هَذَا فِي (الْمُوَطَّأ) كَمَا قَالَ مَالك، وَهُوَ اقتصره على الْمَوْقُوف فَقَط، وَقد اخْتلف فِي قَوْله: لَا تنتقب الْمَرْأَة فِي رَفعه وَوَقفه، فَنقل الْحَاكِم عَن شَيْخه على النَّيْسَابُورِي أَنه من قَول ابْن عمر، أدرج فِي الحَدِيث. وَقَالَ الْخطابِيّ فِي (المعالم) : وعللوه بِأَن ذكر القفازين، إِنَّمَا هُوَ قَول ابْن عمر لَيْسَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وعلق الشَّافِعِي القَوْل فِي ذَلِك، وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي (الْمعرفَة) : أَنه رَوَاهُ اللَّيْث مدرجا وَقد اسْتشْكل الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فِي (الإِمَام) الحكم بالإدراح فِي هَذَا الحَدِيث من وَجْهَيْن. الأول: لوُرُود النَّهْي عَن النقاب والقفازين مُفردا مَرْفُوعا، فروى أَبُو دَاوُد من رِوَايَة إِبْرَاهِيم بن سعد الْمدنِي عَن نَافِع عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ:(الْمُحرمَة لَا تنتقب وَلَا تلبس القفازين) . وَالْوَجْه الثَّانِي: أَنه جَاءَ النَّهْي عَن القفازين مُبْتَدأ بِهِ فِي صدر الحَدِيث مُسْندًا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَابِقًا على النَّهْي عَن غَيره. قَالَ: وَهَذَا يمْنَع من الإدراج وَيُخَالف الطَّرِيق الْمَشْهُورَة، فروى أَبُو دَاوُد أَيْضا من حَدِيث ابْن إِسْحَاق، قَالَ: فَإِن نَافِعًا مولى عبد الله بن عمر، حَدثنِي (عَن عبد الله بن عمر أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى النِّسَاء فِي إحرامهن عَن القفازين والنقاب وَمَا مس الورس والزعفران من الثِّيَاب، ولتلبس بعد ذَلِك مَا أحبت من ألوان الثِّيَاب معصفرا أَو خَزًّا أَو حليا وَسَرَاويل أَو قمصا) . وَقَالَ شَيخنَا زين الدّين: فِي الْوَجْه الأول قرينَة تدل على عدم الإدراج، فَإِن الحَدِيث ضَعِيف لِأَن إِبْرَاهِيم بن سعيد الْمدنِي مَجْهُول، وَقد ذكره ابْن عدي مُقْتَصرا على ذكر النقاب، وَقَالَ: لَا يُتَابع إِبْرَاهِيم بن سعيد هَذَا على رَفعه، قَالَ: وَرَوَاهُ جمَاعَة عَن نَافِع من قَول ابْن عمر، وَقَالَ الذَّهَبِيّ فِي (الْمِيزَان) : أَن إِبْرَاهِيم بن سعيد هَذَا مُنكر الحَدِيث غير مَعْرُوف، ثمَّ قَالَ: لَهُ حَدِيث وَاحِد فِي الْإِحْرَام أخرجه أَبُو دَاوُد، وَسكت عَنهُ، فَهُوَ مقارب الْحَال. وَفِي الْوَجْه الثَّانِي: إِبْنِ إِسْحَاق وَهُوَ لَا شكّ دون عبيد الله بن عمر فِي الْحِفْظ والإتقان، وَقد فصل الْمَوْقُوف من الْمَرْفُوع. وَقَول الشَّيْخ: إِن هَذَا يمْنَع من الإدراج مُخَالف لقَوْله فِي الاقتراح: إِنَّه يضعف لَا يمنعهُ، فَلَعَلَّ بعض من ظَنّه مَرْفُوعا قدمه، والتقديم وَالتَّأْخِير فِي الحَدِيث سَائِغ بِنَاء على جَوَاز الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى.
وتابَعَهُ لَيْثُ بنُ أبِي سُلَيْمٍ
أَي: وتابع مَالِكًا فِي وَقفه لَيْث بن أبي سليم، بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَفتح اللَّام بن زنيم الْقرشِي الْكُوفِي، وَاسم أبي سليم أنس مولى عَنْبَسَة ابْن أبي سُفْيَان، مَاتَ فِي شعْبَان سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَمِائَة، وَكَانَ من الْعباد، وَاخْتَلَطَ فِي آخر عمره حَتَّى لَا يكَاد يدْرِي مَا يحدث بِهِ.
وَقد أخرج البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث فِي كتاب الْجَنَائِز فِي: بَاب كَيفَ يُكفن الْمحرم من طَرِيقين: أَحدهمَا: عَن أبي النُّعْمَان عَن أبي عوَانَة عَن أبي بشر عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس. وَالْآخر: عَن مُسَدّد عَن حَمَّاد بن زيد عَن عَمْرو وَأَيوب عَن سعيد بن جُبَير، وَأخرجه أَيْضا فِي كتاب الْجَنَائِز فِي: بَاب الْكَفَن فِي ثَوْبَيْنِ: عَن أبي النُّعْمَان عَن حَمَّاد عَن أَيُّوب عَن سعيد بن جُبَير. وَأخرجه أَيْضا فِي: بَاب الحنوط للْمَيت عَن قُتَيْبَة عَن حَمَّاد عَن أَيُّوب عَن سعيد بن جُبَير، وَأخرجه أَيْضا فِي: بَاب الْمحرم يَمُوت بِعَرَفَة من وَجْهَيْن: الأول: عَن سُلَيْمَان بن حَرْب عَن حَمَّاد بن زيد عَن عَمْرو بن دِينَار عَن سعيد بن جُبَير. وَالثَّانِي: عَن سُلَيْمَان بن حَرْب أَيْضا عَن حَمَّاد عَن أَيُّوب عَن سعيد بن جُبَير، وَأخرجه أَيْضا فِي: بَاب سنة الْمحرم إِذا مَاتَ: عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم عَن هشيم عَن أبي بشر عَن سعيد بن جُبَير، وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ فِيمَا مضى مستقصىً.