للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تتشاءم بِهِ أَيْضا، وَذكر فِي (فَتَاوَى قاضيخان) : من خرج لسفر فَسمع صَوت العقعق فَرجع كفر، وَقيل: حكمه حكم الأبقع. وَقيل: حكم غراب الزَّرْع، وَقَالَ أَحْمد: إِن أكل الْجِيَف وإلَاّ فَلَا بَأْس بِهِ. فَإِن قلت: قَالَ ابْن بطال: هَذَا الحَدِيث أَعنِي حَدِيث عَائِشَة الَّذِي رَوَاهُ مُسلم الَّذِي ذَكرْنَاهُ عَن قريب لَا يعرف إلَاّ من حَدِيث سعيد، وَلم يروه عَنهُ غير قَتَادَة، وَهُوَ مُدَلّس، وثقات أَصْحَاب سعيد من أهل الْمَدِينَة لَا يُوجد عِنْدهم هَذَا الْقَيْد مَعَ مُعَارضَة حَدِيث ابْن عمر وَحَفْصَة، فَلَا حجَّة فِيهِ حِينَئِذٍ. وَقَالَ أَبُو عمر: لَا تثبت هَذِه الزِّيَادَة أَعنِي: قَوْله: (والغراب الأبقع) ، وَقَالَ ابْن قدامَة: الرِّوَايَات الْمُطلقَة أصح. قلت: دَعْوَى التَّدْلِيس مَرْدُودَة لِأَن شُعْبَة لَا يروي عَن شُيُوخه المدلسين إلَاّ مَا هُوَ مسموع لَهُم، وَفِي الحَدِيث عَن شُعْبَة، قَالَ: سَمِعت قَتَادَة يحدث عَن سعيد بن الْمسيب، بل صرح النَّسَائِيّ فِي رِوَايَته من طَرِيق النَّضر بن شُمَيْل عَن شُعْبَة بِسَمَاع قَتَادَة، وَنفي ثُبُوت الزِّيَادَة مَرْدُود أَيْضا بِإِخْرَاج مُسلم، وَالزِّيَادَة مَقْبُولَة من الثِّقَة الْحَافِظ، وَهُوَ كَذَلِك هُنَا.

الْوَجْه الثَّالِث: فِي الحدأة: فَإِنَّهُ يجوز قَتلهَا سَوَاء كَانَ للْمحرمِ أَو للْحَلَال، لِأَنَّهَا تبتدىء بالأذى وتختطف اللَّحْم من أَيدي النَّاس، وَرُوِيَ عَن مَالك فِي الحدأة والغراب أَنه لَا يقتلهما إلَاّ أَن يبتدئا بالأذى، وَالْمَشْهُور من مذْهبه خِلَافه، وَعَن أبي مُصعب فِيمَا ذكره ابْن الْعَرَبِيّ قتل الْغُرَاب والحدأة، وَإِن لم يبتدئا بالأذى، ويؤكل لحمهما عِنْد مَالك. وَرُوِيَ عَنهُ الْمَنْع فِي الْحرم سدا لذريعة الِاصْطِيَاد. قَالَ أَبُو بكر: وأصل الْمَذْهَب أَن لَا يقتل من الطير إلَاّ مَا آذَى بِخِلَاف غَيره، فَإِنَّهُ يقتل ابْتِدَاء.

الْوَجْه الرَّابِع: فِي الْفَأْرَة: فَإِنَّهُ يجوز قَتلهَا مُطلقًا، وَقَالَ ابْن الْمُنْذر، لَا خلاف بَين الْعلمَاء فِي جَوَاز قتل الْمحرم الْفَأْرَة إلَاّ النَّخعِيّ، فَإِنَّهُ منع الْمحرم من قَتلهَا، وَهُوَ قَول شَاذ، وَقَالَ القَاضِي، وَحكى السَّاجِي عَن النَّخعِيّ أَنه لَا يقتل الْمحرم الْفَأْرَة، فَإِن قَتلهَا فداها، وَهَذَا خلاف النَّص وَخلاف جَمِيع أهل الْعلم، وروى الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَاد صَحِيح عَن حَمَّاد بن زيد، قَالَ: لما ذكرُوا لَهُ هَذَا القَوْل، قَالَ: مَا كَانَ بِالْكُوفَةِ أفحش ردا للآثار من إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ لقلَّة مَا سمع مِنْهَا، وَلَا أحسن اتبَاعا لَهَا من الشّعبِيّ لِكَثْرَة مَا سمع، وَنقل ابْن شاش عَن الْمَالِكِيَّة خلافًا فِي جَوَاز قتل الصَّغِير مِنْهَا الَّذِي لَا يتَمَكَّن من الْأَذَى، والفأرة أَنْوَاع مِنْهَا: الجرذ، بِضَم الْجِيم على وزن: عمر، والخلد، بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة. وَسُكُون اللَّام، وفأرة الْإِبِل، وفأرة الْمسك، وفأرة الغيط، وَحكمهَا فِي تَحْرِيم الْأكل وَجَوَاز قَتلهَا سَوَاء.

