رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اعْتَمَرَ أرْبَعَ عُمُرَاتٍ إحْدَاهُنَّ فِي رَجَبٍ قالَتْ يَرْحَمُ الله أبَا عَبْدِ الرَّحْمانِ مَا اعْتَمَرَ عُمْرَةً إلَاّ وهُوَ شَاهِدُهُ وَمَا اعْتَمَرَ فِي رَجَبٍ قَط.
مطابقته فِي قَوْله: (كم اعْتَمر؟) ، وَفِي قَوْله: (اعْتَمر أَربع عمرات) وَفِي كَونهَا ثَلَاثًا على قَول عَائِشَة.
وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، وَجَرِير، بِفَتْح الْجِيم هُوَ ابْن عبد الحميد، وَمَنْصُور هُوَ ابْن الْمُعْتَمِر.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم عَن جرير ... إِلَى آخِره نَحوه، غيران فِي رِوَايَته (وَالنَّاس يصلونَ صَلَاة الضحي) وَفِي هُنَا أَن نكذبه ونرد عَلَيْهِ) قَوْله (دخلت أَنا وعدوه) إِلَى آخِره فِيهِ دفع لما ذكره يحيى بن سعيد وَابْن معِين وَأَبُو حَاتِم فِي آخَرين أَن مُجَاهدًا لم يسمع من عَائِشَة. قَوْله: (الْمَسْجِد) ، يَعْنِي: مَسْجِد الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة. قَوْله: (فَإِذا) ، كلمة: إِذا، للمفاجأة، و: عبد الله، مُبْتَدأ، و: جَالس، خَبره وَكَذَلِكَ: وَإِذا، الثَّانِيَة للمفاجأة وَالْوَاو فِيهِ للْحَال. قَوْله: (نَاس) بِغَيْر ألف فِي رِوَايَة الْكشميهني وَفِي رِوَايَة غَيره: (وَإِذا أنَاس) بِالْألف وهما بِمَعْنى وَاحِد. قَوْله: (قَالَ: فَسَأَلْنَاهُ عَن صلَاتهم) أَي: فسألنا ابْن عمر عَن صَلَاة هَؤُلَاءِ الَّذين يصلونَ فِي الْمَسْجِد. قَوْله: (بِدعَة) أَي: صلَاتهم بِدعَة، وَإِنَّمَا قَالَ: بِدعَة، وَإِنَّمَا الْبِدْعَة إِحْدَاث مَا لم يكن فِي عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد ثَبت أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى صَلَاة الضُّحَى فِي بَيت أم هانىء، وَقد مر فِي: بَاب صَلَاة الضُّحَى، لِأَن الظَّاهِر أَنَّهَا لم تثبت عِنْده فَلذَلِك أطلق عَلَيْهَا الْبِدْعَة، وَقيل: أَرَادَ أَنَّهَا من الْبدع المستحسنة، كَمَا قَالَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِي صَلَاة التَّرَاوِيح، نعمت الْبِدْعَة هَذِه، وَقيل: أَرَادَ أَن إظهارها فِي الْمَسْجِد والاجتماع لَهَا هُوَ الْبِدْعَة، لَا أَن نفس تِلْكَ الصَّلَاة بِدعَة، وَهَذَا هُوَ الْأَوْجه. قَوْله: (قَالَ أَربع) ، كَذَا هُوَ مَرْفُوعا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: (أَرْبعا) ، وَلَقَد نقل الْكرْمَانِي وَغَيره عَن ابْن مَالك فِي وَجه هَذَا الرّفْع وَالنّصب مَا فِيهِ تعسف جدا، وَالْأَحْسَن أَن يُقَال: إِن وَجه الرّفْع هُوَ أَن يكون خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف تَقْدِيره: الَّذِي اعتمره النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَربع أَي: أَربع عمر، وَوجه النصب على أَن يكون خبر كَانَ محذوفا، تَقْدِيره: الَّذِي اعتمره كَانَ أَرْبعا قَوْله: (وَسَمعنَا استنان عَائِشَة) ، قيل: استنانها سواكها. وَقيل: اسْتِعْمَالهَا المَاء. قَالَ ابْن فَارس: سننت المَاء على وَجْهي إِذا أَرْسلتهُ إرْسَالًا إلَاّ أَن يكون اسْتنَّ، لم تستعمله الْعَرَب إلَاّ فِي السِّوَاك، وَقيل: مَعْنَاهُ سمعنَا حس مُرُور السِّوَاك على