للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

شُعْبَة. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: وَقد رخص قوم من أهل الْعلم للْمحرمِ أَن يصيد الْجَرَاد فيأكله، وَقد رأى بَعضهم عَلَيْهِ صَدَقَة إِذا اصطاده أَو أكله، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه أَيْضا. وَقَوله: (من صيد الْبَحْر) ظَاهر أَنه من الْبَحْر.

وللعلماء فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال:

الأول: أَنه من صيد الْبَحْر، هُوَ قَول كَعْب الْأَحْبَار، وَقد روى مَالك فِي (الْمُوَطَّأ) عَن زيد بن أسلم (عَن عَطاء بن يسَار: أَن كَعْب الْأَحْبَار أمره عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، على ركب محرمين، فَمَضَوْا حَتَّى إِذا كَانُوا بِبَعْض طَرِيق مَكَّة مر رجل من جَراد، فأفتاهم كَعْب أَن يأخذوه فيأكلوه، فَلَمَّا قدمُوا على عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، ذكرُوا لَهُ ذَلِك، فَقَالَ لَهُ: مَا حملك على أَن أفتيتهم بِهَذَا؟ قَالَ: هُوَ من صيد الْبَحْر. قَالَ: وَمَا يدْريك؟ . قَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ {وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إِن هُوَ إلَاّ نثرة حوت نثره فِي كل عَام مرَّتَيْنِ) . وَاخْتلف فِي قَوْله: (نثرة حوت) ، فَقيل: عطسته، وَقيل: هُوَ من تَحْرِيك النثرة، وَهُوَ طرف الْأنف، قَالَ شَيخنَا زين الدّين: فعلى هَذَا يكون بِالْمُثَلثَةِ، وَهُوَ الْمَشْهُور، وَعَلِيهِ اقْتصر صَاحب (الْمَشَارِق) وَغَيره، وَأَنه من الرَّمْي بعنف من قَوْلهم فِي الِاسْتِنْجَاء: ينثر ذكره إِذا اسْتَبْرَأَ من الْبَوْل بِشدَّة وعنف، وَأَن الْجَرَاد يطرحه من أَنفه أَو من دبره بعنف وَشدَّة، وَقيل متولد من رَوْث السّمك.

القَوْل الثَّانِي: أَنه من صيد الْبر يجب الْجَزَاء بقتْله، وَهُوَ قَول عمر وَابْن عَبَّاس وَعَطَاء بن أبي رَبَاح، وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ فِي قَوْله الصَّحِيح الْمَشْهُور.

القَوْل الثَّالِث: أَنه من صيد الْبر وَالْبَحْر، رَوَاهُ سعيد بن مَنْصُور فِي (سنَنه) عَن هشيم عَن مَنْصُور عَن الْحسن.

وَاخْتلف الْقَائِلُونَ بِأَن الْجَرَاد من صيد الْبر وَفِيه الْجَزَاء فِي مِقْدَار الْجَزَاء على أَقْوَال: أَحدهَا: فِي كل جَرَادَة تَمْرَة، وَهُوَ قَول عَمْرو وَابْن عمر رَوَاهُ سعيد بن الْمَنْصُور فِي (سنَنه) بِسَنَدِهِ إِلَيْهِمَا، وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَاخْتَارَهُ ابْن الْعَرَبِيّ. الثَّانِي: أَن فِي الجرادة الْوَاحِدَة قَبْضَة من طَعَام، وَهُوَ قَول ابْن عَبَّاس: رَوَاهُ سعيد بن مَنْصُور بِسَنَدِهِ إِلَيْهِ، وَبِه قَالَ مَالك. الثَّالِث: أَن فِي الْوَاحِدَة درهما. وَهُوَ قَول كَعْب الْأَحْبَار. قيل: وَمن الدَّلِيل أَن الْجَرَاد نثرة الْحُوت مَا رَوَاهُ ابْن مَاجَه: حَدثنِي هَارُون بن عبد الله الْجمال حَدثنَا هَاشم بن الْقَاسِم حَدثنَا زِيَاد بن عبد الله عَن مُوسَى بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم عَن أَبِيه (عَن جَابر وَأنس بن مَالك: أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَانَ إِذا دَعَا على الْجَرَاد، قَالَ: أللهم أهلك كباره واقتل صغاره وأفسد بيضه واقطع دابره وَخذ بأفواهه عَن معائشنا وارزقنا إِنَّك سميع الدُّعَاء. فَقَالَ خَالِد: يَا رَسُول الله} كَيفَ تَدْعُو على جند من أجناد الله بِقطع دابره؟ فَقَالَ: إِن الْجَرَاد نثرة الْحُوت فِي الْبَحْر، قَالَ هَاشم: قَالَ زِيَاد: فَحَدثني من رأى الْحُوت يَنْثُرهُ) . تفرد بِهِ ابْن مَاجَه.

