للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مِنْهُ أَن يرد على الْكُوفِيّين مَعَ علمه أَن احتجاجهم قوي صَحِيح، وأعجب مِنْهُ أَنه قَالَ فِي رِوَايَة مُسلم هَذِه: وَوَجهه أَن كَانَ مَحْفُوظًا، وَقد ردينا عَلَيْهِ مَا قَالَه فِيمَا مضى عَن قريب، وَكَذَلِكَ قَوْله: وَفِيه رد على الْجَوْهَرِي، غير صَحِيح، لِأَنَّهُ لم يحصر مَا قَالَه فِي ذَلِك: غَايَة مَا فِي الْبَاب أَنه نقل أحد الْمعَانِي الَّتِي قَالُوا فِي المكتل وَسكت عَلَيْهِ. قَوْله: (فَتصدق بِهِ) وَزَاد ابْن إِسْحَاق: (فَتصدق عَن نَفسك) ، وَيُؤَيِّدهُ رِوَايَة مَنْصُور فِي الْبَاب الَّذِي يَلِيهِ بِلَفْظ: (أطْعم هَذَا عَنْك) . قَوْله: (أعَلَى أفقر منى؟) أَي: أَتصدق بِهِ على شخص أفقر منى؟ وَفِي حَدِيث ابْن عمر، أخرجه الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ فِي (الْأَوْسَط) (إِلَى من أدفعه؟ قَالَ: إِلَى أفقر من تعلم) وَفِي رِوَايَة إِبْرَاهِيم بن سعد: (أَعلَى أفقر من أَهلِي؟) وَلابْن مُسَافر: (أَعلَى أهل بَيت أفقر منى؟) وَالْأَوْزَاعِيّ: (أَعلَى غير أَهلِي؟) ولمنصور: (أَعلَى أحْوج منا؟) وَلابْن إِسْحَاق (وَهل الصَّدَقَة إلَاّ لي وَعلي؟) . قَوْله: (فوَاللَّه مَا بَين لابتيها) اللابتان، بِالْبَاء الْمُوَحدَة الْمَفْتُوحَة ثمَّ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق: عبارَة عَن حرتين تكتنفان الْمَدِينَة، وَهِي تَثْنِيَة: لابة، والحرة، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الرَّاء: الأَرْض ذَات حِجَارَة سود. قَوْله: (يُرِيد الحرتين) ، من كَلَام بعض رُوَاته، وَوَقع فِي حَدِيث ابْن عمر الْمَذْكُور: (مَا بَين حرتيها) وَفِي رِوَايَة الْأَوْزَاعِيّ الْآتِي فِي الْأَدَب: (وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ مَا بَين طنبي الْمَدِينَة) وَهُوَ تَثْنِيَة: طُنب، بِضَم الطَّاء الْمُهْملَة وَالنُّون: أحد أطناب الْخَيْمَة، واستعاره للطرف. قَوْله: (أهل بَيت أفقر من أهل بيتى) لفظ: أهل، مَرْفُوع لِأَنَّهُ اسْم: مَا، النافية. و: أفقر، مَنْصُوب لِأَنَّهُ خَبَرهَا، وَيجوز رَفعه على لُغَة تَمِيم، وَفِي رِوَايَة يُونُس: (أفقر مني وَمن أهل بَيْتِي؟) وَفِي رِوَايَة عقيل: (مَا أحد أَحَق بِهِ من أَهلِي، مَا أحد أحْوج إِلَيْهِ مني) وَفِي مُرْسل سعيد من رِوَايَة دَاوُد عَنهُ: (وَالله مَا لِعِيَالِي من طَعَام) . وَفِي حَدِيث عِنْد ابْن خُزَيْمَة: (مَا لنا عشَاء لَيْلَة) . قَوْله: (فَضَحِك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى بَدَت أنيابه) ، وَفِي رِوَايَة إِبْنِ إِسْحَاق: (حَتَّى بَدَت نواجده) ، وَلأبي قُرَّة فِي (السّنَن) عَن ابْن جريج: (حَتَّى بَدَت ثناياه) ، قيل: لَعَلَّهَا تَصْحِيف من أنيابه، فَإِن الثنايا تتبين بالتبسم غَالِبا، وَظَاهر السِّيَاق إِرَادَة الزِّيَادَة على التبسم، وَيحمل مَا ورد فِي صفته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن ضحكه كَانَ تبسما غَالب أَحْوَاله، وَقيل: كَانَ لَا يضْحك إلَاّ فِي أَمر يتَعَلَّق بِالآخِرَة، فَإِن كَانَ فِي أَمر الدُّنْيَا لم يزدْ على التبسم. وَقيل: إِن سَبَب ضحكه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ من تبَاين حَال الرجل، حَيْثُ جَاءَ خَائفًا على نَفسه رَاغِبًا فِي فداها مهما أمكنه، فَلَمَّا وجد الرُّخْصَة طمع أَن يَأْكُل مَا أعْطِيه فِي الْكَفَّارَة. وَقيل: ضحك من حَال الرجل فِي مقاطع كَلَامه وَحسن تَأتيه وتلطفه فِي الْخطاب وَحسن توسله فِي توصله إِلَى مَقْصُوده. قَوْله: (ثمَّ قَالَ: أطْعمهُ أهلك) وَفِي رِوَايَة لِابْنِ عُيَيْنَة فِي الْكَفَّارَات: (أطْعمهُ عِيَالك) . وَفِي رِوَايَة إِبْرَاهِيم بن سعد: (فَأنْتم إِذا) ، وَقدم ذَلِك على ذكر الضحك، وَفِي رِوَايَة أبي قُرَّة عَن ابْن جريج: (ثمَّ قَالَ: كُله) ، وَفِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق: (خُذْهَا وَكلهَا وأنفقها على عِيَالك) .

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: قد ذكرنَا فِي الْبَاب الَّذِي قبله مَا يتَعَلَّق بِهِ وَبِغَيْرِهِ من الْأَحْكَام، فلنذكر هُنَا مَا لم نذمر هُنَاكَ. فَفِيهِ: أَن من جَاءَ مستفتيا فِيمَا فِيهِ الِاجْتِهَاد دون الْحُدُود المحدودة أَنه لَا يلْزمه تَعْزِير وَلَا عُقُوبَة كَمَا لم يُعَاقب النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، الْأَعرَابِي على هتك حُرْمَة الشَّهْر، قَالَه عِيَاض: قَالَ: لِأَن فِي مَجِيئه واستفتائه ظُهُور تَوْبَته وإقلاعه، قَالَ: وَلِأَنَّهُ لَو عُوقِبَ كل من جَاءَ بجيئه لم يستفت أحد غَالِبا عَن نازلة مَخَافَة الْعقُوبَة، بِخِلَاف مَا فِيهِ حد مَحْدُود، وَقد بوب عَلَيْهِ البُخَارِيّ فِي كتاب الْمُحَاربين: بَاب من أصَاب ذَنبا دون الْحَد، فَأخْبر الإِمَام فَلَا عُقُوبَة عَلَيْهِ، بعد أَن جَاءَ مستفتيا. وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: مستعتبا، ثمَّ قَالَ البُخَارِيّ: وَقَالَ ابْن جريج: وَلم يُعَاقب الَّذِي جَامع فِي رَمَضَان. فَإِن قلت: وَقع فِي (شرح السّنة) لِلْبَغوِيِّ: أَن من جَامع مُتَعَمدا فِي رَمَضَان فسد صَوْمه. وَعَلِيهِ الْقَضَاء وَالْكَفَّارَة، وَيُعَزر على سوء صَنِيعه. قلت: هُوَ مَحْمُول على من لم يَقع مِنْهُ مَا وَقع من صَاحب هَذِه الْقِصَّة من النَّدَم وَالتَّوْبَة.

وَفِيه: أَن الْكَفَّارَة مرتبَة ككفارة الظِّهَار، وَهُوَ قَول أَكثر الْعلمَاء إلَاّ أَن مَالك بن أنس زعم أَنه مُخَيّر بَين عتق الرَّقَبَة وَصَوْم شَهْرَيْن وَالْإِطْعَام، وَحكي عَنهُ أَنه قَالَ: الْإِطْعَام أحب إِلَيّ من الْعتْق، وَوَقع فِي (الْمُدَوَّنَة) : وَلَا يعرف مَالك غير الْإِطْعَام وَلَا يَأْخُذ بِعِتْق وَلَا صِيَام. وَقَالَ ابْن دَقِيق الْعِيد: وَهِي معضلة لَا يَهْتَدِي إِلَى توجيهها مَعَ مصادمة الحَدِيث الثَّابِت، غير أَن بعض الْمُحَقِّقين من أَصْحَابه حل هَذَا اللَّفْظ وتأوله على الِاسْتِحْبَاب فِي تَقْدِيم الطَّعَام على غَيره من الْخِصَال، وَذكر أَصْحَابه فِي هَذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>