أسنانها. قلت: فِيهِ مَا فِيهِ، وَفِي رِوَايَة عَطاء عَن عُرْوَة عِنْد مُسلم، قَالَ: (وَإِنَّا لنسمع ضربهَا بِالسِّوَاكِ تستن) . قَوْله: (يَا أُمَّاهُ) ، كَذَا هُوَ بِالْألف وَالْهَاء الساكنة فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: (يَا أمه) ، بِحَذْف الْألف. فَإِن قلت: مَا فَائِدَة قَوْله: (يَا أم الْمُؤمنِينَ) بعد أَن قَالَ (يَا أُمَّاهُ) أَرَادَ بقوله (يَا أُمَّاهُ) الْمَعْنى الْأَخَص لكَون عَائِشَة خَالَته وَأَرَادَ بقوله يَا أم الْمُؤمنِينَ الْمَعْنى الْأَعَمّ لكَونهَا أم الْمُؤمنِينَ. قَوْله: (أَبُو عبد الرَّحْمَن) ، هُوَ كنية عبد الله بن عمر قَوْله: (عمرات) ، يجوز ضم الْمِيم فِيهَا وسكونها، وَبِضَمِّهَا كَمَا فِي عَرَفَات وحجرات. قَوْله: (إِحْدَاهُنَّ فِي رَجَب) ، أَي: إِحْدَى العمرات كَانَت فِي شهر رَجَب. قَوْله: (يرحم الله أَبَا عبد الرَّحْمَن) ، ذكرته بكنيته تَعْظِيمًا لَهُ. قَوْله: (مَا اعْتَمر) أَي: النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (عمْرَة قطّ إلَاّ وَهُوَ) أَي: ابْن عمر شَاهده، أَي حَاضر مَعَه، وَقَالَت ذَلِك مُبَالغَة فِي نسبته إِلَى النسْيَان، وَلم تنكر عَائِشَة على ابْن عمر إلَاّ قَوْله: (إِحْدَاهُنَّ فِي رَجَب) .
وَاعْلَم أَن إِحْدَى العمرات فِي رِوَايَة مَنْصُور عَن مُجَاهِد (كَانَت فِي رَجَب) ، وَخَالفهُ أَبُو إِسْحَاق فَرَوَاهُ عَن مُجَاهِد عَن ابْن عمر قَالَ: (اعْتَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مرَّتَيْنِ، فَبلغ ذَلِك عَائِشَة، فَقَالَت: اعْتَمر أَربع مَرَّات) . أخرجه أَحْمد وَأَبُو دَاوُد، فَجعل مَنْصُور الِاخْتِلَاف فِي شهر الْعمرَة وَأَبُو إِسْحَاق جعل الِاخْتِلَاف فِي عدد الاعتمار، وَفِي أَفْرَاد مُسلم من حَدِيث الْبَراء بن عَازِب: اعْتَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ذِي الْقعدَة قبل أَن يحجّ مرَّتَيْنِ، وَفِي (سنَن أبي دَاوُد) بِإِسْنَاد على شَرط الشَّيْخَيْنِ، من حَدِيث عَائِشَة: أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اعْتَمر فِي شَوَّال: أخرجه مَالك فِي (موطئِهِ) أَيْضا، وَفِي (سنَن الدَّارَقُطْنِيّ) من حَدِيثهَا: (أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اعْتَمر فِي رَمَضَان) ، وَهُوَ غَرِيب. قَالَ ابْن بطال: وَالصَّحِيح أَنه اعْتَمر ثَلَاثًا، وَالرَّابِعَة إِنَّمَا تجوز نسبتها إِلَيْهِ لِأَنَّهُ أَمر النَّاس بهَا، وعملت بِحَضْرَتِهِ لَا أَنه اعْتَمَرَهَا بِنَفسِهِ، فَيدل على صِحَة ذَلِك أَن عَائِشَة ردَّتْ على ابْن عمر قَوْله، (وَقَالَت: مَا اعْتَمر فِي رَجَب قطّ) . وَقَالَ أَبُو عبد الْملك: إِنَّه وهم من ابْن عمر لإِجْمَاع الْمُسلمين أَنه اعْتَمر ثَلَاثًا، وروى الْبَيْهَقِيّ من رِوَايَة عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد عَن هِشَام بن عُرْوَة (عَن أَبِيه عَن عَائِشَة: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اعْتَمر ثَلَاث عمر: عمْرَة فِي شَوَّال، وعمرتين فِي ذِي الْقعدَة) ، والْحَدِيث عِنْد أبي دَاوُد من رِوَايَة دَاوُد بن عبد الرَّحْمَن عَن هِشَام، إلَاّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute