وَفِي الْجِهَاد عَن إِسْمَاعِيل بن أبي أويس، وَفِي الْمَغَازِي عَن يحيى بن قزعة، وَأخرجه مُسلم فِي الْمَنَاسِك عَن القعْنبِي وَيحيى بن يحيى وقتيبة كلهم عَن مَالك، وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْجِهَاد عَن القعْنبِي بِهِ، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة بِهِ وَفِي الشَّمَائِل عَن عِيسَى بن أَحْمد عَن ابْن وهب عَن مَالك. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْحَج عَن قُتَيْبَة بِهِ وَعَن عبيد الله بن فضَالة عَن الْحميدِي عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَنهُ بِهِ مُخْتَصرا. وَفِي السّير عَن مُحَمَّد بن سَلمَة عَن ابْن الْقَاسِم عَنهُ بِتَمَامِهِ. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْجِهَاد عَن هِشَام بن عمار وسُويد بن سعيد كِلَاهُمَا عَنهُ بِهِ.
ذكر مَا قيل فِي هَذَا الحَدِيث: وَهَذَا الحَدِيث عد من أَفْرَاد مَالك، تفرد بقوله:(وعَلى رَأسه المغفر) كَمَا تفرد بِحَدِيث: (الرَّاكِب شَيْطَان) ، وَبِحَدِيث:(السّفر قِطْعَة من الْعَذَاب) ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: قد أوردت أَحَادِيث من رَوَاهُ عَن مَالك فِي جُزْء مُفْرد وهم نَحْو من مائَة وَعشْرين رجلا أَو أَكثر مِنْهُم: السُّفْيانَانِ وَابْن جريج وَالْأَوْزَاعِيّ، وَقَالَ أَبُو عمر: هَذَا حَدِيث تفرد بِهِ مَالك وَلَا يحفظ عَن غَيره وَلم يروه عَن ابْن شهَاب سَوَاء من طَرِيق صَحِيح، وَقد رُوِيَ عَن ابْن أخي ابْن شهَاب عَن عَمه عَن أنس، وَلَا يكَاد يَصح، وَرُوِيَ من غير هَذَا الْوَجْه، وَلَا يثبت أهل الْعلم فِيهِ إِسْنَادًا غير حَدِيث مَالك، وَرَوَاهُ أَيْضا أَبُو أويس وَالْأَوْزَاعِيّ عَن الزُّهْرِيّ، وروى مُحَمَّد بن سليم بن الْوَلِيد الْعَسْقَلَانِي عَن مُحَمَّد بن السّري عَن عبد الرَّزَّاق عَن مَالك وَعَن ابْن شهَاب (عَن أنس: دخل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم الْفَتْح وَعَلِيهِ عِمَامَة سَوْدَاء) ، وَمُحَمّد بن سليم لم يكن مِمَّن يعْتَمد عَلَيْهِ، وَتَابعه على ذَلِك بِهَذَا الْإِسْنَاد الْوَلِيد بن مُسلم وَيحيى الوحاظي، وَمَعَ هَذَا فَإِنَّهُ لَا يحفظه عَن مَالك فِي هَذَا، إلَاّ المغفر. قَالَ أَبُو عمر، وَرُوِيَ من طَرِيق أَحْمد بن إِسْمَاعِيل عَن مَالك عَن أبي الزبير (عَن جَابر: أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دخل مَكَّة وَعَلِيهِ عِمَامَة سَوْدَاء) ، وَلم يقل: عَام الْفَتْح، وَهُوَ مَحْفُوظ من حَدِيث جَابر زَاد مُسلم فِي (صَحِيحه) : (بِغَيْر إِحْرَام) .
