ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (فَأَتَاهُ رجل) وَفِي رِوَايَة مَالك فِي (الْمُوَطَّأ) عَن عَطاء بن أبي رَبَاح: (أَن أَعْرَابِيًا جَاءَ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ بحنين) ، الحَدِيث فِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ: فَبَيْنَمَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالجعرانة وَمَعَهُ نفر من أَصْحَابه جَاءَ رجل) . وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ عَن يعلى بن أُميَّة، قَالَ: (رأى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالجعرانة أَعْرَابِيًا قد أحرم وَعَلِيهِ حَبَّة فَأمره أَن يَنْزِعهَا. قَوْله: (عَلَيْهِ جُبَّة) ، جملَة إسمية فِي مَحل الرّفْع على أَنَّهَا صفة لرجل. قَوْله: (فِيهِ أثر صفرَة) أَي: فِي الرجل، ويروى: (بِهِ) ، أَي بِالرجلِ، ويروى (وَعَلَيْهَا أثر صفرَة) ، أَي: وعَلى الْجُبَّة وَفِي رِوَايَة لمُسلم: (وَعَلِيهِ جُبَّة بهَا أثر من خلوق) ، وَفِي رِوَايَة لَهُ: (كَيفَ ترى فِي رجل عَلَيْهِ جُبَّة صوف متضمخ بِطيب؟) وَفِي رِوَايَة: (عَلَيْهِ جُبَّة وَعَلَيْهَا خلوق) ، وَفِي رِوَايَة: (وَهُوَ متضمخ بالخلوق) ، وَفِي رِوَايَة لغيره: (وَعَلِيهِ جُبَّة عَلَيْهَا أثر الزَّعْفَرَان) ، وَفِي رِوَايَة: (وَعَلِيهِ أثر الخلوق) ، وَهُوَ بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة نوع من الطّيب يَجْعَل فِيهِ الزَّعْفَرَان. قَوْله: (أَن ترَاهُ) أَن: كلمة مَصْدَرِيَّة، وَهُوَ فِي مَحل النصب على أَنه مفعول لقَوْله: (تحب) . قَوْله: (ثمَّ سري عَنهُ) ، بِضَم السِّين أَي كشف. قَوْله: (إصنع فِي عمرتك مَا تصنع فِي حجك) ، يَعْنِي من الطّواف بِالْبَيْتِ وَالسَّعْي بَين الصَّفَا والمروة وَالْحلق والاحتراز عَن مَحْظُورَات الْإِحْرَام فِي الْحَج.
قَوْله: (وعض رجل يَد رجل) ، وَحَدِيث آخر وَمَسْأَلَة مُسْتَقلَّة بذاتها، وَجه تعلقه بِالْبَابِ كَونه من تَتِمَّة الحَدِيث، وَهُوَ مَذْكُور بالتبعية. قَوْله: (تثنيته) ، قَالَ الْجَوْهَرِي: الثَّنية وَاحِدَة الثنايا من السن. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: فِي الْفَم الْأَسْنَان الثنايا والرباعيات والأنياب والضواحك والطواحين والأرحاء والنواجذ، وَهِي سِتَّة وَثَلَاثُونَ، من فَوق وأسفل أَربع ثنايا: ثنيتان من أَسْفَل وثنيتان من فَوق، ثمَّ يَلِي الثنايا أَربع رباعيات، رباعيتان من فَوق ورباعيتان من أَسْفَل ثمَّ يَلِي الرباعيات الأنياب، وَهِي أَرْبَعَة: نابان من فَوق ونابان من أَسْفَل، ثمَّ يَلِي الأنياب الضواحك، وَهِي أَرْبَعَة أضراس إِلَى كل نَاب من أَسْفَل الْفَم وَأَعلاهُ: ضَاحِك ثمَّ يَلِي الضواحك الطواحين والأرحاء، وَهِي سِتَّة عشر فِي كل شقّ ثَمَانِيَة: أَرْبَعَة من فَوق وَأَرْبَعَة من أَسْفَل، ثمَّ يَلِي الأرحاء النواجذ أَرْبَعَة أضراس وَهِي آخر الأضراس نباتا، الْوَاحِد ناجذ. قَوْله: (فأبطله النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَي: جعله هدرا لِأَنَّهُ نَزعهَا دفعا للصائل.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: أَنه احْتج بِهِ عَطاء وَالزهْرِيّ وَسَعِيد بن جُبَير وَمُحَمّد بن سِيرِين وَمَالك وَمُحَمّد بن الْحسن على كَرَاهَة اسْتِعْمَال الطّيب عِنْد الْإِحْرَام، وَذهب مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة وَعمر بن عبد الْعَزِيز وَعُرْوَة بن الزبير وَالْأسود بن يزِيد وخارجة ابْن زيد وَالقَاسِم بن مُحَمَّد وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وسُفْيَان الثَّوْريّ وَأَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف وَزفر وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق إِلَى أَنه لَا بَأْس بالتطيب عِنْد الْإِحْرَام، وَهُوَ مَذْهَب الظَّاهِرِيَّة أَيْضا وَأَجَابُوا عَن الحَدِيث بِأَن الطّيب الَّذِي كَانَ على ذَلِك الرجل إِنَّمَا كَانَ صفرَة وَهُوَ خلوق، فَذَلِك مَكْرُوه لَا للرجل للْإِحْرَام، وَلكنه لِأَنَّهُ مَكْرُوه فِي نَفسه فِي حَال الْإِحْلَال، وَفِي حَال الْإِحْرَام، وَإِنَّمَا أُبِيح من الطّيب عِنْد الْإِحْرَام مَا هُوَ حَلَال فِي حَال الْإِحْلَال، وَالدَّلِيل على ذَلِك أَن حَدِيث يعلى الَّذِي رُوِيَ بطرق مُخْتَلفَة، قد بيَّن ذَلِك وأوضح أَن ذَلِك الطّيب الَّذِي أمره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِغسْلِهِ كَانَ خلوفا. وَهُوَ مَنْهِيّ عَنهُ فِي كل الْأَحْوَال. وَمِنْه: صِحَة إِحْرَام المتلبس بمحظورات الْإِحْرَام من اللبَاس وَالطّيب. وَمِنْه: عدم جَوَاز لبس الْمخيط كالجبة للْمحرمِ. وَمِنْه: أَنه لَا يجب قطع الْجُبَّة والقميص للْمحرمِ إِذا أَرَادَ نَزعهَا بل لَهُ أَن ينْزع ذَلِك من رَأسه وَإِن أدّى إِلَى الْإِحَاطَة بِرَأْسِهِ خلافًا لمن قَالَ يشقه، وَهُوَ قَول الشّعبِيّ وَالنَّخَعِيّ، ويروى ذَلِك أَيْضا عَن الْحسن وَسَعِيد بن جُبَير، وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: وَلَيْسَ نزع الْقَمِيص بِمَنْزِلَة اللبَاس، لِأَن الْمحرم لَو حمل على رَأسه ثيابًا أَو غَيرهَا لم يكن بذلك بَأْس، وَلم يدْخل ذَلِك فِيمَا نهى عَنهُ من تَغْطِيَة الرَّأْس بالقلانس وَشبههَا، لِأَنَّهُ غير لابس، فَكَانَ النَّهْي إِنَّمَا وَقع فِي ذَلِك على مَا يَلِيهِ الرَّأْس لَا على مَا يُغطي بِهِ. وَفِيه: مَسْأَلَة العاض، وَسَيذكر البُخَارِيّ فِي كتاب الدِّيات فِي: بَاب إِذا عض رجلا فَوَقَعت ثناياه عَن صَفْوَان بن يعلى عَن أَبِيه وَعَن زُرَارَة بن أوفى (عَن عمرَان بن حُصَيْن، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: أَن رجلا عض يَد رجل فَنزع يَده من فَمه فَوَقَعت ثنيتاه فاختصموا إِلَى النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ يعَض أحدكُم أَخَاهُ كَمَا يعَض الْفَحْل لَا دِيَة لَك) . وَفِي رِوَايَة مُسلم: (فأبطلها) أَي: الدِّيَة، وَفِي رِوَايَة لَهُ: (فأهدر ثنيته) ، وَبِهَذَا أَخذ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: فِي أَن المعضوض إِذا نزع يَده فَسَقَطت أَسْنَان العاض وَفك لحيته لَا ضَمَان عَلَيْهِ، وَهُوَ قَول الْأَكْثَرين، وَقَالَ مَالك: يضمن.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute