للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قَول ابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس، وَهَذَا جرْأَة مِنْهُ، وَمَعَ هَذَا ماخذ ابْن مَسْعُود كَمَا ثَبت فِي (صَحِيح مُسلم) عَن أبي بن كَعْب أَنه أَرَادَ أَن لَا يتكل النَّاس، وَقَالَ الإِمَام نجم الدّين أَبُو حَفْص عمر النَّسَفِيّ فِي منظومته:

(وَلَيْلَة الْقدر بِكُل الشَّهْر ... دَائِرَة وعيناها فأدر)

وَذهب ابْن الزبير إِلَى لَيْلَة سبع عشرَة، وَأَبُو سعيد الْخُدْرِيّ إِلَى أَنَّهَا لَيْلَة إِحْدَى وَعشْرين، وَإِلَيْهِ ذهب الشَّافِعِي، وَعَن عبد الله بن أنيس: لَيْلَة ثَلَاث وَعشْرين، وَعَن ابْن عَبَّاس وَغَيره من جمَاعَة من الصَّحَابَة: لَيْلَة سبع وَعشْرين، وَعَن بِلَال: لَيْلَة أَربع وَعشْرين، وَعَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: لَيْلَة تسع عشرَة. وَقيل: هِيَ فِي الْعشْر الْأَوْسَط وَالْعشر الْأَخير. وَقيل: فِي أشفاع الْعشْر الْأَوَاخِر. وَقيل: فِي النّصْف من شعْبَان.

وَقَالَ الشِّيعَة: إِنَّهَا رفعت، وَكَذَا حكى الْمُتَوَلِي فِي (التَّتِمَّة) عَن الروافض، وَكَذَا حكى الْفَاكِهَانِيّ فِي (شرح الْعُمْدَة) عَن الْحَنَفِيَّة. قلت: هَذَا النَّقْل عَن الْحَنَفِيَّة غير صَحِيح، وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (التمسوها فِي كَذَا وَكَذَا) يرد عَلَيْهِم، وَقد روى عبد الرَّزَّاق من طَرِيق دَاوُد بن أبي عَاصِم عَن عبد الله بن خُنَيْس: قلت لأبي هُرَيْرَة: زَعَمُوا أَن لَيْلَة الْقدر رفعت؟ قَالَ: كذب من قَالَ ذَلِك، وَقَالَ ابْن حزم: فَإِن كَانَ الشَّهْر تسعا وَعشْرين، فَهِيَ فِي أول الْعشْر الْأَخير بِلَا شكّ، فَهِيَ إِمَّا فِي لَيْلَة عشْرين أَو لَيْلَة إثنين وَعشْرين أَو لَيْلَة أَربع وَعشْرين، أول لَيْلَة سِتّ وَعشْرين، أَو لَيْلَة ثَمَان وَعشْرين. وَإِن كَانَ الشَّهْر ثَلَاثِينَ فَأول الْعشْر الْأَوَاخِر بِلَا شكّ، إِمَّا لَيْلَة إِحْدَى وَعشْرين، أَو لَيْلَة ثَلَاث وَعشْرين، أَو لَيْلَة خمس أَو لَيْلَة سبع أَو لَيْلَة تسع وَعشْرين فِي وترها. وَعَن ابْن مَسْعُود: أَنَّهَا لَيْلَة سبع عشرَة من رَمَضَان، لَيْلَة بدر، وَحَكَاهُ ابْن أبي عَاصِم أَيْضا عَن زيد بن أَرقم.

وَقيل: إِن لَيْلَة الْقدر خَاصَّة بِسنة وَاحِدَة، وَقعت فِي زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَحَكَاهُ الفاكهي. وَقيل: خَاصَّة بِهَذِهِ الْأمة، وَلم تكن فِي الْأُمَم قبلهم، جزم بِهِ ابْن حبيب وَغَيره من الْمَالِكِيَّة، وَنَقله عَن الْجُمْهُور صَاحب (الْعدة) من الشَّافِعِيَّة وَرجحه، وَيرد عَلَيْهِم مَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ من حَدِيث أبي ذَر حَيْثُ قَالَ فِيهِ: (قلت: يَا رَسُول الله! أتكون مَعَ الْأَنْبِيَاء فَإِذا مَاتُوا رفعت؟ قَالَ: بل هِيَ بَاقِيَة) . فَإِن قلت: روى مَالك فِي (الْمُوَطَّأ) : بَلغنِي أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تقاصر أَعمار أمته عَن أَعمار الْأُمَم الْمَاضِيَة. فَأعْطَاهُ الله تَعَالَى لَيْلَة الْقدر. قلت: هَذَا مُحْتَمل للتأويل، فَلَا يدْفع الصَّرِيح فِي حَدِيث أبي ذَر، وَذكر بَعضهم فِيهَا خَمْسَة وَأَرْبَعين قولا، وأكثرها يتداخل، وَفِي الْحَقِيقَة يقرب من خَمْسَة وَعشْرين. فَإِن قلت: مَا وَجه هَذِه الْأَقْوَال؟ قلت: مَفْهُوم الْعدَد لَا اعْتِبَار لَهُ، فَلَا مُنَافَاة. وَعَن الشَّافِعِي: وَالَّذِي عِنْدِي أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُجيب على نَحْو مَا يسْأَل عَنهُ، يُقَال لَهُ: نلتمسها فِي لَيْلَة كَذَا؟ فَيَقُول: التمسوها فِي لَيْلَة كَذَا. وَقيل: إِن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لم يحدث بميقاتها جزما، فَذهب كل وَاحِد من الصَّحَابَة بِمَا سَمعه، والذاهبون إِلَى سبع وَعشْرين هم الْأَكْثَرُونَ.

١٢٢ - (حَدثنَا معَاذ بن فضَالة قَالَ حَدثنَا هِشَام عَن يحيى عَن أبي سَلمَة قَالَ سَأَلت أَبَا سعيد وَكَانَ لي صديقا فَقَالَ اعتكفنا مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْعشْر الْأَوْسَط من رَمَضَان فَخرج صَبِيحَة عشْرين فَخَطَبنَا وَقَالَ إِنِّي أريت لَيْلَة الْقدر ثمَّ أنسيتها أَو نسيتهَا فالتمسوها فِي الْعشْر الْأَوَاخِر فِي الْوتر وَإِنِّي رَأَيْت أَنِّي أَسجد فِي مَاء وطين فَمن كَانَ اعْتكف مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَليرْجع فرجعنا وَمَا نرى فِي السَّمَاء قزعة فَجَاءَت سَحَابَة فمطرت حَتَّى سَالَ سقف الْمَسْجِد وَكَانَ من جريد النّخل وأقيمت الصَّلَاة فَرَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يسْجد فِي المَاء والطين حَتَّى رَأَيْت أثر الطين فِي جَبهته) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله " فالتمسوها فِي الْعشْر الْأَوَاخِر " وَهَذَا الحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ فِي مَوَاضِع مُتعَدِّدَة مِنْهَا فِي كتاب الصَّلَاة فِي بَاب السُّجُود على الْأنف فِي الطين فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُوسَى عَن همام بن يحيى عَن أبي سَلمَة وَهنا أخرجه عَن معَاذ بن فضَالة بِفَتْح الْفَاء وَتَخْفِيف الضَّاد الْمُعْجَمَة عَن هِشَام الدستوَائي عَن يحيى بن أبي كثير عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن

<<  <  ج: ص:  >  >>