَجَبت الشَّمْس إِذا سَقَطت للغروب.
٩٨٦١ - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا مالِكٌ عَنْ أبِي الزِّنَادِ عنِ الأعْرَجِ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَأى رَجُلاً يَسُوقُ بَدَنَةً فَقَالَ ارْكَبْهَا فَقَالَ إنَّهَا بَدَنَةٌ فَقَالَ ارْكَبُهَا قَالَ إنَّهَا بَدَنةٌ قَالَ ارْكَبْهَا ويْلَكَ فِي الثَّالِثَةِ أوْ فِي الثَّانِيَةِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَرِجَاله قد تكَرر ذكرهم، وَأَبُو الزِّنَاد بِكَسْر الزَّاي وَالنُّون واسْمه، عبد الله بن ذكْوَان، والأعرج عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز، وَلم تخْتَلف الروَاة عَن مَالك عَن أبي الزِّنَاد فِيهِ، وَرَوَاهُ ابْن عُيَيْنَة عَن أبي الزِّنَاد فَقَالَ: عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة أَو: عَن أبي الزِّنَاد عَن مُوسَى بن أبي عُثْمَان عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة أخرجه سعيد بن مَنْصُور عَنهُ، وَقد رَوَاهُ الثَّوْريّ عَن أبي الزِّنَاد بالإسنادين مفرقا.
وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْوَصَايَا عَن إِسْمَاعِيل بن أبي أويس، وَفِي الْأَدَب: عَن قُتَيْبَة. وَأخرجه مُسلم فِي الْحَج أَيْضا عَن يحيى بن يحيى. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن القعْنبِي. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة، خمستهم عَن مَالك بِهِ.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (رأى رجلا) لم يدر اسْمه. قَوْله: (يَسُوق بَدَنَة) كَذَا وَقع فِي أَكثر الرِّوَايَات، وَفِي رِوَايَة لمُسلم عَن أبي الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج بِهَذَا الْإِسْنَاد. قَالَ: (بَيْنَمَا رجل يَسُوق بدقة مقلدة) ، وَفِي رِوَايَة لَهُ عَن همام بن مُنَبّه قَالَ: (هَذَا مَا حَدثنَا