للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٠٣٨١ - حدَّثنا عُمَرُ بنُ حَفْصِ بنِ غَيَاثٍ قَالَ حدَّثنا أبي قَالَ حدَّثنا الأعْمَشُ قَالَ حدَّثني إبْرَاهِيمُ عنِ الأسْوَدِ عَنْ عَبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ بَيْنَما نَحْنُ معَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غارٍ بِمِنىً إذْ نَزَلَ عَلَيْهِ {والمُرْسَلَاتِ} (المرسلات: ١) . وإنَّهُ لَيَتْلُوهَا وإنِّي لأتلَقَّاهَا مِنْ فِيهِ وَإنَّ فَاهُ لَرَطْبٌ بِهَا إذْ وَثَبَتْ عَلَيْنَا حَيَّةٌ فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اقْتُلُوها فابْتَدَرْنَاها فذَهَبَتْ فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وُقِيَتْ شَرَّكُمْ كَمَا وُقِيتُمْ شَرَّهَا..

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (اقتلوها) فَإِن قلت: التَّرْجَمَة فِيمَا يقتل الْمحرم وَلَيْسَ فِيهِ مَا يدل على أَنه أَمر بقتل الْحَيَّة فِي حَالَة الْإِحْرَام؟ قلت: كَانَ ذَلِك فِي لَيْلَة عَرَفَة، وَبِذَلِك صرح الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي رِوَايَته من طَرِيق ابْن نمير عَن حَفْص بن غياث. وَقَوله: (فِي غَار بمنى) ، يدل على أَنه كَانَ فِي الْحرم، وَعند ابْن خُزَيْمَة من رِوَايَة أبي كريب (عَن حَفْص بن غياث: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر محرما بقتل حَيَّة فِي الْحرم بمنى) .

وَرِجَال الحَدِيث قد مروا غير مرّة، وَالْأَعْمَش هُوَ سُلَيْمَان، وَإِبْرَاهِيم هُوَ النَّخعِيّ وَالْأسود هُوَ ابْن يزِيد، وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّفْسِير عَن قُتَيْبَة عَن جرير وَعَن عمر بن حَفْص أَيْضا. وَقَالَ فِي التَّفْسِير وَغَيره، وَقَالَ حَفْص وَأَبُو مُعَاوِيَة وَسليمَان بن قرم أربعتهم عَن الْأَعْمَش عَنهُ بِهِ. وَأخرجه مُسلم فِي الْحَيَوَان عَن عمر بن حَفْص بِهِ، وَعَن قُتَيْبَة وَعُثْمَان بن أبي شيبَة، كِلَاهُمَا عَن جرير بِهِ، وَعَن يحيى بن يحيى وَأبي بكر بن أبي شيبَة وَأبي كريب وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم أربعتهم عَن أبي مُعَاوِيَة بِهِ، وَفِي الْحَج عَن أبي كريب عَن حَفْص بن غياث بِبَعْضِه أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر بقتل حَيَّة بمنى. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْحَج، وَفِي التَّفْسِير عَن أَحْمد بن سُلَيْمَان الرهاوي عَن يحيى بن آدم عَن حَفْص بن غياث بِهِ.

