للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إلَاّ رَهْط مِنْهُم أَبُو بكر وَعمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، قيل: ثَمَانِيَة، وَقيل: أحد عشر، وَقيل: اثْنَي عشر، وَقيل: أَرْبَعُونَ، فَقَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ، لَو تَتَابَعْتُمْ حَتَّى لم يبقَ مِنْكُم أحد لَسَالَ بكم الْوَادي نَارا، وَكَانُوا إِذا أَقبلت العير استقبلوها بالطبل والتصفيق. فَهُوَ المُرَاد باللهو. وَعَن قَتَادَة: فعلوا ذَلِك ثَلَاث مَرَّات فِي كل مقدم عير. قَوْله: {انْفَضُّوا} (الْجُمُعَة: ٠١، ١١) . أَي: تفَرقُوا. قَوْله: {إِلَيْهَا} (الْجُمُعَة: ٠١، ١١) . أَي: إِلَى التِّجَارَة. فَإِن قلت: الْمَذْكُور شَيْئَانِ: التِّجَارَة وَاللَّهْو، وَكَانَ الْقيَاس أَن يُقَال: إِلَيْهِمَا؟ قلت: تَقْدِيره: وَإِذا رَأَوْا تِجَارَة انْفَضُّوا إِلَيْهَا أَو لهوا انْفَضُّوا إِلَيْهِ، فحذفت إِحْدَاهمَا لدلَالَة الْمَذْكُور عَلَيْهِ. قَوْله: {وَتَرَكُوك} (الْجُمُعَة: ٠١، ١١) . الْخطاب للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. {قَائِما} (الْجُمُعَة: ٠١، ١١) . أَي: على الْمِنْبَر، قل يَا مُحَمَّد: {مَا عِنْد الله خير من اللَّهْو} (الْجُمُعَة: ٠١، ١١) . الَّذِي لَا نفع فِيهِ، بل هُوَ خير من التِّجَارَة الَّتِي فِيهَا نفع فِي الْجُمْلَة. قدم اللَّهْو على التِّجَارَة فِي الآخر، وَالتِّجَارَة على اللَّهْو فِي الأول فَإِن الْمقَام يَقْتَضِي هَكَذَا. قَوْله: {وَالله خير الرازقين} (الْجُمُعَة: ٠١، ١١) . لِأَنَّهُ موجد الأرزاق، فإياه فاسألوا، وَمِنْه فَاطْلُبُوا. وَقيل: لم يكن يفوتكم الرزق لَو أقمتم، لِأَن الله خير الرازقين. قَوْله: {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالكُم بَيْنكُم بِالْبَاطِلِ} (الْجُمُعَة: ٠١، ١١) . أَي: بِغَيْر حق، وَقَامَ الْإِجْمَاع على أَن التَّصَرُّف فِي المَال بالحرام بَاطِل حرَام، سَوَاء كَانَ أكلا أَو بيعا أَو هبة، وَغير ذَلِك، وَالْبَاطِل اسْم جَامع لكل مَا لَا يحل فِي الشَّرْع: كالربا وَالْغَصْب وَالسَّرِقَة والخيانة، وكل محرم ورد الشَّرْع بِهِ. قَوْله: {إلَاّ أَن تكون تِجَارَة} (الْجُمُعَة: ٠١، ١١) . فِيهِ قراءتان: الرّفْع على أَن تكون تَامَّة، وَالنّصب على تَقْدِير إلَاّ أَن تكون الْأَمْوَال أَمْوَال تحارة، فَحذف الْمُضَاف، وَقيل: الأجود الرّفْع لِأَنَّهُ أدل على انْقِطَاع الِاسْتِثْنَاء، وَلِأَنَّهُ يحْتَاج إِلَى إِضْمَار. قَوْله: {عَن ترَاض مِنْكُم} (الْجُمُعَة: ٠١، ١١) . أَي: يرضى كل وَاحِد مِنْكُم بِمَا فِي يَده، وَقَالَ أَكثر الْمُفَسّرين: هُوَ أَن يُخَيّر كل وَاحِد من البائعين صَاحبه بعد العقد عَن ترَاض، وَالْخيَار بعد الصَّفْقَة، وَلَا يحل لمُسلم أَن يغش مُسلما.

ثمَّ إِن الْآيَات الَّتِي ذكرهَا البُخَارِيّ ظَاهِرَة فِي إِبَاحَة التِّجَارَة إلَاّ قَوْله: {وَإِذا رَأَوْا تِجَارَة} (الْجُمُعَة: ٠١، ١١) . فَإِنَّهَا عتب عَلَيْهَا، وَهِي أَدخل فِي النَّهْي مِنْهَا فِي الْإِبَاحَة لَهَا، لَكِن مَفْهُوم النَّهْي عَن تَركه قَائِما اهتماما بهَا يشْعر بِأَنَّهَا لَو خلت من الْعَارِض الرَّاجِح لم يدْخل فِي العتب، بل كَانَت حِينَئِذٍ مُبَاحَة. وَقد أَبَاحَ الله تَعَالَى التِّجَارَة فِي كِتَابه، وَأمر بالابتغاء من فَضله، وَكَانَ أفاضل الصَّحَابَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، كَانُوا يتجرون ويحترفون فِي طلب المعاش، وَقد نهى الْعلمَاء والحكماء عَن أَن يكون الرجل لَا حِرْفَة لَهُ وَلَا صناعَة، خشيَة أَن يحْتَاج إِلَى النَّاس فيذل لَهُم. وَقد رُوِيَ عَن لُقْمَان، عَلَيْهِ السَّلَام، أَنه قَالَ لِابْنِهِ: يَا بني خُذ من الدُّنْيَا بلاغك، وَأنْفق من كسبك لآخرتك، وَلَا ترفض الدُّنْيَا كل الرَّفْض فَتكون عيالاً، وعَلى أَعْنَاق الرِّجَال كلالاً.

٧٤٠٢ - حدَّثنا أَبُو اليَمَانِ قَالَ حدَّثنا شُعَيْبٌ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أخبرنِي سَعيدُ بنُ المُسَيَّبِ وأبُو سَلَمَة بنُ عَبْدِ الرَّحْمانِ أنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ إنَّكُمْ تَقُولُونَ إنَّ أبَا هُرَيْرَةَ يُكْثِرُ الحَدِيثَ عنْ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وتقُولُونَ مَا بالُ المهاجِرينَ والأنْصَارِ لَا يُحَدِّثُونَ عنْ رَسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمِثْلِ حَديثِ أبِي هُرَيْرَةَ وإنَّ إخْوَانِي مِنَ المُهَاجِرِينَ كانَ يَشْغَلُهُمْ صَفْقٌ بالأسْوَاقِ وكُنْتُ ألْزَمُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم علَى مِلءِ بَطْنِي فأشْهَدُ إذَا غَابُوا وأحْفَظُ إذَا نَسُوا وكانَ يَشْغَلُ إخْوَانِي مِنَ الأنْصَارِ عَمَلُ أمْوَالِهِمْ وكُنْتُ امْرَءا مِسْكِينا مِنْ مَساكِين الصُّفَّةِ أعِي حِينَ يَنْسَونَ وقَدْ قالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَدِيثٍ يُحَدِّثُهُ إنَّهُ لَنْ يَبْسُطَ أحَدٌ ثَوْبَهُ حَتَّى أقْضِي مَقَالَتِي هَذِهِ ثُمَّ يَجْمَعُ إلَيْهِ ثَوْبَهُ إلَاّ وَعَى مَا أقُولُ فَبَسَطْتُ ثَمِرَةً عَلَيَّ حَتَّى إذَا قَضَى رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مقَالَتَهُ جَمَعْتُهَا إلَى صَدْرِي فَمَا نَسِيتُ مِنْ مَقَالَةِ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تِلْكَ مِنْ شَيءٍ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (صفق بالأسواق) ، وَهُوَ التِّجَارَة، والترجمة مُشْتَمِلَة على التِّجَارَة بنوعيها: أَحدهمَا: التِّجَارَة الْحَاصِلَة بِالتَّرَاضِي وَهِي حَلَال. وَالْآخر: التِّجَارَة الْحَاصِلَة بِغَيْر التَّرَاضِي، وَهِي حرَام دلّ عَلَيْهِ قَوْله عز وَجل: {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالكُم بَيْنكُم بِالْبَاطِلِ} (الْبَقَرَة: ٨٨١) . الْآيَة.

وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع الْحِمصِي، وَشُعَيْب بن أبي حَمْزَة الْحِمصِي، وَالزهْرِيّ هُوَ

<<  <  ج: ص:  >  >>