للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد دخل ربض فَلم يترمرم كَرَاهَة أَن يُؤْذِيه) . فَهَذَا بِالْمَدِينَةِ فِي مَوضِع قد دخل فِيمَا حرم مِنْهَا، وَقد كَانُوا يؤوون فِيهِ الوحوش ويتخذونها ويغلقون دونهَا الْأَبْوَاب، وَقد دلّ هَذَا أَيْضا على أَن حكم الْمَدِينَة فِي ذَلِك بِخِلَاف حكم صلَة قلت: وَإِسْنَاده صَحِيح وَأخرجه أَحْمد أَيْضا فِي مُسْند والوحش أحد الوحوش وَهِي حَيَوَان الْبر. قَوْله (ربض) من الربوض وربوض الْغنم وَالْبَقر وَالْفرس وَالْكَلب كبروك الْجمل وحشوم الطير. قَوْله: (لم يترمرم) ، من ترمرم إِذا حرك فَاه للْكَلَام، وَهِي بالراءين الْمُهْمَلَتَيْنِ.

وروى الطَّحَاوِيّ أَيْضا من حَدِيث أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن (عَن سَلمَة بن الْأَكْوَع أَنه كَانَ يصيد وَيَأْتِي النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، من صَيْده فَأَبْطَأَ عَلَيْهِ ثمَّ جَاءَ، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا الَّذِي حَبسك؟ فَقَالَ: يَا رَسُول الله انْتَفَى عَنَّا الصَّيْد فصرنا نصيد مَا بَين تيت إِلَى قناة، فَقَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أما أَنَّك لَو كنت تصيد بالعقيق لشيَّعتُك، إِذا ذهبت. وتلقَيْتُك إِذا جِئْت، فَإِنِّي أحب العقيق) . وَأخرجه من ثَلَاث طرق وَأخرجه من ثَلَاث طرق وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ أَيْضا، ثمَّ قَالَ الطَّحَاوِيّ: فَفِي هَذَا الحَدِيث مَا يدل على إِبَاحَة صيد الْمَدِينَة، أَلا ترى أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد دلّ سَلمَة وهوبها على مَوضِع الصَّيْد وَذَلِكَ لَا يحل بِمَكَّة، فَثَبت أَن حكم صيد الْمَدِينَة خلاف حكم صيد مَكَّة. قَوْله: (تيت) ، بِكَسْر التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره تَاء مثناة أُخْرَى، وَيُقَال: تيَّت، على وزن سيد، وَقَالَ الصَّاغَانِي: هُوَ جبل قرب الْمَدِينَة على بريد مِنْهَا.

وَأما الْجَواب عَن حَدِيث سعد بن أبي وَقاص فِي أَمر السَّلب فَهُوَ أَنه كَانَ فِي وَقت مَا كَانَت الْعُقُوبَات الَّتِي تجب بِالْمَعَاصِي فِي الْأَمْوَال، فَمن ذَلِك مَا رُوِيَ عَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي الزَّكَاة أَنه قَالَ: من أَدَّاهَا طَائِعا لَهُ أجرهَا وَمن لَا، أخذناها مِنْهُ وَشطر مَاله، ثمَّ نسخ ذَلِك فِي وَقت نسخ الرِّبا، وَقَالَ ابْن بطال: حَدِيث سعد بن أبي وَقاص فِي السَّلب لم يَصح عِنْد مَالك، وَلَا رأى الْعَمَل عَلَيْهِ بِالْمَدِينَةِ.

وَمن فَوَائِد الحَدِيث مَا قَالَه القَاضِي عِيَاض فَإِنَّهُم استدلوا بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لعنة الله) ، على أَن ذَلِك من الْكَبَائِر، لِأَن اللَّعْنَة لَا تكون إلَاّ فِي كَبِيرَة. وَفِيه: أَن الْمُحدث والمروي لَهُ فِي الْإِثْم سَوَاء.