قَوْله: (بَيْنَمَا) ، قد ذكرنَا غير مرّة أَن: بَيْنَمَا، وَبينا، ظرفا زمَان بِمَعْنى المفاجأة، ويضافان إِلَى جملَة من فعل وفاعل ومبتدأ وَخبر، ويحتاجان إِلَى جَوَاب يتم بِهِ الْمَعْنى، وَجَوَابه هُنَا هُوَ قَوْله: (إِذْ نزل عَلَيْهِ) ، والأفصح أَن لَا يكون فِيهِ إِذْ وَإِذا، وَقد جَاءَ أَحدهمَا فِي الْجَواب كثيرا. قَوْله: (إِذْ نزل عَلَيْهِ) أَي: على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَقَوله: {والمرسلات} (المرسلات: ١) . أَي سُورَة {والمرسلات} (المرسلات: ١) . وَهُوَ فَاعل لقَوْله: (نزل) ، وَالْفِعْل إِذا أسْند إِلَى مؤنث غير حَقِيقِيّ يجوز فِيهِ التَّذْكِير والتأنيث. قَوْله: (وَإِنِّي لأتلقاها) أَي: لأتلقنها. قَوْله: (من فِيهِ) أَي: من فَمه قَوْله: (وَإِن فَاه) أَي: وَإِن فَمه. قَوْله: (لرطب بهَا) أَي: لم يجِف رِيقه بهَا. وَقَالَ التَّيْمِيّ: الرطب عبارَة عَن الغض الطري، كَأَن مَعْنَاهَا: قبل أَن يجِف رِيقه بهَا. قَوْله: (إِذْ وَثَبت) كلمة إِذْ، للمفاجأة. قَوْله: (فابتدرناها) أَي: أَسْرَعنَا إِلَى أَخذهَا، وَهُوَ من بدرت إِلَى الشَّيْء أبدر بدورا: أسرعت، وَكَذَلِكَ: بادرت إِلَيْهِ، وَيُقَال: ابتدروا السِّلَاح، أَي: تسارعوا إِلَى أَخذه. قَوْله: (وقيت) ، أَي: حفظت ومنعت. قَوْله: (شركم) ، بِالنّصب لِأَنَّهُ مفعول ثَان للْفِعْل الْمَجْهُول، أَي: إِن الله سلمهَا مِنْكُم كَمَا سلمكم مِنْهَا، وَلم يلْحقهَا ضرركم كَمَا لم يلحقكم ضررها. قَوْله: (كَمَا وقيتم) ، على صِيغَة الْمَجْهُول أَيْضا، (وشرها) بِالنّصب مفعول ثَان لَهُ.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: الْأَمر بقتل الْحَيَّة سَوَاء كَانَ محرما أَو حَلَالا أَو فِي الْحرم، وَالْأَمر مُقْتَضَاهُ الْوُجُوب. وَقَالَ ابْن بطال: أجمع الْعلمَاء على جَوَاز قتل الْحَيَّة فِي الْحل وَالْحرم، قَالَ: وَأَجَازَ مَالك قتل الأفعى وَهِي دَاخِلَة عِنْده فِي معنى الْكَلْب الْعَقُور، وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: لَا نعلمهُمْ اخْتلفُوا فِي جَوَاز قتل الْعَقْرَب، وَقَالَ نَافِع: لما قيل: فالحية لَا يخْتَلف فِيهَا، وَفِي رِوَايَة: وَمن يشك فِيهَا؟ ورد عَلَيْهِ ابْن عبد الْبر بِمَا أخرجه ابْن أبي شيبَة من طَرِيق شُعْبَة: أَنه سَأَلَ الحكم وحمادا فَقَالَا: لَا يقتل الْمحرم الْحَيَّة وَلَا الْعَقْرَب. قَالَ: وَمن حجتهما أَنَّهُمَا من هوَام الأَرْض، فَيلْزم من أَبَاحَ قَتلهمَا مثل ذَلِك فِي سَائِر الْهَوَام. قلت: نعم، يُبَاح قتل سَائِر الْهَوَام القتَّالة: كالرتيلاء وَأم الْأَرْبَعَة وَالْأَرْبَعِينَ، والسام الأبرص، والوزغة، والنمل المؤذية وَنَحْوهَا. وَأما نَهْيه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَن قتل حيات الْبيُوت فقد اخْتلف السّلف قبلنَا فِي ذَلِك، فَقَالَ بَعضهم: بِظَاهِر الْأَمر، يقتل الْحَيَّات كلهَا من غير اسْتثِْنَاء شَيْء مِنْهَا، كَمَا روى أَبُو إِسْحَاق عَن الْقَاسِم بن عبد الرَّحْمَن عَن أَبِيه عَن عبد الله، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (اقْتُلُوا الْحَيَّات كُلهنَّ فَمن خَافَ ثأرهن فَلَيْسَ مني) ، وروى أَيْضا هَذَا عَن عَمْرو ابْن مَسْعُود، وَقَالَ أَبُو عمر: روى شُعْبَة عَن مُخَارق بن عبد الله عَن طَارق بن شهَاب، قَالَ: اعْتَمَرت فمررت بالرمال، فَرَأَيْت حيات فَجعلت أقتلهن، وَسَأَلت عمر فَقَالَ: هن عدونا فاقتلوهن) . قَالَ ابْن عُيَيْنَة: سَمِعت الزُّهْرِيّ يحدث عَن سَالم عَن أَبِيه أَن عمر سُئِلَ عَن الْحَيَّة يَقْتُلهَا الْمحرم؟ فَقَالَ:

<<  <  ج: ص:  >  >>