ضبط هَذَا بِالْوَجْهَيْنِ، وَلَكِن الَّذِي ذكره الْكرْمَانِي هُوَ الأصوب لِأَنَّهُ ادّعى اتِّفَاق أهل بَلَده على الْكسر، وَمَعَ هَذَا لَيْسَ هَذَا مَحل المناقشة، وَلَا يبْنى على الْكسر وَلَا على الْفَتْح حكم.
ذكر من أخرجه غَيره: أخرجه مُسلم فِي الْأَدَب عَن حَرْمَلَة بن يحيى. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الزَّكَاة عَن أَحْمد بن صَالح وَيَعْقُوب بن كَعْب الْأَنْطَاكِي. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي التَّفْسِير عَن أَحْمد بن يحيى بن الْوَزير.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (من سره) أَي: من أفرحه. قَوْله:(أَن يبسط) كلمة: أَن، مَصْدَرِيَّة فِي مَحل الرّفْع لِأَنَّهُ فَاعل: سره، يبسط، على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله:(أَو ينسأ) ، بِضَم الْيَاء وَسُكُون النُّون بعْدهَا سين مُهْملَة ثمَّ همزَة، أَي: يُؤَخر لَهُ، وَهُوَ من الإنساء وَهُوَ التَّأْخِير. قَوْله:(فِي أَثَره) أَي: فِي بَقِيَّة أثر عمره. قَالَ زُهَيْر:
وَاخْتلفُوا فِي الرَّحِم، فَقيل: كل ذِي رحم محرم. وَقيل: وَارِث. وَقيل: هُوَ الْقَرِيب، سَوَاء كَانَ محرما أَو غَيره، وَوصل الرَّحِم تشريك ذَوي الْقُرْبَى فِي الْخيرَات، وَهُوَ قد يكون بِالْمَالِ وبالخدمة وبالزيارة وَنَحْوهَا. وَقَالَ عِيَاض: لَا خلاف أَن صلَة الرَّحِم وَاجِبَة فِي الْجُمْلَة، وقطيعتها مَعْصِيّة كَبِيرَة، وَالْأَحَادِيث تشهد لهَذَا، وَلَكِن للصلة دَرَجَات بَعْضهَا أرفع من بعض، وَأَدْنَاهَا ترك المهاجرة وصلتها بالْكلَام وَلَو بِالسَّلَامِ، وَيخْتَلف ذَلِك باخْتلَاف الْقُدْرَة وَالْحَاجة، فَمِنْهَا وَاجِب، وَمِنْهَا مُسْتَحبّ. وَلَو وصل بعض الصِّلَة وَلم يصل غايتها لَا يُسمى قَاطعا، وَلَو قصر عَمَّا يقدر عَلَيْهِ وَيَنْبَغِي لَهُ أَن يسم واصلاً.
وَفِي كتاب (التَّرْغِيب والترهيب) لِلْحَافِظِ أبي مُوسَى الْمَدِينِيّ: روى من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن سَمُرَة: أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: إِنِّي رَأَيْت البارحة عجبا، رَأَيْت رجلا من أمتِي أَتَاهُ ملك الْمَوْت، عَلَيْهِ السَّلَام، ليقْبض روحه فَجَاءَهُ بر وَالِده فَرد ملك الْمَوْت عَنهُ) . الحَدِيث، وَقَالَ: هُوَ حسن جدا. وروى من حَدِيث دَاوُد ابْن المحبر عَن عباد عَن سهل عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة وَأبي سعيد: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (ابْن آدم {اتقِ رَبك، وبر والديك، وصل رَحِمك يمد لَك فِي عمرك وييسر لَك يَسُرك، ويجنب عسرك وييسر لَك فِي رزقك) . وَمن حَدِيث دَاوُد بن عدي بن عَليّ عَن أَبِيه عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:(إِن صلَة الرَّحِم تزيد فِي الْعُمر) . وَمن