لكل يَوْم مد من طَعَام. وَقَالَ الْبُوَيْطِيّ: هِيَ مُسْتَحبَّة، وَلَو أحدث الله تَعَالَى للشَّيْخ الفاني قُوَّة حَتَّى قدر على الصَّوْم بعد الْفِدْيَة يبطل حكم الْفِدْيَة، وَفِي كتب أَصْحَابنَا: فَإِن أخر الْقَضَاء حَتَّى دخل رَمَضَان آخر صَامَ الثَّانِي لِأَنَّهُ فِي وقته، وَقضى الأول بعده لِأَنَّهُ وَقت الْقَضَاء وَلَا فديَة عَلَيْهِ، وَقَالَ سعيد بن جُبَير وَقَتَادَة يطعم وَلَا يقْضِي.
وَقَضَاء رَمَضَان إِن شَاءَ فرقه وَإِن شَاءَ تَابعه، وَإِلَيْهِ ذهب الشَّافِعِي وَمَالك. وَفِي (شرح الْمُهَذّب) : فَلَو قَضَاهُ غير مُرَتّب أَو مفرقا جَازَ عندنَا، وَعند الْجُمْهُور، لِأَن اسْم الصَّوْم يَقع على الْجَمِيع، وَفِي (تَفْسِير ابْن أبي حَاتِم) : وروى عَن أبي عُبَيْدَة بن الْجراح ومعاذ بن جبل وَأبي هُرَيْرَة وَرَافِع بن خديج وَأنس بن مَالك وَعَمْرو بن الْعَاصِ وَعبيدَة السَّلمَانِي وَالقَاسِم وَعبيد بن عُمَيْر وَسَعِيد بن الْمسيب وَأبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن وَأبي جَعْفَر مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحُسَيْن وَسَالم وَعَطَاء وَأبي ميسرَة وطاووس وَمُجاهد وَعبد الرَّحْمَن بن الْأسود وَسَعِيد بن جُبَير وَالْحسن وَأبي قلَابَة وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَالْحَاكِم وَعِكْرِمَة وَعَطَاء بن يسَار وَأبي الزِّنَاد وَزيد بن أسلم وَقَتَادَة وَرَبِيعَة وَمَكْحُول وَالثَّوْري وَمَالك وَالْأَوْزَاعِيّ وَالْحسن بن صَالح وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق أَنهم قَالُوا: يقْضِي مفرقا، وَرُوِيَ عَن عَليّ وَابْن عمر وَعُرْوَة وَالشعْبِيّ وَنَافِع بن جُبَير بن مطعم وَمُحَمّد بن سِيرِين: أَنه يقْضِي مُتَتَابِعًا وَإِلَى هَذَا ذهب أهل الظَّاهِر. وَقَالَ ابْن حزم: الْمُتَابَعَة فِي قَضَاء رَمَضَان وَاجِبَة لقَوْله تَعَالَى: {وسارعوا إِلَى مغْفرَة من ربكُم} فَإِن لم يفعل يَقْضِيهَا مُتَفَرِّقَة لقَوْله تَعَالَى {فَعدَّة من أَيَّام أخر}(آل عمرَان: ٣٣١) . وَلم يجد لذَلِك وقتا يبطل الْقَضَاء بِخُرُوجِهِ. وَفِي (الاستذكار) عَن مَالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر أَنه كَانَ يَقُول: يَصُوم قَضَاء رَمَضَان مُتَتَابِعًا من أفطره من مرض أَو سفر، وَعَن ابْن شهَاب أَن ابْن عَبَّاس وَأَبا هُرَيْرَة اخْتلفَا. فَقَالَ أَحدهمَا: يفرق، وَقَالَ الآخر: لَا يفرق. وَعَن يحيى بن سعيد سمع ابْن الْمسيب يَقُول: أحب أَن لَا يفرق قَضَاء رَمَضَان، وَإِن تَوَاتر. قَالَ أَبُو عمر: صَحَّ عندنَا عَن ابْن عَبَّاس وَأبي هُرَيْرَة أَنَّهُمَا أجازا أَن يفرقا قَضَاء رَمَضَان، وَصحح الدَّارَقُطْنِيّ إِسْنَاد حَدِيث عَائِشَة، نزلت:{فَعدَّة من أَيَّام أخر}(الْبَقَرَة: ٥٨١) . مُتَتَابِعَات، فَسَقَطت مُتَتَابِعَات، وَقَالَ ابْن قدامَة: لم تثبت عندنَا صِحَّته، وَلَو صَحَّ حملناه على الِاسْتِحْبَاب، والأفضلية. وَقيل: وَلَو ثبتَتْ كَانَت مَنْسُوخَة لفظا وَحكما، وَلِهَذَا لم يقْرَأ بهَا أحد من قراء الشواذ. قلت: وَفِي الْمَنَافِع قَرَأَ بهَا أبي وَلم يشْتَهر. فَكَانَت كَخَبَر وَاحِد غير مَشْهُور، فَلَا يجوز الزِّيَادَة على الْكتاب بِمثلِهِ، بِخِلَاف قِرَاءَة ابْن مَسْعُود فِي كَفَّارَة الْيَمين فَإِنَّهَا قِرَاءَة مَشْهُورَة غير متواترة.
وَقَالَ عِيَاض: اخْتلف السّلف فِي قَوْله تَعَالَى: {وعَلى الَّذين يطيقُونَهُ}(الْبَقَرَة: ٤٨١) . هَل هِيَ محكمَة أَو مَخْصُوصَة أَو مَنْسُوخَة؟ كلهَا أَو بَعْضهَا؟ فَقَالَ الْجُمْهُور: إِنَّهَا مَنْسُوخَة، ثمَّ اخلفوا: هَل بَقِي مِنْهَا مَا لم ينْسَخ؟ فَروِيَ عَن ابْن عمر وَالْجُمْهُور: أَن حكم الْإِطْعَام باقٍ على من لم يطق الصَّوْم لكبره، وَقَالَ جمَاعَة من السّلف وَمَالك وَأَبُو ثَوْر وَدَاوُد: جَمِيع الْإِطْعَام مَنْسُوخ، وَلَيْسَ على الْكَبِير إِذا لم يطق الصَّوْم إطْعَام، واستحبه لَهُ مَالك، وَقَالَ قَتَادَة: كَانَت الرُّخْصَة لمن يقدر على الصَّوْم ثمَّ نسخ فِيهِ، وَبَقِي فِيمَن لَا يُطيق. وَقَالَ ابْن عَبَّاس وَغَيره: نزلت فِي الْكَبِير وَالْمَرِيض اللَّذين لَا يقدران على الصَّوْم، فَهِيَ عِنْده محكمَة، لَكِن الْمَرِيض يقْضِي إِذا برأَ، وَأكْثر الْعلمَاء على أَنه لَا إطْعَام على الْمَرِيض. وَقَالَ زيد بن أسلم وَالزهْرِيّ وَمَالك: هِيَ محكمَة، وَنزلت فِي الْمَرِيض يفْطر ثمَّ يبرأ فَلَا يقْضِي حَتَّى يدْخل رَمَضَان آخر، فَيلْزمهُ صَوْمه، ثمَّ يقْضِي بَعْدَمَا أفطر وَيطْعم عَن كل يَوْم مدا من حِنْطَة، فَأَما من اتَّصل مَرضه برمضان آخر فَلَيْسَ عَلَيْهِ إطْعَام، بل عَلَيْهِ الْقَضَاء فَقَط. وَقَالَ الْحسن وَغَيره: الضَّمِير فِي: يطوقونه، عَائِد على الْإِطْعَام لَا على الصَّوْم، ثمَّ نسخ ذَلِك فَهِيَ عِنْده عَامَّة.