٨٦٨١ - حدَّثنا أبُو مَعْمَرٍ قَالَ حدَّثنا عَبْدُ الوَارِثِ عنْ أبي التَّيَّاحِ عنْ أنَسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ قَدِمَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المَدِينَةَ وأمَرَ بِبِنَاءِ المَسْجِدِ فَقَالَ يَا بِنِي النَّجَّارِ ثامِنُونِي فقالُوا لَا نَطْلُبُ ثَمَنَهُ ألَاّ إِلَى الله فأمرَ بِقُبُورِ الْمُشْرِكينَ فَنُبِشَتْ ثُمَّ بالخِرَبِ فَسُوِّيَتْ وبالنَّخْلِ فقُطِعَ فصَفُّوا النَّخْلَ قِبْلَةَ الْمَسْجِدِ..

قيل: لَا مُنَاسبَة فِي إِيرَاد هَذَا الحَدِيث فِي هَذَا الْبَاب. قلت: لَهُ مُنَاسبَة جَيِّدَة ومطابقته وَاضِحَة بَينه وَبَين التَّرْجَمَة، بَيَانه أَن فِي الحَدِيث السَّابِق: لَا يقطع شَجَرهَا. وَفِي هَذَا الحَدِيث وبالنخل، فَقطع، فَدلَّ على أَن شجر الْمَدِينَة لم يكن مثل شجر مَكَّة، إِذْ لَو كَانَ مثلهَا لمنع من قطعهَا، فَدلَّ على أَن الْمَدِينَة لَيْسَ لَهَا حرم كَمَا لمَكَّة. فَإِن قلت: شجر الْمَدِينَة كَانَت ملكا لأربابها وَلِهَذَا طلبَهَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالشِّرَاءِ بِثمنِهَا، فَلَا دلَالَة فِيهِ على عدم كَون الْحرم للمدينة. قلت: يحْتَمل أَن لَا يعرف غارسها لقدمها وَبَنُو النجار كَانُوا قد وضعُوا أَيْديهم عَلَيْهَا لعدم الْعلم بأربابها، فَإِذا كَانَ كَذَلِك فقطعها يدل على الْمُدَّعِي وَهُوَ نفي كَون الْحرم للمدينة. فَإِن قلت: وَلَئِن سلمنَا ذَلِك فَنَقُول: إِن الْقطع كَانَ فِي الْمَدِينَة للْبِنَاء وَفِيه مصلحَة للْمُسلمين. قلت: يلزمك أَن تَقول بِهِ فِي مَكَّة أَيْضا وَلَا قَائِل بِهِ، وَهَذَا الحَدِيث قد تقدم بأتم مِنْهُ فِي كتاب الصَّلَاة فِي: بَاب هَل تنبش قُبُور مُشْركي الْجَاهِلِيَّة، وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى.

وَأَبُو معمر، بِفَتْح الميمين: إسمه عبد الله بن عَمْرو بن أبي الْحجَّاج الْمنْقري المقعد، وَعبد الْوَارِث بن سعيد الْعَنْبَري الْبَصْرِيّ، وَأَبُو التياح، بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره حاء مُهْملَة: واسْمه يزِيد بن حميد الضبعِي.

قَوْله: (ثامنوني) ، أَي: بايعوني بِالثّمن. قَوْله: (بالخرب) ، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَكسر الرَّاء: جمع الخربة، وَفِي بعض الرِّوَايَة بِكَسْر الْخَاء وَفتح الرَّاء.

٩٦٨١ - حدَّثنا إسْمَاعِيلُ بنُ عَبْدِ الله قَالَ حدَّثني أخِي عنْ سُلَيْمانَ عَنْ عُبَيْدِ الله عنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِي عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ حُرِّمَ مَا بَيْنَ لَابَتَي المَدِينَةِ عَلَى لِسَانِي

<<  <  ج: ص:  >  >>