للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أحد وَلَا ينظر إلَيْهِنَّ إلَاّ مد الْبَصَر، وَهن فِي الهوادج على الْإِبِل، وأنزلهن صدر الشّعب وَنزل عُثْمَان وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف بِذَنبِهِ، فَلم يقْعد إلَيْهِنَّ أحد، قَالَ: رَوَاهُ، يَعْنِي البُخَارِيّ فِي (الصَّحِيح) عَن أَحْمد بن مُحَمَّد عَن إِبْرَاهِيم بن سعد مُخْتَصرا: (أذن فِي خروجهن لِلْحَجِّ) ، أَي: فِي سفرهن لأجل الْحَج. وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: عُثْمَان وَعبد الرَّحْمَن لم يَكُونَا محرمين لَهُنَّ فَكيف أجَاز لَهُنَّ؟ وَفِي الحَدِيث: (لَا تُسَافِر الْمَرْأَة لَيْسَ مَعهَا زَوجهَا أَو ذُو محرم) ؟ قلت: النسْوَة الثِّقَات يقمن مقَام الْمحرم، أَو الرِّجَال كلهم محارم لَهُنَّ لِأَنَّهُنَّ أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ، وَكَيف لَا وحد الْمحرم صَادِق عَلَيْهَا؟

وَقَالَ النَّوَوِيّ: الْمحرم من حرم نِكَاحهَا على التأييد بِسَبَب مُبَاح لحرمتها، وَاحْترز بِقَيْد التأييد عَن أُخْت الْمَرْأَة، وبسبب مُبَاح عَن أم الْمَوْطُوءَة بِشُبْهَة، وَبِقَوْلِهِ: لحرمتها عَن الْمُلَاعنَة لِأَن تَحْرِيمهَا لَيْسَ لحرمتها بل عُقُوبَة وتغليظا. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يشْتَرط الْمحرم بل يشْتَرط الْأَمْن على نَفسهَا حَتَّى إِذا كَانَت آمِنَة مطمئنة فلهَا أَن تسير وَحدهَا فِي جملَة الْقَافِلَة، وَلَعَلَّه نظر إِلَى الْعلَّة فعمم الحكم. انْتهى كَلَام الْكرْمَانِي قلت: قَوْله: النسْوَة الثِّقَات يقمن مقَام الْمحرم، مصادمة للْحَدِيث الصَّحِيح الَّذِي رَوَاهُ أَبُو سعيد: (لَا تُسَافِر امْرَأَة مسيرَة يَوْمَيْنِ لَيْسَ مَعهَا زَوجهَا أَو ذُو محرم) ، على مَا يَأْتِي عَن قريب، وَلِحَدِيث أبي هُرَيْرَة الَّذِي أخرجه مُسلم مَرْفُوعا: (لَا يحل لأمرأة أَن تُسَافِر ثَلَاثًا إِلَّا وَمَعَهَا ذُو محرم مِنْهَا) . قَوْله: أَو الرِّجَال كلهم محارم لَهُنَّ، لِأَنَّهُنَّ أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ. هَذَا جَوَاب أبي حنيفَة لحكام الرَّازِيّ فَإِنَّهُ قَالَ: سَأَلت أَبَا حنيفَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: هَل تُسَافِر الْمَرْأَة بِغَيْر محرم؟ فَقَالَ: لَا، نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن تُسَافِر امْرَأَة مسيرَة ثَلَاثَة أَيَّام فَصَاعِدا إلَاّ وَمَعَهَا زَوجهَا أَو ذُو محرم مِنْهَا. قَالَ حكام: فَسَأَلت الْعَرْزَمِي؟ فَقَالَ: لَا بَأْس بذلك. حَدثنِي عَطاء أَن عَائِشَة كَانَت تُسَافِر بِلَا محرم، فَأتيت أَبَا حنيفَة فَأَخْبَرته بذلك، فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لم يدر الْعَرْزَمِي مَا روى، كَانَ النَّاس لعَائِشَة محرما، فَمَعَ أَيهمْ سَافَرت فقد سَافَرت بِمحرم، وَلَيْسَ النَّاس لغَيْرهَا من النِّسَاء كَذَلِك، وَلَقَد أحسن أَبُو حنيفَة فِي جَوَابه هَذَا لِأَن أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كُلهنَّ أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ وهم محارم لَهُنَّ، لِأَن الْمحرم من لَا يجوز لَهُ نِكَاحهَا على التأييد، فَكَذَلِك أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ حرَام على غير النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى يَوْم الْقِيَامَة. والعرزمي هُوَ مُحَمَّد بن عبيد الله بن أبي سُلَيْمَان الرَّاوِي الْكُوفِي، فِيهِ مقَال، فَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِثِقَة، وَعَن أَحْمد: لَيْسَ بِشَيْء لَا يكْتب حَدِيثه، نزل جبانة عَرْزَم بِالْكُوفَةِ فنسب إِلَيْهَا، وعرزم بِتَقْدِيم الرَّاء على الزَّاي.

