وَجه ذكر هَذَا الحَدِيث هُنَا من حَيْثُ إِن لفظ: بَاب، هَذَا مُجَردا بِمَعْنى فصل وَله تعلق بِالْبَابِ السَّابِق من حَيْثُ إِن فِيهِ كَرَاهَة إعراء الْمَدِينَة، وَفِي هَذَا ترغيب فِي سكناهَا، وَهَذَا تعلق قوي مُنَاسِب، وَيحيى هُوَ ابْن سعيد الْقطَّان، وخبيب، بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة الأولى.
والْحَدِيث مضى فِي أَوَاخِر كتاب الصَّلَاة فِي: بَاب فضل مَا بَين الْقَبْر والمنبر، بِهَذَا الْإِسْنَاد والمتن عَن مُسَدّد عَن يحيى إِلَى آخِره.
قَوْله: (مَا بَين بَيْتِي ومنبري) كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَوَقع فِي رِوَايَة ابْن عَسَاكِر وَحده: (مَا بَين قَبْرِي ومنبري) ، وَقَالَ بَعضهم: إِنَّه خطأ، وَاحْتج على ذَلِك بِأَن فِي (مُسْند) مُسَدّد شيخ البُخَارِيّ بِلَفْظ: (بَيْتِي) وَكَذَلِكَ بِلَفْظ (بَيْتِي) فِي: بَاب فضل مَا بَين الْقَبْر والمنبر. قلت: نِسْبَة هَذَا إِلَى الْخَطَأ خطأ، لِأَنَّهُ وَقع لفظ: قَبْرِي ومنبري، فِي حَدِيث ابْن عمر أخرجه الطَّبَرَانِيّ بِسَنَد رِجَاله ثِقَات، وَكَذَا وَقع فِي حَدِيث سعد بن أبي وَقاص أخرجه الْبَزَّار بِسَنَد صَحِيح، على أَن المُرَاد بقوله: بَيْتِي، أحد بيوته لَا كلهَا، وَهُوَ بَيت عَائِشَة الَّذِي دفن صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهِ فَصَارَ قَبره، وَقد ورد فِي حَدِيث: (مَا بَين الْمِنْبَر وَبَيت عَائِشَة رَوْضَة من رياض الْجنَّة) ، أخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي (الْأَوْسَط) . قَوْله: (رَوْضَة) أَي: كروضة من رياض الْجنَّة فِي نزُول الرَّحْمَة وَحُصُول السعادات، وَحذف أَدَاة التَّشْبِيه للْمُبَالَغَة، وَقيل: مَعْنَاهُ أَن الْعِبَادَة فِيهَا تُؤدِّي إِلَى الْجنَّة فَيكون مجَازًا، أَو المُرَاد أَن ذَلِك الْموضع بِعَيْنِه ينْتَقل إِلَى الْجنَّة، فعلى مَا ذكرُوا إِمَّا تَشْبِيه وَإِمَّا مجَاز وَإِمَّا حَقِيقَة. قَوْله: (ومنبري على حَوْضِي) ، أَكثر الْعلمَاء: المُرَاد أَن منبره بِعَيْنِه الَّذِي كَانَ، وَقيل: إِن لَهُ هُنَاكَ منبرا على حَوْضه، وَقيل: مَعْنَاهُ أَن مُلَازمَة منبره للأعمال الصَّالِحَة تورد صَاحبهَا إِلَى الْحَوْض وَيشْرب مِنْهُ المَاء، وَهُوَ الْحَوْض المورود الْمُسَمّى بالكوثر، وَقيل: إِن ذرع مَا بَين الْمِنْبَر وَالْبَيْت الَّذِي فِيهِ الْقَبْر الْآن ثَلَاث وَخَمْسُونَ ذِرَاعا، وَقيل: أَربع وَخَمْسُونَ وَسدس، وَقيل: خَمْسُونَ إلَاّ ثلي ذِرَاع، وَهُوَ الْآن كَذَلِك، فَكَأَنَّهُ نقص لما أَدخل من الْحُجْرَة فِي الْجِدَار.
٩٨٨١ - حدَّثنا عُبَيْدُ بنُ إسْمَاعِيلَ قَالَ حدَّثنا أبُو أُسَامَةَ عنْ هِشَامٍ عَنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قالَتْ لَمَّا قَدِمَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَةَ وُعِكَ أبُو بَكْرٍ وبِلالٌ فكَانَ أبُو بَكْرٍ إذَا أخَذَتْهُ الحمَّى يَقُولُ:
(كُلُّ امْرىءٍ مُصَبَّحٌ فِي أهلِهِ ... والْمَوْتُ أدْنَى مِنْ شِرَاكِ)
وكانَ بِلَالٌ إذَا أُقْلِعَ عَنْهُ الحُمَّى يَرْفَعُ عَقِيرَتَهُ يَقُولَ:
(ألَا لَيْتَ شَعْرِي هَلْ أبِيتَنَّ لَيْلَةً ... بِوَادٍ وَحَوْلِي إذْخِرٌ وجَلِيلٌ)
(وهَلْ أرِدَنْ يَوْما مِياهَ مَجَنَّةٍ ... وهَلْ يَبْدُونَ لِي شَامَةٌ وطَفِيلُ)
قَالَ اللَّهُمَّ الْعَنْ شَيْبَةَ بنَ رَبِيعَةَ وعُتْبَةَ بنَ رَبِيعَةَ وأُمَيَّةَ بنَ خَلَفٍ كمَا أخْرَجُونَا مِنْ أرْضِنَا إلَى أرْضِ الوَباءِ ثُمَّ قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أللَّهُمَّ حَبِّبْ إلَيْنَا كَحُبِّنَا مَكَّةَ أوْ أشَدُّ أللَّهُمَّ بارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا وفِي مُدِّنا وصَحِّحْها لَنا وانْقُلْ حُمَّاهَا إلَى الجُحْفَةِ قالَتْ وقَدِمْنَا المَدِينَةَ وهْيَ أوْبَأُ أرْضِ الله قالَتْ فَكانَ بُطْحَانُ يَجْرِي نَجْلاً تَعْنِي مَاء آجِنا..
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما فهم من الَّذين قدمُوا الْمَدِينَة القلق بِسَبَب نزولهم فِيهَا وَهِي وبيئة، دَعَا الله تَعَالَى أَن يحببهم الْمَدِينَة كحبهم مَكَّة، وَأَن يُبَارك فِي صاعهم وَفِي مدهم، وَأَن ينْقل الْحمى مِنْهَا إِلَى الْجحْفَة لِئَلَّا تعرى الْمَدِينَة.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: عبيد الله، بِضَم الْعين: ابْن إِسْمَاعِيل، واسْمه فِي الأَصْل: عبيد الله، يكنى أَبَا مُحَمَّد الْهَبَّاري الْقرشِي، قَالَ البُخَارِيّ: مَاتَ فِي شهر ربيع الأول يَوْم الْجُمُعَة سنة خمسين وَمِائَتَيْنِ. الثَّانِي: أَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة. الثَّالِث: هِشَام بن عُرْوَة. الرَّابِع: أَبوهُ عُرْوَة بن الزبير بن الْعَوام. الْخَامِس: عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ.