أَبُو نعيم، بِضَم النُّون، الْفضل، بالضاد الْمُعْجَمَة، ابْن دُكَيْن، بِضَم الدَّال الْمُهْملَة وَفتح الْكَاف، وَهُوَ لقب لَهُ، واسْمه عَمْرو ابْن حَمَّاد بن زُهَيْر الْقرشِي التَّيْمِيّ الطلحي الْملَائي، مولى آل طَلْحَة بن عبد الله، وَكَانَ يَبِيع الملاء فَقيل لَهُ: الْملَائي، بِضَم الْمِيم وَالْمدّ. سمع الْأَعْمَش وَغَيره من الْكِبَار، وَقل من يُشَارِكهُ فِي كَثْرَة الشُّيُوخ، وَعنهُ أَحْمد وَغَيره من الْحفاظ. قَالَ أَبُو نعيم: شاركت الثَّوْريّ فِي أَرْبَعِينَ شَيخا أَو خمسين شَيخا، وَاتَّفَقُوا على الثَّنَاء عَلَيْهِ، وَوَصفه بِالْحِفْظِ والاتقان. وَقَالَ أَيْضا: أدْركْت ثَمَانمِائَة شيخ، مِنْهُم الْأَعْمَش فَمن دونه، فَمَا رَأَيْت أحدا يَقُول بِخلق الْقُرْآن، وَمَا تكلم أحد بِهَذَا إلَاّ رُمِيَ بالزندقة. وروى البُخَارِيّ عَنهُ بِغَيْر وَاسِطَة، وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه بِوَاسِطَة، ولد سنة ثَلَاثِينَ وَمِائَة، وَمَات سنة ثَمَان، أَو: تسع عشرَة وَمِائَتَيْنِ بِالْكُوفَةِ. الثَّانِي: زَكَرِيَّا بن أبي زَائِدَة، واسْمه: خَالِد بن مَيْمُون الْهَمدَانِي الْكُوفِي، سمع جمعا من التَّابِعين مِنْهُم الشّعبِيّ والسبيعي، وَعنهُ الثَّوْريّ وَشعْبَة وَخلق، وَمَات سنة سبع أَو تسع وَأَرْبَعين وَمِائَة. قَالَ النَّسَائِيّ: ثِقَة، روى لَهُ الْجَمَاعَة. الثَّالِث: عَامر الشّعبِيّ وَقد تقدم ذكره. الرَّابِع: النُّعْمَان بن بشير، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَكسر الشين الْمُعْجَمَة، ابْن سعد بن ثَعْلَبَة بن خلاس، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد اللَّام، الْأنْصَارِيّ الخزرجي، وَأمه عمْرَة بنت رَوَاحَة أُخْت عبد الله بن رَوَاحَة، ولد بعد أَرْبَعَة عشر شهرا من الْهِجْرَة، وَهُوَ أول مَوْلُود ولد للْأَنْصَار بعد الْهِجْرَة وَالْأَكْثَرُونَ يَقُولُونَ: ولد هُوَ وَعبد الله بن الزبير، رَضِي الله عَنْهُم، فِي الْعَام الثَّانِي من الْهِجْرَة، وَقَالَ ابْن الزبير: هُوَ أكبر مني، رُوِيَ لَهُ مائَة حَدِيث وَأَرْبَعَة عشر حَدِيثا، قتل فِيمَا بَين دمشق وحمص يَوْم وَاسِط سنة خمس وَسِتِّينَ، وَكَانَ زبيريا، وَقَالَ عَليّ بن عُثْمَان النُّفَيْلِي، عَن أبي مسْهر: كَانَ النُّعْمَان بن بشير عَاملا على حمص لِابْنِ الزبير، لما تمردت أهل حمص خرج هَارِبا، فَاتبعهُ خَالِد بن حلى الكلَاعِي فَقتله، وَقَالَ الْمفضل بن غَسَّان الْغلابِي: قتل فِي سنة سِتّ وَسِتِّينَ بسلمية وَهُوَ صَحَابِيّ ابْن صَحَابِيّ ابْن صحابية، روى لَهُ الْجَمَاعَة، وَلَيْسَ فِي الصَّحَابَة من اسْمه النُّعْمَان بن بشير غير هَذَا، فَهُوَ من الْأَفْرَاد، وَمِنْهُم: النُّعْمَان، جماعات فَوق الثَّلَاثِينَ.
بَيَان لطائف إِسْنَاده: مِنْهَا: أَن فِيهِ التحديث والعنعنة وَالسَّمَاع. وَمِنْهَا: أَن رِجَاله كلهم كوفيون، وَقد دخل النُّعْمَان الْكُوفَة وَولي إمرتها وَقد روى أَبُو عوَانَة فِي صَحِيحه من طَرِيق ابْن أبي جرير، بِفَتْح الْحَاء المهمة فِي آخِره زَاي مُعْجمَة، عَن الشّعبِيّ: أَن النُّعْمَان بن بشير خطب بِهِ بِالْكُوفَةِ، وَفِي رِوَايَة لمُسلم: أَنه خطب بِهِ بحمص، والتوفيق بَينهمَا بِأَنَّهُ سمع مرَّتَيْنِ، فَإِن النُّعْمَان ولي إمرة البلدتين وَاحِدَة بعد أُخْرَى. وَمِنْهَا: أَن هَذَا وَقع للْبُخَارِيّ رباعيا من جِهَة شَيْخه أَبُو نعيم، وَوَقع لَهُ من جِهَة غَيره خماسياً لما سَيَأْتِي، وَوَقع لمُسلم فِي أَعلَى طرقه خماسياً. وَمِنْهَا أَن فِيهِ التَّصْرِيح. بِسَمَاع النُّعْمَان بن بشير عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِيه رد على من يَقُول: لم يسمع من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَقَالَ أَبُو الْحسن الْقَابِسِيّ: قَالَ أهل الْمَدِينَة: لَا يَصح للنعمان سَماع من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَحَكَاهُ القَاضِي عِيَاض عَن يحيى بن معِين، ويحكى عَن الْوَاقِدِيّ أَيْضا. وَقَالَ أهل الْعرَاق: سَمَاعه صَحِيح، وَيدل عَلَيْهِ مَا فِي رِوَايَة مُسلم والإسماعيلي من طَرِيق زَكَرِيَّا، وأهوى النُّعْمَان بإصبعيه إِلَى أُذُنَيْهِ، وَهَذَا تَصْرِيح بِسَمَاعِهِ، وَكَذَا قَول النُّعْمَان: هَهُنَا سَمِعت، وَهُوَ الصَّحِيح. وَقَالَ النَّوَوِيّ: المحكي عَن قَول أهل الْمَدِينَة بَاطِل أَو ضَعِيف. قلت: وَهُوَ مِمَّن تحمل عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَبيا، وَأَدَّاهُ بَالغا وَفِيه دَلِيل على صِحَة تحمل الصَّبِي الْمُمَيز لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَاتَ والنعمان ابْن ثَمَان سِنِين. فَإِن قلت: إِن زَكَرِيَّا مَوْصُوف بالتدليس وَهَهُنَا قد عنعن، وَكَذَا فِي غير هَذِه الرِّوَايَة لَيْسَ لَهُ رِوَايَة عَن الشّعبِيّ، إلَاّ مُعَنْعنًا. قلت: ذكر فِي فَوَائِد أبي الْهَيْثَم من طَرِيق يزِيد بن هَارُون عَن زَكَرِيَّا قَالَ: حَدثنَا الشّعبِيّ فَحصل الْأَمْن من تدليسه. فَإِن قلت: قد قَالَ أَبُو عمر: هَذَا الحَدِيث لم يروه عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غير النُّعْمَان بن بشير، وَلم يروه عَن النُّعْمَان غير الشّعبِيّ. قلت: أما الأول: فَإِن كَانَ مُرَاده من وَجه صَحِيح فَمُسلم، وَإِن أَرَادَ مُطلقًا فَلَا نسلم، لِأَنَّهُ رُوِيَ من حَدِيث ابْن عمر وعمار وَابْن عَبَّاس، رَضِي الله عَنْهُم، أخرج حَدِيثهمْ الطَّبَرَانِيّ، وَكَذَا رُوِيَ من حَدِيث وَاثِلَة، أخرجه الْأَصْبَهَانِيّ، وَفِي أسانيدها مقَال. وَأما الثَّانِي: فَإِنَّهُ رَوَاهُ عَن النُّعْمَان أَيْضا خَيْثَمَة بن عبد الرَّحْمَن، أخرجه أَحْمد وَعبد الْملك بن عُمَيْر، أخرجه أَبُو عوَانَة وَسَالم بن حَرْب، أخرجه الطَّبَرَانِيّ، وَلكنه مَشْهُور عَن الشّعبِيّ، رَوَاهُ عَنهُ خلق كثير من الْكُوفِيّين، وَرَوَاهُ عَنهُ من الْبَصرِيين عبد الله بن عون، وَقد سَاق البُخَارِيّ إِسْنَاده فِي الْبيُوع على مَا نذكرهُ الْآن، وَلم يسق لَفظه، وَسَاقه أَبُو دَاوُد.
بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ هَهُنَا عَن أبي نعيم عَن زَكَرِيَّا عَن عَامر عَنهُ بِهِ، وَأخرجه فِي الْبيُوع عَن عَليّ بن عبد الله، وَعبد الله بن مُحَمَّد، كِلَاهُمَا عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة، وَعَن مُحَمَّد بن كثير عَن سُفْيَان الثَّوْريّ، كِلَاهُمَا عَن أبي