للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عَلَيْهِ التَّفْرِيق وَلم يُوجد، ثمَّ الشَّرْط فِي الْإِطْعَام غداآن إِن وعشاآن، أَو غداء وعشاء فِي يَوْم وَاحِد.

النَّوْع الْخَامِس: فِي أَن التَّرْتِيب فِي الْكَفَّارَة وَاجِب، فَتَحْرِير رَقَبَة أَولا فَإِن لم يُوجد فَصِيَام شَهْرَيْن وَإِن لم يسْتَطع الصَّوْم فإطعام سِتِّينَ مِسْكينا، بِدَلِيل عطف بعض الْجمل على الْبَعْض بِالْفَاءِ الْمرتبَة المعقبة كَمَا سَيَأْتِي، إِن شَاءَ الله تَعَالَى، وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَابْن حبيب من الْمَالِكِيَّة، وَذهب مَالك وَأَصْحَابه إِلَى التَّخْيِير لقَوْله فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة: (صم شَهْرَيْن أَو أطْعم) ، فخيره: بِأَو، الَّتِي موضوعها التَّخْيِير، وَعَن ابْن الْقَاسِم: لَا يعرف مَالك غير الْإِطْعَام، وَذكر مقلدوه حجَجًا لذَلِك كَثِيرَة لَا تقاوم مَا دلّ عَلَيْهِ الحَدِيث من وجوب التَّرْتِيب واستحبابه، وَزعم بَعضهم أَن الْكَفَّارَة تخْتَلف باخْتلَاف الْأَوْقَات قَالَ ابْن التِّين: وَإِلَيْهِ ذهب الْمُتَأَخّرُونَ من أَصْحَابنَا، فوقت المجاعة الْإِطْعَام أولى، وَإِن كَانَ خصبا فالعتق أولى، وَأمر بعض الْمُفْتِينَ أهل الْغنى الْوَاسِع بِالصَّوْمِ لمشقته عَلَيْهِ، وَعَن أبي ليلى هُوَ مُخَيّر فِي الْعتْق وَالصِّيَام، فَإِن لم يقدر عَلَيْهِمَا أطْعم، وَإِلَيْهِ ذهب ابْن جرير، قَالَا: وَلَا سَبِيل إِلَى الْإِطْعَام إلَاّ عِنْد الْعَجز عَن الْعتْق أَو الصّيام. وَقَالَ ابْن قدامَة: الْمَشْهُور من مَذْهَب مَالك أَحْمد أَن كَفَّارَة الْوَطْء فِي رَمَضَان ككفارة الظِّهَار فِي التَّرْتِيب: الْعتْق إِن أمكن، فَإِن عجز انْتقل إِلَى الصّيام، فَإِن عجز انْتقل إِلَى الْإِطْعَام، وَهُوَ قَول جُمْهُور الْعلمَاء. وَعَن أَحْمد رِوَايَة أُخْرَى: أَنَّهَا على التَّخْيِير بَين الْعتْق وَالصِّيَام وَالْإِطْعَام، وبأيها كفر أَجزَأَهُ، وَهُوَ رِوَايَة عَن مَالك، فَإِن عجز عَن هَذِه الْأَشْيَاء سَقَطت الْكَفَّارَة عَنهُ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد، لِأَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لما رأى عجز الْأَعرَابِي عَنْهَا قَالَ: (أطْعمهُ أهلك) وَلم يَأْمُرهُ بكفارة أُخْرَى، وَهُوَ قَول الْأَوْزَاعِيّ، وَعَن الزُّهْرِيّ: لَا بُد من التَّكْفِير، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ فِي أول الْأَنْوَاع.

النَّوْع السَّادِس فِي أَن إِطْلَاق الرَّقَبَة فِي الحَدِيث يدل على جَوَاز الْمسلمَة والكافرة، وَالذكر وَالْأُنْثَى، وَالصَّغِير وَالْكَبِير، وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة وَأَصْحَابه، وَجعلُوا هَذَا كالظهار مستدلين بِمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن سَالم عَن مُجَاهِد (عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر الَّذِي أفطر فِي رَمَضَان يَوْمًا بكفارة الظِّهَار) ، وَإِطْلَاق الحَدِيث أَيْضا يَقْتَضِي جَوَاز الرَّقَبَة المعيبة، وَهُوَ مَذْهَب دَاوُد وَمَالك وَأحمد وَالشَّافِعِيّ شرطُوا الْإِيمَان فِي إِجْزَاء الرَّقَبَة، بِدَلِيل تقييدها فِي كَفَّارَة الْقَتْل، وَهِي مَسْأَلَة حمل الْمُطلق على الْمُقَيد، وَقَالَ عَطاء: إِن لم يجد رقبه أهْدى بَدَنَة، فَإِن لم يجد فبقرة، وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ: وَنَحْوه عَن الْحسن.

