للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَعُثْمَان وعليا وَزيد بن ثَابت وَابْن عَبَّاس وَمُعَاوِيَة قَالُوا فِي النعامة: يَقْتُلهَا الْمحرم بَدَنَة من الْإِبِل، وروى الشَّافِعِي فِي (مُسْنده) وَعبد الرَّزَّاق فِي (مُصَنفه) قَالَا: أخبرنَا ابْن عُيَيْنَة عَن عبد الْكَرِيم الْجَزرِي عَن أبي عُبَيْدَة عَن أَبِيه عبد الله بن مَسْعُود أَنه قضى فِي اليربوع بحفرة وروى عبد الرَّزَّاق فِي مُصَنفه أخبرنَا إِسْرَائِيل وَغَيره عَن أبي إِسْحَاق عَن الضَّحَّاك بن مُزَاحم عَن ابْن مَسْعُود، قَالَ: (فِي الْبَقَرَة الوحشية بقرة) . وروى عبد الرَّزَّاق أَيْضا: أخبرنَا هشيم عَن مَنْصُور عَن ابْن سِيرِين أَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، (أَمر محرما مَا أصَاب ظَبْيًا يذبح شَاة عفراء) . وروى إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ فِي كتاب (غَرِيب الحَدِيث) : حَدثنَا عبد الله بن صَالح أخبرنَا أَبُو الْأَحْوَص عَن أبي إِسْحَاق عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: فِي اليربوع حمل، ثمَّ نقل عَن الْأَصْمَعِي: أَن الْحمل ولد الضَّأْن الذّكر، وروى الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، فِي حمامة الْحرم شَاة، وَفِي بيضتين دِرْهَم، وَفِي النعامة جزور، وَفِي الْبَقَرَة بقرة وَفِي الْحمار بقرة.

وَاحْتج أَبُو حنيفَة، رَحمَه الله تَعَالَى، فِيمَا ذهب إِلَيْهِ بالمعقول والأثر أَيْضا. أما الْمَعْقُول: فَهُوَ أَن الْحَيَوَان غير مَضْمُون بِالْمثلِ فَيكون مَضْمُونا بِالْقيمَةِ، كالمملوك، وَمثل الْحَيَوَان قِيمَته، لِأَن الْمثل الْمُطلق هُوَ الْمثل صُورَة وَمعنى، فَإِذا تعذر ذَلِك حمل على الْمثل الْمَعْنَوِيّ وَهُوَ الْقيمَة. وَأما الْأَثر: فَهُوَ مَا رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس أَنه فسر الْمثل بِالْقيمَةِ، فَحمل على الْمثل معنى لكَونه معهودا فِي الشَّرْع، يُوضحهُ أَن الْمُمَاثلَة بَين الشَّيْئَيْنِ عِنْد اتِّحَاد الْجِنْس أبلغ مِنْهُ عِنْد اخْتِلَاف الْجِنْس، فَإِذا لم تكن النعامة مثلا للنعامة كَيفَ تكون الْبَدنَة مثلا للنعامة؟ والمثل من الْأَسْمَاء الْمُشْتَركَة، فَمن ضَرُورَة كَون الشَّيْء مثلا لغيره أَن يكون ذَلِك الْغَيْر مثلا لَهُ، ثمَّ لَا تكون النعامة مثلا للبدنة عِنْد الْإِتْلَاف فَكَذَلِك لَا تكون الْبَدنَة مثلا للنعامة، وَإِذا تعذر اعْتِبَار الْمُمَاثلَة صُورَة وَجب اعْتِبَارهَا بِالْمَعْنَى، وَهُوَ الْقيمَة، وَلِأَن الْقيمَة أريدت بِهَذَا النَّص فِي الَّذِي لَا مثل لَهُ بِالْإِجْمَاع، فَلَا يبْقى غَيره مرَادا، لِأَن الْمثل مُشْتَرك والمشترك لَا عُمُوم لَهُ فَافْهَم فَإِنَّهُ دَقِيق.

وَأما الَّذِي رَوَاهُ الشَّافِعِي وَمن جِهَته الْبَيْهَقِيّ، فضعيف ومنقطع لِأَن عَطاء الْخُرَاسَانِي فِيهِ مقَال وَلم يدْرك عمر وَلَا عُثْمَان وَلَا عليا وَلَا زيد بن ثَابت وَابْن عَبَّاس وَمُعَاوِيَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، لِأَن عَطاء الْخُرَاسَانِي ولد سنة خمسين، قَالَه ابْن معِين وَغَيره، وَكَانَ فِي زمن مُعَاوِيَة صَبيا، وَلم يثبت لَهُ سَماع من ابْن عَبَّاس مَعَ احْتِمَاله، فَإِن ابْن عَبَّاس توفّي سنة ثَمَان وَسِتِّينَ، وَأما الَّذِي رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدَة عَن أَبِيه عبد الله بن مَسْعُود فَإِنَّهُ لم يسمع من أَبِيه شَيْئا. فَإِن قلت: قَالَ ابْن جرير: حَدثنَا هناد وَأَبُو هَاشم الرِّفَاعِي، قَالَا: حَدثنَا وَكِيع بن الْجراح عَن المَسْعُودِيّ عَن عبد الْملك بن عُمَيْر: (عَن قبيصَة بن جَابر، قَالَ: خرجنَا حجاجا، فَكُنَّا إِذا صلينَا الْغَدَاة افتدنا رواحلنا نتماشى نتحدث، قَالَ: فَبَيْنَمَا نَحن ذَات غداء إِذْ سنح لنا ظَبْي، أَو برح، فَرَمَاهُ رجل كَانَ مَعنا بِحجر، فَمَا أَخطَأ حشاه، فَركب ردعه مَيتا، قَالَ: فمعظمنا عَلَيْهِ، فَلَمَّا قدمنَا مَكَّة خرجت مَعَه حَتَّى أَتَيْنَا عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: فَقص عَلَيْهِ الْقِصَّة، قَالَ: وَإِذا إِلَى جَانِبه رجل كَانَ وَجهه قلت فضَّة، يَعْنِي: عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، فَالْتَفت إِلَى صَاحبه فَكَلمهُ، ثمَّ أقبل على الرجل فَقَالَ: أعمدا قتلته أم خطا، قَالَ الرجل: لقد تَعَمّدت رميه وَمَا أردْت قَتله، فَقَالَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: مَا أَرَاك إلَاّ قد أشركت بَين الْعمد وَالْخَطَأ، إعمد إِلَى شَاة فاذبحها فَتصدق بلحمها واستق إهابها. قَالَ: فقمنا من عِنْده، فَقلت لصاحبي: أَيهَا الرجل، عظِّم شَعَائِر الله فَمَا درى أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا يفتيك حَتَّى سَأَلَ صَاحبه إعمد إِلَى نَاقَتك فانحرها فَلَعَلَّ ذَاك. قَالَ: فتبعته، وَلَا أذكر الْآيَة من سُورَة الْمَائِدَة: {يحكم بِهِ ذَوا عدل مِنْكُم} (الْمَائِدَة: ٥٩) . قَالَ: فَبلغ عمر مَقَالَتي فَلم يفجأ مِنْهُ إلَاّ وَمَعَهُ الدرة، قَالَ صَاحِبي: ضربا بِالدرةِ أقتلت فِي الْحرم، وسفهت الحكم؟ ثمَّ أقبل عَليّ، فَقلت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لَا أحل الْيَوْم شَيْئا يحرم عَلَيْك مني، قَالَ: يَا قبيصَة بن جَابر إِنِّي لَا أَرَاك شَاب السن فسيح الصَّدْر بَين اللِّسَان، وَإِن الشَّاب يكون فِيهِ تِسْعَة أَخْلَاق حَسَنَة وَخلق سيء فَيفْسد الْخلق السيء الْأَخْلَاق الْحَسَنَة، فإياك وعثرات الشَّبَاب) . قلت: روى هشيم هَذِه الْقِصَّة عَن عبد الْملك بن عُمَيْر عَن قبيصَة بِنَحْوِهِ وَذكرهَا مُرْسلَة عَن عمر بن بكر بن عبد الله الْمُزنِيّ وَمُحَمّد بن سِيرِين، وَرَوَاهُ مَالك فِي (الْمُوَطَّأ) من حَدِيث ابْن سِيرِين مُخْتَصرا.

الْوَجْه الثَّالِث: فِي حكم الحَكَمَيْنِ فِيهِ، قَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَمُحَمّد بن الْحسن: الْخِيَار فِي تعْيين الْهَدْي أَو الْإِطْعَام أَو الصّيام إِلَى الْحكمَيْنِ العدلين، فَإِذا حكما بِالْهَدْي فَالْمُعْتَبر فِيمَا لَهُ مثل وَنَظِيره من حَيْثُ الْخلقَة مَا هُوَ مثل، كَمَا ذَكرْنَاهُ: وَالْمُعْتَبر فِيمَا لَا مثل لَهُ الْقيمَة لقَوْله تَعَالَى: {يحكم بِهِ ذَوا عدل مِنْكُم هَديا} (الْمَائِدَة: ٥٩) . نصب هَديا لوُقُوع الحكم عَلَيْهِ، وَفِي وجوب الْمثل فِيمَا لَهُ مثل قَوْله تَعَالَى: {فجزاء مثل مَا قتل من النعم} (الْمَائِدَة: ٥٩) . أوجب الْمثل من النعم. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف: الْخِيَار للْقَاتِل فِي أَن يَشْتَرِي بهَا، يَعْنِي

<<  <  ج: ص:  >  >>