حَدِيث عبد الله بن الْجَعْد عَن ثَوْبَان قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:(لَا يزِيد فِي الْعُمر إلَاّ بر الْوَالِدين، وَلَا يزِيد فِي الرزق إلَاّ صلَة الرَّحِم) . وَمن حَدِيث إِبْرَاهِيم السَّامِي عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحُسَيْن، أَخْبرنِي أبي عَن جدي (عَن عَليّ أَنه سَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن قَوْله: {يمحو الله مَا يَشَاء وَيثبت} (الرَّعْد: ٩٣) . فَقَالَ: هِيَ الصَّدَقَة على وَجههَا وبر الْوَالِدين واصطناع الْمَعْرُوف وصلَة الرَّحِم تحول الشَّقَاء سَعَادَة، وتزيد فِي الْعُمر وتقي مصَارِع السوء. (زَاد مُحَمَّد بن إِسْحَاق الْعُكَّاشِي عَن الْأَوْزَاعِيّ: (يَا عَليّ} من كَانَت فِيهِ خصْلَة وَاحِدَة من هَذِه الْأَشْيَاء أعطَاهُ الله تَعَالَى ثَلَاث خِصَال) ، وروى عَن عمر وَابْن عَبَّاس وَابْن عمر وَجَابِر بن عبد الله نَحوه. وَمن حَدِيث عِكْرِمَة بن إِبْرَاهِيم عَن زَائِدَة بن أبي الرقاد عَن مُوسَى بن الصَّباح عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ:(إِن الْإِنْسَان ليصل رَحمَه وَمَا بَقِي من عمره إلَاّ ثَلَاثَة أَيَّام فيزيد الله تَعَالَى فِي عمره ثَلَاثِينَ سنة، وَأَن الرجل ليقطع رَحمَه وَقد بَقِي من عمره ثَلَاثُونَ سنة فينقص الله تَعَالَى عمره حَتَّى لَا يبْقى فِيهِ إلَاّ ثَلَاثَة أَيَّام) . ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث لَا أعرفهُ إلَاّ بِهَذَا الْإِسْنَاد. وَمن حَدِيث إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش (عَن دَاوُد بن عِيسَى، قَالَ: مَكْتُوب فِي التَّوْرَاة صلَة الرَّحِم وَحسن الْخلق وبر الْقَرَابَة تعمر الديار وتكثر الْأَمْوَال وتزيد فِي الْآجَال وَإِن كَانَ الْقَوْم كفَّارًا) . قَالَ أَبُو مُوسَى: يرْوى هَذَا من طَرِيق أبي سعيد الْخُدْرِيّ مَرْفُوعا عَن التَّوْرَاة.
قَالَ أَبُو الْفرج فَإِن قيل: أَلَيْسَ قد فرغ من الْأَجَل والرزق؟ فَالْجَوَاب من خَمْسَة أوجه: أَحدهَا: أَن يكون المُرَاد بِالزِّيَادَةِ توسعة الرزق وَصِحَّة الْبدن، فَإِن الْغنى يُسمى حَيَاة، والفقر موتا. الثَّانِي: أَن يكْتب أجل العَبْد مائَة سنة وَيجْعَل تزكيته تعمير ثَمَانِينَ سنة، فَإِذا وصل رَحمَه زَاده الله فِي تزكيته فَعَاشَ عشْرين سنة أُخْرَى، قالهما ابْن قُتَيْبَة. الثَّالِث: أَن هَذَا التَّأْخِير فِي الأَصْل مِمَّا قد فرغ مِنْهُ لكنه علق الْأَنْعَام بِهِ بصلَة الرَّحِم، فَكَأَنَّهُ كتب أَن فلَانا يبْقى خمسين سنة، فَإِن وصل رَحمَه بَقِي سِتِّينَ سنة. الرَّابِع: أَن تكون هَذِه الزِّيَادَة فِي الْمَكْتُوب، والمكتوب غير الْمَعْلُوم فَمَا علمه الله تَعَالَى من نِهَايَة الْعُمر لَا يتَغَيَّر، وَمَا كتبه قد يمحى وَيثبت، وَقد