وَالنُّذُور. وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : وَلَا أَدْرِي لما فعل ذَلِك، وَكَذَلِكَ قدم الصَّوْم على الْحَج أَيْضا قلت: لَعَلَّه نظر إِلَى أَن الْجِهَاد أَيْضا من الْعِبَادَات، لِأَن الْمَقْصُود مِنْهَا التَّحْصِيل الأخروي، لِأَن جلّ الْمَقْصُود ذَلِك لِأَن فِيهِ إعلاء كلمة الله تَعَالَى وَإِظْهَار الدّين وَنشر الْإِسْلَام.
وَبَعض أَصْحَابنَا قدم النِّكَاح على الْبيُوع فِي مصنفاتهم نظرا إِلَى أَنه مُشْتَمل على الْمصَالح الدِّينِيَّة والدنيوية، ألَا ترى أَنه أفضل من التخلي للنوافل؟ وَبَعْضهمْ قدم الْبيُوع على النِّكَاح نظرا إِلَى أَن احْتِيَاج النَّاس إِلَى البيع أَكثر من احتياجهم إِلَى النِّكَاح، فَكَانَ أهم بالتقديم. قلت: لما كَانَ مدَار أُمُور الدّين بِخَمْسَة أَشْيَاء، وَهِي: الاعتقادات، والعبادات، والمعاملات والزواجر، والآداب. فالاعتقادات محلهَا علم الْكَلَام، والعبادات قد بَينهَا، شرع فِي بَيَان الْمُعَامَلَات، وَقدم مِنْهَا الْبيُوع نظرا إِلَى كَثْرَة الِاحْتِيَاج إِلَيْهِ، كَمَا ذَكرْنَاهُ الْآن.
ثمَّ إِنَّه ذكر لفظ الْكتاب لِأَنَّهُ مُشْتَمل على الْأَبْوَاب، وَهِي كَثِيرَة فِي أَنْوَاع الْبيُوع، وَجمع البيع لاخْتِلَاف أَنْوَاعه، وَهِي الْمُطلق: إِن كَانَ بيع الْعين بِالثّمن، والمقايضة: إِن كَانَ عينا بِعَين، وَالسّلم: إِن كَانَ بيع الدّين بِالْعينِ، وَالصرْف: إِن كَانَ بيع الثّمن بِالثّمن، والمرابحة: إِن كَانَ بِالثّمن مَعَ زِيَادَة، وَالتَّوْلِيَة: إِن لم يكن مَعَ زِيَادَة، والوضيعة: إِن كَانَ بِالنُّقْصَانِ، وَاللَّازِم: إِن كَانَ تَاما، وَغير اللَّازِم: إِن كَانَ بِالْخِيَارِ، وَالصَّحِيح، وَالْبَاطِل، وَالْفَاسِد، وَالْمَكْرُوه.
وقَوْلِ الله عَزَّ وَجَلَّ {وأحَلَّ الله البَيْعَ وحَرَّمَ الرِّبَا}(الْبَقَرَة: ٧٥٢) . {إلَاّ أنْ تَكُونَ تِجَارَةً حاضِرَةً تديرُونَهَا بَيْنَكُمْ}(الْبَقَرَة: ٢٨٢) .
وَقَول الله، بِالرَّفْع عطفا على الْمُضَاف فِي كتاب الْبيُوع، وَقيل: لَيْسَ فِيهِ وَاو الْعَطف، وَإِنَّمَا أصل النُّسْخَة هَكَذَا: كتاب الْبيُوع: قَالَ الله تَعَالَى {وَأحل الله البيع وَحرم الربوا}(الْبَقَرَة: ٧٥٢) . وَقد ذمّ الله تَعَالَى عز وَجل أَكلَة الربوا، بقوله:{الَّذين يَأْكُلُون الربوا}(الْبَقَرَة: ٥٧٢) . أول الْآيَة، وَكَانُوا اعْترضُوا على أَحْكَام الله تَعَالَى فِي شَرعه، فَقَالُوا: إِنَّمَا البيع مثل الربوا، فَرد الله عَلَيْهِم بقوله:{وَأحل الله البيع وَحرم الربوا}(الْبَقَرَة: ٧٥٢) . وَقَالَ ابْن كثير قَوْله:{وَأحل الله البيع وَحرم الربوا}(الْبَقَرَة: ٧٥٢) . يحْتَمل أَن يكون من تَمام كَلَامهم اعتراضا على الشَّرْع (أَي مثل هَذَا وَقد أحل هَذَا وَحرم هَذَا) وَيحْتَمل أَن يكون من كَلَام الله تَعَالَى ردا عَلَيْهِم. وَقَالَ