النَّوْع السَّابِع: فِي أَن التَّتَابُع فِي صَوْم الشَّهْرَيْنِ شَرط بِالنَّصِّ بِشَرْط أَن لَا يكون فيهمَا رَمَضَان، وَأَيَّام منهية، وَهِي: يَوْم الْفطر وَيَوْم النَّحْر وَأَيَّام التَّشْرِيق، وَهُوَ قَول كَافَّة الْعلمَاء إلَاّ ابْن أبي ليلى، فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يجب التَّتَابُع فِي الصّيام، والْحَدِيث حجَّة عَلَيْهِ.

النَّوْع الثَّامِن: اخْتلف الْفُقَهَاء فِي قَضَاء ذَلِك الْيَوْم مَعَ الْكَفَّارَة، فَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَالثَّوْري وَأَبُو ثَوْر وَأحمد وَإِسْحَاق: عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ: إِن كفر بِالْعِتْقِ وَالْإِطْعَام صَامَ يَوْمًا مَكَان ذَلِك الْيَوْم الَّذِي أفطر، وَإِن صَامَ شَهْرَيْن مُتَتَابعين دخل فيهمَا قَضَاء ذَلِك الْيَوْم، وَقَالَ قوم: لَيْسَ فِي الْكَفَّارَة صِيَام ذَلِك الْيَوْم، قَالَ أَبُو عمر: لِأَنَّهُ لم يرد فِي حَدِيث عَائِشَة وَلَا فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة فِي نقل الْحفاظ للْأَخْبَار الَّتِي لَا عِلّة فِيهَا ذكر الْقَضَاء، وَإِنَّمَا فِيهَا الْكَفَّارَة. قلت: جَاءَ فِي خبر أبي هُرَيْرَة وَغَيره: الْقَضَاء، وروى ابْن مَاجَه عَن حَرْمَلَة بن يحيى عَن عبد الله بن وهب عَن عبد الْجَبَّار بن عمر عَن يحيى بن سعيد بن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بذلك، أَي: بِالْحَدِيثِ الَّذِي فِيهِ: هَلَكت، وَقد تقدم قبله، ثمَّ قَالَ: (ويصوم يَوْمًا مَا مَكَانَهُ) .

النَّوْع التَّاسِع: أَجمعُوا على أَن من وطىء فِي رَمَضَان فِي يَوْم آخر أَن عَلَيْهِ كَفَّارَة أُخْرَى، وَأَجْمعُوا أَنه لَيْسَ على من وطىء مرَارًا فِي يَوْم وَاحِد إلَاّ كَفَّارَة وَاحِدَة، فَإِن وطىء فِي يَوْم من رَمَضَان وَلم يكفر حَتَّى وطىء فِي يَوْم آخر، فَذهب مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: أَن عَلَيْهِ لكل يَوْم كَفَّارَة، كفر أم لَا. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: عَلَيْهِ كَفَّارَة وَاحِدَة إِذا وطىء قبل أَن يكفر وَقَالَ الثَّوْريّ: أحب إِلَيّ أَن يكفر عَن كل يَوْم، وَأَرْجُو أَن يجْزِيه كَفَّارَة وَاحِدَة مَا لم يكفر.

النَّوْع الْعَاشِر: فِي حَدِيث الْبَاب دلَالَة على التَّمْلِيك الضمني من قَوْله: (تصدق بِهَذَا) ، قَالَ صَاحب الْمُفْهم: يلْزم مِنْهُ أَن يكون قد ملكه إِيَّاه ليتصدق بِهِ عَن كَفَّارَته، قَالَ: وَيكون هَذَا كَقَوْل الْقَائِل: أعتقت عَبدِي عَن فلَان، فَإِنَّهُ يتَضَمَّن سبقية الْملك عِنْد قوم، قَالَ: وأباه أَصْحَابنَا مَعَ الِاتِّفَاق على أَن الْوَلَاء للْمُعْتق فِيهِ، وَأَن الْكَفَّارَة تسْقط بذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>