قَالَ وروى جمَاعَة مِنْهُم بشر بن عمرَان الزهْرَانِي وَمَنْصُور بن سَلمَة الْخُزَاعِيّ حَدِيث المغفر فَقَالَا: مغفر من حَدِيد، وَمَنْصُور وَبشر ثقتان، وتابعهما على ذَلِك جمَاعَة لَيْسُوا هُنَاكَ، وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدَة بن سَلام عَن ابْن بكير عَن مَالك، وَرَوَاهُ روح بن عبَادَة بِإِسْنَادِهِ هَذَا وَفِيه زِيَادَة:(وَطَاف وَعَلِيهِ المغفر) ، وَلم يقلهُ غَيره، وَرَوَاهُ عبد الله بن جَعْفَر الْمَدِينِيّ عَن مَالك عَن الزُّهْرِيّ (عَن أنس قَالَ: دخل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم الْفَتْح مَكَّة وعَلى رَأسه مغفر، واستلم الْحجر بمحجن) ، وَهَذَا لم يقلهُ عَن مَالك غير عبد الله هَذَا، وروى دَاوُد بن الزبْرِقَان عَن معمر وَمَالك جَمِيعًا عَن ابْن شهَاب (عَن أنس: أَنه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، دخل عَام الْفَتْح فِي رَمَضَان وَلَيْسَ بصائم) . وَهَذَا اللَّفْظ لَيْسَ بِمَحْفُوظ بِهَذَا الْإِسْنَاد لمَالِك من هَذَا الْوَجْه، وَقد روى سُوَيْد بن سعيد عَن مَالك عَن ابْن شهَاب (عَن أنس: أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دخل مَكَّة عَام الْفَتْح غير محرم) ، وَتَابعه على ذَلِك عَن مَالك إِبْرَاهِيم بن عَليّ المقرىء، وَهَذَا لَا يعرف هَكَذَا، إلَاّ بهما وَإِنَّمَا هُوَ فِي الْمُوَطَّأ عِنْد جمَاعَة الروَاة من قَول ابْن شهَاب لم يرفعهُ إِلَى أنس.
وَقَالَ الْحَاكِم فِي الإكليل: اخْتلفت الرِّوَايَات فِي لبسه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْعِمَامَة والمغفر يَوْم الْفَتْح، وَلم يَخْتَلِفُوا أَنه دَخلهَا وَهُوَ حَلَال. قَالَ: وَقَالَ بعض النَّاس: الْعِمَامَة كالمغفر على الرَّأْس وَيُؤَيّد ذَلِك حَدِيث جَابر الْمَذْكُور آنِفا. قَالَ: وَهُوَ، وَإِن صَححهُ مُسلم، وَحده، فَالْأول يَعْنِي: حَدِيث أنس مجمع على صِحَّته، وَالدَّلِيل على أَن المغفر غير الْعِمَامَة قَوْله: من حَدِيد، فَبَان بِهَذَا أَن حَدِيث المغفر من حَدِيد أثبت من الْعِمَامَة السَّوْدَاء، لِأَن راويها أَبُو الزبير. وَقَالَ عَمْرو بن دِينَار: أَبُو الزبير يحْتَاج إِلَى دعامة، وَقد روى عَمْرو بن حُرَيْث ومزيدة وعنبسة صَاحب (الألواح) عَن عبيد الله ابْن أبي بكر (عَن أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لبس الْعِمَامَة السَّوْدَاء) ، وَلَا يَصح مِنْهَا، وَإِنَّمَا لبس الْبيَاض وَأمر بِهِ. قلت: روى مُسلم من طرق من حَدِيث أبي الزبير (عَن جَابر بن عبد الله أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دخل مَكَّة يَوْم فتح مَكَّة وَعَلِيهِ عِمَامَة سَوْدَاء) ، وَمن طَرِيق جَعْفَر بن عَمْرو بن حُرَيْث عَن أَبِيه قَالَ:(كَأَنِّي أنظر إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعَلِيهِ عِمَامَة سَوْدَاء قد أرْخى طرفيها بَين كَتفيهِ) ، وَقَالَ ابْن السّديّ: إِن ابْن الْعَرَبِيّ قَالَ حِين قيل لَهُ: لم يروه إلَاّ مَالك قد رويته من ثَلَاثَة عشر طَرِيقا غير طَرِيق مَالك، واتهموه فِي ذَلِك ونسبوه إِلَى المجازفة، وَقد أخطأوا فِي ذَلِك لقلَّة أطلاعهم فِي هَذَا الْبَاب وَعدم وقوفهم على مَا وقف عَلَيْهِ ابْن الْعَرَبِيّ، وَقَالَ شَيخنَا زين الدّين، رَحمَه الله، حِين قيل لَهُ: تفرد بِهِ الزُّهْرِيّ عَن مَالك: إِنَّه قد ورد من طَرِيق ابْن أخري الزُّهْرِيّ وَأبي أويس وَمعمر وَالْأَوْزَاعِيّ، وَقَالَ: إِن رِوَايَة ابْن أخي الزُّهْرِيّ عِنْد الْبَزَّار، وَرِوَايَة أبي أويس عِنْد ابْن سعد وَابْن عدي، وَرِوَايَة معمر ذكرهَا ابْن عدي، وَرِوَايَة الْأَوْزَاعِيّ ذكرهَا لمزي، وَقيل: يُقَال: إِنَّه يحمل قَول من قَالَ: تفرد بِهِ مَالك،