الْوَجْه الْخَامِس: فِي الْعَقْرَب: فَإِنَّهُ يجوز قَتله مُطلقًا حَتَّى فِي الصَّلَاة، لِأَنَّهُ يقْصد اللدغ وَيتبع الْحس، وَذكر أَبُو عمر عَن حَمَّاد ابْن أبي سُلَيْمَان وَالْحكم أَن الْمحرم لَا يقتل الْحَيَّة وَالْعَقْرَب، رَوَاهُ عَنْهُمَا شُعْبَة، قَالَ: وحجتهما أَنَّهُمَا من هوَام الأَرْض، وَقَالَ القَاضِي: لم يخْتَلف فِي قتل الْحَيَّة وَالْعَقْرَب وَلَا فِي قتل الْحَلَال الوزغ فِي الْحرم، وَقَالَ أَبُو عمر: لَا خلاف عَن مَالك وَجُمْهُور الْعلمَاء فِي قتل الْحَيَّة وَالْعَقْرَب فِي الْحل وَالْحرم، وَكَذَلِكَ الأفعى.

الْوَجْه السَّادِس: فِي الْكَلْب الْعَقُور: أذكر أَبُو عمر أَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة قَالَ: الْكَلْب الْعَقُور: كل سبع يعقر، وَلم يخص بِهِ الْكَلْب، قَالَ سُفْيَان، وَفَسرهُ لنا زيد بن أسلم، وَكَذَا قَالَ أَبُو عبيد، وَعَن أبي هُرَيْرَة: الْكَلْب الْعَقُور الْأسد، وَعَن مَالك: هُوَ كل مَا عقر النَّاس وَعدا عَلَيْهِم مثل: الْأسد والنمر والفهد، فَأَما مَا كَانَ من السبَاع لَا يعدو مثل: الضبع والثعلب وشبههما، فَلَا يقْتله الْمحرم، وَإِن قَتله فدَاه. وَزعم النَّوَوِيّ أَن الْعلمَاء اتَّفقُوا على جَوَاز قتل الْكَلْب الْعَقُور للْمحرمِ والحلال فِي الْحل وَالْحرم، وَاخْتلفُوا فِي المُرَاد بِهِ، فَقيل: هُوَ الْكَلْب الْمَعْرُوف، حَكَاهُ القَاضِي عِيَاض عَن أبي حنيفَة وَالْأَوْزَاعِيّ وَالْحسن بن حَيّ، وألحقوا بِهِ الذِّئْب، وَحمل زفر الْكَلْب على الذِّئْب وَحده، وَذهب الشَّافِعِي وَالثَّوْري وَأحمد وَجُمْهُور الْعلمَاء إِلَى أَن المُرَاد كل مفترس غَالِبا. وَقَالَ مَالك فِي (الْمُوَطَّأ) : كل مَا عقر النَّاس وَعدا عَلَيْهِم وأخافهم مثل الْأسد والنمر والفهد وَالذِّئْب هُوَ الْعَقُور، وَكَذَا نقل أَبُو عبيد عَن سُفْيَان، وَقَالَ بَعضهم: هُوَ قَول الْجُمْهُور. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: المُرَاد بالكلب هُنَا الْكَلْب خَاصَّة، وَلَا يلْتَحق بِهِ فِي هَذَا الحكم سوى الذِّئْب، وَاحْتج أَبُو عبيد بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (أللهم سلط عَلَيْهِ كَلْبا من كلابك، فَقتله الْأسد) . وَهُوَ حَدِيث حسن أخرجه الْحَاكِم من طَرِيق أبي نَوْفَل بن أبي عقرب عَن أَبِيه، وَاحْتج بقول الله تَعَالَى: {وَمَا علَّمتم من الْجَوَارِح مكلبين} (الْمَائِدَة: ٤) . فاشتقاقها من اسْم الْكَلْب، فَلهَذَا قيل لكل جارح: عقور. قلت: فِي (مَرَاسِيل) ذكر الْكَلْب من غير وَصفه بالعقور، فَعلم أَن المُرَاد بِهِ الْحَيَوَان الْخَاص لَا كل عَاقِر، وَقَالَ السرسقطي فِي (غَرِيبه) : الْكَلْب

<<  <  ج: ص:  >  >>