الْوَجْه السَّادِس: فِي صيد الْبر وَهُوَ حرَام على الْمحرم لِأَنَّهُ فِي حَقه كالميتة وَكَذَا فِي حق غَيره من المحرمين والمحلين عِنْد مَالك وَالشَّافِعِيّ فِي قَول، وَهُوَ قَول عَطاء وَالقَاسِم وَسَالم، وَبِه قَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد، فَإِن أكله أَو شَيْئا مِنْهُ فَهَل يلْزمه جَزَاء ثَان؟ فِيهِ قَولَانِ للْعُلَمَاء: أَحدهمَا: نعم، وَإِلَيْهِ ذهبت طَائِفَة. وَالثَّانِي: لَا جَزَاء عَلَيْهِ بِأَكْلِهِ، نَص عَلَيْهِ مَالك. وَقَالَ أَبُو عمر: وعَلى هَذَا مَذَاهِب فُقَهَاء الْأَمْصَار وَجُمْهُور الْعلمَاء. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: عَلَيْهِ قيمَة مَا أكل. وَقَالَ أَبُو ثَوْر: إِذا قتل الْمحرم الصَّيْد فَعَلَيهِ جَزَاؤُهُ وحلال أكل ذَلِك الصَّيْد، إلَاّ أَنِّي أكرهه للَّذي قَتله، وَإِذا اصطاد حَلَال صيدا فأهداه إِلَى محرم فقد ذهبت جمَاعَة إِلَى إِبَاحَته مُطلقًا، وَلم يفصلوا بَين أَن يكون قد صَاده من أَجله أم لَا حكى أَبُو عمر هَذَا القَوْل عَن عمر بن الْخطاب وَأبي هُرَيْرَة وَالزُّبَيْر بن الْعَوام وَكَعب الْأَحْبَار وَمُجاهد وَعَطَاء فِي رِوَايَة، وَسَعِيد بن جُبَير قَالَ: وَبِه قَالَ الْكُوفِيُّونَ، قَالَ ابْن جرير: حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الله بن بزيغ حَدثنَا بشر بن الْمفضل حَدثنَا سعيد عَن عبَادَة أَن سعيد بن الْمسيب حَدثهُ (عَن أبي هُرَيْرَة أَنه سُئِلَ عَن لحم صيد صَاده حَلَال أيأكله الْمحرم؟ قَالَ: فأفتاهم بِأَكْلِهِ، ثمَّ لَقِي عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَأخْبرهُ بِمَا كَانَ من أمره، فَقَالَ: لَو أفتيتهم بِغَيْر هَذَا لأوجعت لَك رَأسك) . وَقَالَ آخَرُونَ: لَا يجوز أكل الصَّيْد للْمحرمِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَمنعُوا من ذَلِك مُطلقًا لعُمُوم الْآيَة الْكَرِيمَة. وَقَالَ عبد الرَّزَّاق: عَن معمر عَن ابْن طَاوُوس وَعبد الْكَرِيم ابْن أبي أُميَّة عَن طَاوُوس عَن ابْن عَبَّاس أَنه كره أكل لحم الصَّيْد للْمحرمِ، قَالَ: وَأَخْبرنِي معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن ابْن عمر أَنه كَانَ يكره أَن يَأْكُل لحم الصَّيْد على كل حَال، قَالَه أَبُو عمر، وَبِه قَالَ طَاوُوس وَجَابِر بن زيد، وَإِلَيْهِ ذهب الثَّوْريّ وَإِسْحَاق بن رَاهَوَيْه. وَقد رُوِيَ نَحوه عَن عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ، وَأحمد وَإِسْحَاق فِي رِوَايَة، وَالْجُمْهُور: إِن كَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>