مَسْعُودَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ حِينَ رمَى جَمرَةَ الْعَقَبَةِ فاسْتَبْطَنَ الوَادِي حَتَّى إذَا حاذَى بالشَّجَرَةِ اعْتَرَضَهَا فرَمَى بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ ثُمَّ قالَ مِنْ هاهُنَا والَّذِي لَا إِلاهَ غَيْرُهُ قامَ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ البَقَرَةِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (يكبر مَعَ كل حَصَاة) ، وَهَذَا طَرِيق آخر لحَدِيث ابْن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَعبد الْوَاحِد هُوَ ابْن زِيَاد الْبَصْرِيّ، وَالْأَعْمَش هُوَ سُلَيْمَان، وَالْحجاج هُوَ ابْن يُوسُف نَائِب عبد الْملك بن مَرْوَان بالعراق.
قَوْله: (قَالَ سَمِعت الْحجَّاج يَقُول) هَذَا حِكَايَة عَن الْأَعْمَش عَن الْحجَّاج لأجل إِظْهَار خطئه، وَلم يقْصد بِهِ الرِّوَايَة عَنهُ لِأَنَّهُ لم يكن أَهلا لذَلِك، وأصل الْقَضِيَّة أَن الْأَعْمَش سمع الْحجَّاج يَقُول وَهُوَ على الْمِنْبَر: السُّورَة الَّتِي تذكر فِيهَا الْبَقَرَة وَالسورَة الَّتِي تذكر فِيهَا آل عمرَان وَالسورَة الَّتِي تذكر فِيهَا النِّسَاء، وَلم يقل: سُورَة الْبَقَرَة وَسورَة آل عمرَان وَسورَة النِّسَاء، وَلم ير بِإِضَافَة السُّورَة إِلَى الْبَقَرَة وَلَا إِلَى آل عمرَان وَلَا إِلَى النِّسَاء، وَنَحْو ذَلِك. وروى النَّسَائِيّ بِلَفْظ: لَا تَقولُوا: سُورَة الْبَقَرَة، قولا: السُّورَة الَّتِي تذكر فِيهَا الْبَقَرَة. وَفِي رِوَايَة مُسلم عَن الْأَعْمَش، قَالَ: سَمِعت الْحجَّاج بن يُوسُف يَقُول وَهُوَ يخْطب على الْمِنْبَر: ألفوا الْقُرْآن كَمَا أَلفه جِبْرِيل، عَلَيْهِ السَّلَام، السُّورَة الَّتِي تذكر فِيهَا الْبَقَرَة، وَالسورَة الَّتِي تذكر فِيهَا آل عمرَان. قَالَ: فَلَقِيت إِبْرَاهِيم فَأَخْبَرته بقوله، فَسَبهُ، ثمَّ قَالَ: حَدثنِي عبد الرَّحْمَن بن يزِيد أَنه حج مَعَ عبد الله بن مَسْعُود فَأتى جَمْرَة الْعقبَة، فاستبطن الْوَادي فاستعرضها فَرَمَاهَا من بطن الْوَادي بِسبع حَصَيَات، يكبر مَعَ كل حَصَاة. قَالَ: فَقلت: يابا عبد الرَّحْمَن إِن النَّاس يَرْمُونَهَا من فَوْقهَا؟ فَقَالَ: وَالَّذِي لَا إل هـ غَيره مقَام الَّذِي أنزلت عَلَيْهِ سُورَة الْبَقَرَة. انْتهى. وَلما قَالَ الْأَعْمَش لإِبْرَاهِيم مَا قَالَ، وحدثه إِبْرَاهِيم عَن عبد الرَّحْمَن، رد عَلَيْهِ بذلك وَأظْهر خطأ الْحجَّاج عَلَيْهِ مَا يسْتَحق، وَقَالَ عِيَاض: إِن كَانَ الْحجَّاج أَرَادَ بقوله: كَمَا أَلفه جِبْرِيل، عَلَيْهِ السَّلَام، تأليف الْآي فِي كل سُورَة ونظمها على مَا هِيَ عَلَيْهِ الْآن فِي الْمُصحف، فَهُوَ إِجْمَاع الْمُسلمين، أَجمعُوا أَن