من طَرِيق عَمْرو بن أبي عمر عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، أَنه كَانَ يصبح حَتَّى يظْهر ثمَّ يَقُول: وَالله لقد أَصبَحت وَمَا أُرِيد الصَّوْم، وَمَا أكلت من طَعَام وَلَا شراب مُنْذُ الْيَوْم، ولأصومن يومي هَذَا. قَوْله:(وَحُذَيْفَة) أَي: وَفعله حُذَيْفَة فوصل أَثَره عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة من طَرِيق سعيد بن عُبَيْدَة عَن أبي عبد الرحمان السّلمِيّ، قَالَ:(قَالَ حُذَيْفَة: من بدا لَهُ الصّيام بعد مَا تَزُول الشَّمْس فليصم) ، وَفِي رِوَايَة ابْن أبي شيبَة:(أَن حُذَيْفَة بدا لَهُ فِي الصَّوْم بعد مَا زلات الشَّمْس، فصَام) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي جَوَاز نِيَّة الصَّوْم بِالنَّهَارِ لِأَن قَوْله:(فليتم) . وَقَوله:(فَلَا يَأْكُل) يدلان على جَوَاز النِّيَّة بِالصَّوْمِ فِي النَّهَار، وَلم يشْتَرط التَّبْيِين، وَهَذَا الحَدِيث من ثلاثيات البُخَارِيّ وَهُوَ خَامِس الثلاثيات لَهُ، وَأَبُو عَاصِم هُوَ الضَّحَّاك بن مخلد وَيزِيد من الزِّيَادَة ابْن أبي عبيد بتصغير العَبْد مولى سَلمَة بن الْأَكْوَع، وَاسم الْأَكْوَع سِنَان بن عبيد الله. والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الصَّوْم عَن مكي بن إِبْرَاهِيم. وَأخرجه فِي خبر الْوَاحِد عَن مُسَدّد عَن يحيى بن سعيد. وَأخرجه مُسلم فِي الصَّوْم أَيْضا عَن قُتَيْبَة عَن حَاتِم بن إِسْمَاعِيل. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن مُحَمَّد بن الْمثنى عَن يحيى.
ذكر مَعْنَاهُ قَوْله:(عَن سَلمَة بن الْأَكْوَع) وَفِي رِوَايَة يحيى الْقطَّان (عَن يزِيد بن أبي عبيد حَدثنَا سَلمَة بن الْأَكْوَع) كَمَا سَيَأْتِي فِي خبر الْوَاحِد. قَوْله:(بعث رجلا يُنَادي فِي النَّاس) وَفِي رِوَايَة يحيى: (قَالَ لرجل من أسلم: أذن فِي قَوْمك) . وَاسم هَذَا الرجل: هِنْد بن أَسمَاء بن حَارِثَة الْأَسْلَمِيّ، وَأخرج حَدِيثه أَحْمد وَابْن أبي حيثمة من طَرِيق ابْن إِسْحَاق: حَدثنِي عبد الله بن أبي بكر (عَن خبيب بن هِنْد بن أَسمَاء الْأَسْلَمِيّ عَن أَبِيه، قَالَ: بَعَثَنِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى قومِي من أسلم فَقَالَ: مُرقومك أَن يَصُومُوا هَذَا الْيَوْم، يَوْم عَاشُورَاء، فَمن وجدته مِنْهُم قد أكل فِي أول يَوْمه فليصم آخِره) . وَقد احْتج أَصْحَابنَا بِهَذَا الحَدِيث، وَبِحَدِيث الْبَاب على صِحَة الصّيام لمن لم ينوِ من اللَّيْل، سَوَاء كَانَ رَمَضَان أَو غَيره لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر بِالصَّوْمِ فِي أثْنَاء النَّهَار، فَدلَّ على أَن النِّيَّة لَا تشْتَرط من اللَّيْل، وَقَالَ بَعضهم: وَأجِيب بِأَن ذَلِك يتَوَقَّف على أَن صِيَام يَوْم عَاشُورَاء كَانَ وَاجِبا، وَالَّذِي يتَرَجَّح من أَقْوَال الْعلمَاء أَنه لم يكن فرضا. انْتهى. قلت: روى الشَّيْخَانِ من حَدِيث عَائِشَة، قَالَت: كَانَ يَوْم عَاشُورَاء يَوْمًا