قَوْله: وَقَالَ الشَّافِعِي ... إِلَى آخِره، كَذَلِك مصادمة للأحاديث الصَّحِيحَة، لِأَن كَلَام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يدل قطعا على اشْتِرَاط الْمحرم، وَالَّذِي يَقُول لَا يشْتَرط خلاف مَا يَقُول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقَوله: بل يشْتَرط الْأَمْن على نَفسهَا، دَعْوَى بِلَا دَلِيل، فَأَي دَلِيل دلّ على هَذَا فِي هَذَا الْبَاب، وَاشْتِرَاط الْأَمْن على النَّفس لَيْسَ بمخصوص فِي حق الْمَرْأَة خَاصَّة، بل فِي حق الرِّجَال وَالنِّسَاء كلهم. قَوْله: وَلَعَلَّه نظر ... إِلَى آخِره، من كَلَام الْكرْمَانِي، حمله على هَذَا أريحية العصبية، فَإِنَّهُ لَو أنصف لرجع إِلَى الصَّوَاب.

١٦٨١ - حدَّثنا مُسَدَّدٌ قَالَ حدَّثنا عَبْدُ الوَاحِدِ قَالَ حَدثنَا حَبِيبُ بنُ أبِي عَمْرَةَ قَالَ حدَّثَتْنا عائِشَةُ بِنْتُ طَلْحَةَ عنْ عائِشَةَ أُمِّ المُؤمِنِينَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قالَتْ قُلْتُ يَا رسولَ الله ألَا نَغْزُو أوْ نُجَاهِدُ مَعَكُمْ فَقَالَ لَكُنَّ أحْسَنُ الجِهَادِ وأجْمَلُهُ الحَجُّ حَجٌّ مَبْرُورٌ فقالَتْ عَائِشَةُ فَلَا أدَعُ الحَجَّ بَعْدَ إذْ سَمِعْتُ هَذَا مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم..

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَقد تقدم عَن عَائِشَة مثله فِي أَوَائِل الْحَج فِي: بَاب فضل الْحَج المبرور أخرجه: عَن عبد الرَّحْمَن ابْن الْمُبَارك عَن خَالِد عَن حبيب بن أبي عمْرَة عَن عَائِشَة بنت طَلْحَة عَن عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، وَهنا أخرجه: عَن مُسَدّد عَن عبد الْوَاحِد بن زِيَاد الْعَبْدي الْبَصْرِيّ.

قَوْله: (أَلا نغزو؟) أَلا، كلمة تسْتَعْمل فِي مثل هَذَا الْموضع للعرض والتحضيض، وَيجوز أَن تكون لِلتَّمَنِّي، لِأَنَّهُ من جملَة موَاضعهَا الَّتِي تسْتَعْمل فِيهَا. قَوْله: (أَو نجاهد؟) شكّ من الرَّاوِي، قيل: هُوَ مُسَدّد شيخ البُخَارِيّ، وَقد رَوَاهُ أَبُو كَامِل عَن أبي عوَانَة شيخ مُسَدّد بِلَفْظ: (أَلا نغزو مَعكُمْ؟) أخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ، وَقَالَهُ الْكرْمَانِي. فَإِن قلت: الْغَزْو وَالْجهَاد هما لفظان بِمَعْنى وَاحِد، فَمَا الْفَائِدَة فِيهِ؟ قلت: ليسَا بِمَعْنى وَاحِد،

<<  <  ج: ص:  >  >>