ذَلِك تأليف سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِن كَانَ يُرِيد تأليف السُّورَة بَعْضهَا على أثر بعض، فَهُوَ قَول بعض الْفُقَهَاء والقراء، وَخَالفهُم جمَاعَة من الْمُحَقِّقين، وَقَالُوا: بل هُوَ اجْتِهَاد من الْأمة وَلَيْسَ بتوقيف، وَقَالَ أَبُو الْفضل: تَقْدِيم الْحجَّاج سُورَة النِّسَاء على آل عمرَان فِي رِوَايَة مُسلم دَلِيل على أَنه لم يرد إلَاّ نظم الْآي، لِأَن الْحجَّاج إِنَّمَا كَانَ يتبع مصحف عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَلَا يُخَالِفهُ. قَوْله: (حِين رمى جَمْرَة الْعقبَة) ، هِيَ الْجَمْرَة الْكُبْرَى وَلَيْسَت هِيَ من منى بل هِيَ حد منى من جِهَة مَكَّة، وَهِي الَّتِي بَايع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْأَنْصَار عِنْدهَا على الْهِجْرَة، والجمرة اسْم لمجتمع الْحَصَى، سميت بذلك لِاجْتِمَاع النَّاس بهَا، فَيَقُول: تجمر بَنو فلَان إِذا اجْتَمعُوا. وَقيل: إِن الْعَرَب تسمي الْحَصَى الصغار جمارا، فَسَمت الشَّيْء بلازمه. قَوْله: (فاستبطن الْوَادي) أَي: دخل فِي بطن الْوَادي. قَوْله: (حَتَّى إِذا حَاذَى بِالشَّجَرَةِ) أَي: قابلها، وَالْبَاء فِيهِ زَائِدَة، وَهَذَا يدل على أَنه كَانَ هُنَاكَ شَجَرَة عِنْد الْجَمْرَة. وَقد روى ابْن أبي شيبَة عَن الثَّقَفِيّ عَن أَيُّوب قَالَ: رَأَيْت الْقَاسِم وسالما ونافعا يرْمونَ من الشَّجَرَة، وَمن طَرِيق عبد الرَّحْمَن بن الْأسود: أَنه كَانَ إِذا جاور الشَّجَرَة رمى جَمْرَة الْعقبَة من تَحت غُصْن من أَغْصَانهَا. قَوْله: (اعترضها) أَي: الشَّجَرَة. قَالَ بَعضهم: قلت: مَعْنَاهُ أَتَاهَا من عرضهَا، نبه عَلَيْهِ الدَّاودِيّ. قَوْله: (فَرمى) ، أَي: الْجَمْرَة. قَوْله: (يكبر) جملَة حَالية.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ مِنْهَا: لَا بُد من رمي سبع بحصات. وَمِنْهَا: التَّكْبِير مَعَ كل حَصَاة، وَأَجْمعُوا على اسْتِحْبَابه فِيمَا حَكَاهُ القَاضِي عِيَاض، وَأَنه لَو ترك التَّكْبِير أَجزَأَهُ إِجْمَاعًا وَفِيه نظر، لِأَن بَعضهم يعده وَاجِبا. وَقَالَ أَصْحَابنَا: يكبر مَعَ كل حَصَاة، وَيَقُول: بِسم الله وَالله أكبر رغما للشَّيْطَان وَحزبه، وَكَانَ عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، يَقُول، كلما رمى حَصَيَات: أللهم إهدني بِالْهدى، وقني بالتقوى، وَاجعَل الْآخِرَة خيرا لي من الأولى. وَكَانَ ابْن مَسْعُود وَابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، يَقُولَانِ عِنْد ذَلِك: أللهم اجْعَلْهُ حجا مبرورا وذنبا مغفورا وسعيا مشكورا. وَقَالَ ابْن الْقَاسِم: فَإِن سبح لَا شَيْء عَلَيْهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute