مَا بَين الطَّائِف وَمَكَّة، وَهِي إِلَى مَكَّة أقرب. قَوْله: (إِذْ قسم) أَي: حِين قسم غنيمَة، وغنيمة مَنْصُوب بِلَا تَنْوِين بِلَفْظ قسم لِأَنَّهُ مُضَاف فِي نفس الْأَمر إِلَى حنين. قَوْله: (أرَاهُ) ، بِضَم الْهمزَة أَي: أَظُنهُ، معترض بَين الْمُضَاف والمضاف إِلَيْهِ، وَكَانَ الرَّاوِي طَرَأَ عَلَيْهِ شكّ فَأدْخل لفظ: أرَاهُ، بَين الْمُضَاف والمضاف إِلَيْهِ، وَقد رَوَاهُ مُسلم عَن هدبة عَن همام بِغَيْر شكّ، فَقَالَ: حَيْثُ قسم غَنَائِم حنين، وَيَوْم حنين كَانَت غَزْوَة هوَازن، وحنين وادٍ بَينه وَبَين مَكَّة ثَلَاثَة أَمْيَال، وَكَانَت فِي سنة ثَمَان، وَهِي سنة غَزْوَة الْفَتْح، وَكَانَت غَزْوَة هوَازن بعد الْفَتْح فِي خَامِس شَوَّال. فَإِن قلت: سَأَلَ قَتَادَة عَن أنس: كم اعْتَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ فَأجَاب بقوله: أَربع، وَلَيْسَ فِي حَدِيثه إلَاّ ذكر ثَلَاث؟ قلت: سقط من هَذِه الرِّوَايَة أَعنِي: رِوَايَة حسان الْمَذْكُورَة ذكر الْعمرَة الرَّابِعَة، وَلِهَذَا روى البُخَارِيّ بعد رِوَايَة أبي الْوَلِيد، وفيهَا ذكر الرَّابِعَة، وَهُوَ قَوْله: (وَعمرَة مَعَ حجَّته) على مَا يَأْتِي عَن قريب، إِن شَاءَ الله تَعَالَى، وَكَذَا أخرجه مُسلم من طَرِيق عبد الصَّمد عَن هِشَام، فَظهر بِهَذَا أَن التَّقْصِير فِيهِ من حسان شيخ البُخَارِيّ.
وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: أَيْن الرَّابِعَة؟ قلت: هِيَ دَاخِلَة فِي الْحَج، لِأَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِمَّا متمتع أَو قَارن أَو مُفْرد، وَأفضل الْأَنْوَاع الْإِفْرَاد. وَلَا بُد فِيهِ من الْعمرَة فِي تِلْكَ السّنة، وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يتْرك الْأَفْضَل. انْتهى. وَقَالَ بَعضهم: وَلَيْسَ مَا ادّعى أَنه الْأَفْضَل مُتَّفقا عَلَيْهِ بَين الْعلمَاء، فَكيف ينْسب فعل ذَلِك إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ انْتهى. قلت: مَا ادّعى الْكرْمَانِي الْأَفْضَلِيَّة عِنْد الْجَمِيع، وَإِنَّمَا مُرَاده أَن الْإِفْرَاد أفضل مُطلقًا بِنَاء على زَعمه ومعتقد إِمَامه، فَلَا يتَوَجَّه عَلَيْهِ الْإِنْكَار. وَلَكِن ترديد الْكرْمَانِي بقوله: إِمَّا متمتع أَو قَارن أَو مُفْرد؟ غير موجه لأَنهم وَإِن كَانُوا اخْتلفُوا فِيهِ وَلَكِن أَكْثَرهم على أَفضَلِيَّة الْقرَان. وَكَيف لَا وَقد تظاهرت الرِّوَايَات وتكاثرت عَن قوم خُصُوصا عَن أنس بِأَنَّهُ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، دخل فِي الْعمرَة وَالْحج جَمِيعًا؟ وَهُوَ عين الْقرَان، فَكَانَ أفضل الْأَنْوَاع القِران. وَقد قَالَ ابْن حزم: سِتَّة عشر من الثِّقَات اتَّفقُوا على أنس على أَن لفظ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَانَ إهلالاً بِحجَّة وَعمرَة مَعًا. وصرحوا عَن أنس أَنه سمع ذَلِك مِنْهُ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وهم: بكر بن عبد الله الْمُزنِيّ، وَأَبُو قلَابَة، وَحميد الطَّوِيل، وَأَبُو قزعة وثابت الْبنانِيّ، وَحميد بن هِلَال، وَيحيى بن أبي إِسْحَاق، وَقَتَادَة، وَأَبُو أَسمَاء، وَالْحسن الْبَصْرِيّ، وَمصْعَب بن سليم، وَمصْعَب بن عبد الله بن الزبْرِقَان، وَسَالم بن أبي الْجَعْد، وَأَبُو قدامَة، وَزيد بن أسلم، وَعلي بن زيد. وَقد أخرج الطَّحَاوِيّ عَن تِسْعَة مِنْهُم، وَقد شرحنا جَمِيع ذَلِك فِي شرحنا (شرح مَعَاني الْآثَار) فَمن أَرَادَ الْوُقُوف عَلَيْهَا فَليرْجع إِلَيْهِ. وَمن جملَة من أخرج مِنْهُم الطَّحَاوِيّ رِوَايَة أبي أَسمَاء عَن أنس، قَالَ: حَدثنَا أَبُو أُميَّة، قَالَ: حَدثنَا الْحسن بن مُوسَى وَابْن نفَيْل، قَالَا: حَدثنَا أَبُو خَيْثَمَة عَن أبي إِسْحَاق عَن أبي أَسمَاء (عَن أنس، قَالَ: خرجنَا نصرخ بِالْحَجِّ، فَلَمَّا قدمنَا مَكَّة أمرنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن نَجْعَلهَا عمْرَة، وَقَالَ: لَو اسْتقْبلت من أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرت لجعلتها عمْرَة، وَلَكِنِّي سقت الْهَدْي وقرنت الْحَج وَالْعمْرَة) . وَأخرجه النَّسَائِيّ وَأحمد أَيْضا نَحْو رِوَايَة الطَّحَاوِيّ، فَهَذَا مُصَرح بِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذكر بِلَفْظ: أَنه كَانَ قَارنا، وَوَافَقَ قَوْله فعله، فَدلَّ قطعا أَن الْقرَان أفضل فَكيف يَدعِي الْكرْمَانِي وَغَيره مِمَّن نحى نَحوه بِأَن أفضل الْأَنْوَاع الْإِفْرَاد، وَلَيْسَ مَا وَرَاء عبادان قَرْيَة، وَالْوُقُوف على حَظّ النَّفس مُكَابَرَة.
٩٧٧١ - حدَّثنا أبُو الوَلِيدِ هِشَامُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ قَالَ حدَّثنا هَمَّامٌ عَنْ قَتادَةَ قَالَ سألْتُ أنسا رَضِي الله تَعَالَى عنهُ فَقَالَ اعْتَمَرَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَيْثُ رَدُّوهُ ومِنَ القَابِلِ عُمْرَةَ الْحُدَيْبِيَّةِ وعُمْرَةً فِي ذِي القَعْدَةِ وعُمْرَةً مَعَ حَجَّتِهِ..
هَذَا بِعَيْنِه هُوَ الحَدِيث الأول بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور، وَغير أَنه روى الأول عَن حسان عَن همام، وروى هَذَا عَن أبي الْوَلِيد الطَّيَالِسِيّ، وَفِيه ذكر الْعُمر الْأَرْبَعَة بِخِلَاف الأول، فَإِن الرَّابِعَة فِيهِ سَاقِطَة، كَمَا ذكرنَا. قَوْله: (وَمن الْقَابِل) أَي: وَمن الْعَام الْقَابِل، وَقَالَ ابْن التِّين: هَذَا أرَاهُ وهما، لِأَن الَّتِي ردُّوهُ فِيهَا هِيَ عمْرَة الْحُدَيْبِيَة، وَأما الَّتِي من قَابل فَلم يردوه مِنْهَا، ورد عَلَيْهِ بِأَن كلا مِنْهُمَا كَانَ من الْحُدَيْبِيَة.
٣٥٧ - (حَدثنَا هدبة قَالَ حَدثنَا همام وَقَالَ اعْتَمر أَربع عمر فِي ذِي الْقعدَة إِلَّا الَّتِي اعْتَمر
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute