ذَلِكَ بِأنَّهُمْ قالُوا إنَّما البَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وأحَلَّ الله البَيْعَ وحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فانْتَهَى فَلَهْ مَا سَلَفَ وأمْرُهُ إِلَى الله ومَنْ عادَ فأُولَئِكَ أصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خالِدُونَ} (الْبَقَرَة: ٥٧٢) .
وَقَوله بِالْجَرِّ عطف على قَوْله: (آكل الرِّبَا) ، أَي: وَفِي بَيَان قَوْله تَعَالَى. وَقَالَ الإِمَام أَبُو بكر مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر بِإِسْنَادِهِ إِلَى سعيد بن جُبَير فِي قَوْله تَعَالَى: {الَّذين يَأْكُلُون الرِّبَا} (الْبَقَرَة: ٥٧٢) . قا: (يبْعَث يَوْم الْقِيَامَة مَجْنُونا يخنق نَفسه) ، وبإسناده إِلَى أبي حَيَّان: (آكل الرِّبَا يعرف يَوْم الْقِيَامَة كَمَا يعرف الْمَجْنُون فِي الدُّنْيَا) ، وَفِي كتاب أبي الْفضل الْجَوْزِيّ، من حَدِيث أَيَّانَ عَن أنس، قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (يَأْتِي آكل الرِّبَا يَوْم الْقِيَامَة مخبلاً يجر شقَّه، ثمَّ قَرَأَ {لَا يقومُونَ إلَاّ كَمَا يقوم الَّذِي يتخطبه الشَّيْطَان من الْمس} (الْبَقَرَة: ٥٧٢) . وَعَن السّديّ: الْمس الْجُنُون، وَعَن أبي عُبَيْدَة: الْمس من الشَّيْطَان وَالْجِنّ وَهُوَ: اللمم، وَفِي (كتاب الرِّبَا) لمُحَمد بن أسلم السَّمرقَنْدِي: حَدثنَا عَليّ بن إِسْحَاق عَن يُوسُف بن عَطِيَّة عَن ابْن سمْعَان عَن مُجَاهِد فِي قَوْله تَعَالَى: {اتَّقوا الله وذروا مَا بَقِي من الرِّبَا} (الْبَقَرَة: ٨٧٢) . قَالَ: فَمن كَانَ من أهل الرِّبَا فقد حَارب الله، وَمن حَارب الله فَهُوَ عَدو لله وَلِرَسُولِهِ. وَحدثنَا عَليّ بن إِسْحَاق أخبرنَا يحيى بن المتَوَكل حَدثنَا أَبُو عباد عَن أَبِيه عَن جده (عَن أبي هُرَيْرَة يرفعهُ: (الرِّبَا اثْنَان وَسَبْعُونَ حوبا أدناها بَابا بِمَنْزِلَة الناكح أمه) . وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ: أجمع الْمُسلمُونَ على تَحْرِيم الرِّبَا وعَلى أَنه من الْكَبَائِر. وَقيل: إِنَّه كَانَ محرما فِي جَمِيع الشَّرَائِع. قَوْله: {لَا يقومُونَ} (الْبَقَرَة: ٥٧٢) . أَي: من قُبُورهم يَوْم الْقِيَامَة. وَقَالَ الطَّبَرِيّ: إِنَّمَا خص الْآكِل بِالذكر لِأَن الَّذين نزلت فيهم الْآيَات الْمَذْكُورَة كَانَت طعمتهم من الرِّبَا، وإلَاّ فالوعيد حَاصِل لكل من عمل بِهِ سَوَاء أكل مِنْهُ أَو لَا. قَوْله: {ذَلِك بِأَنَّهُم قَالُوا} (الْبَقَرَة: ٥٧٢) . أَي: الَّذين جرى لَهُم بِسَبَب أَنهم قَالُوا: إِنَّمَا البيع مثل الرِّبَا أَي: نَظِيره، وَلَيْسَ هَذَا قِيَاسا مِنْهُم الرِّبَا على البيع، لِأَن الْمُشْركين لَا يعترفون بمشروعية أصل البيع الَّذِي شَرعه الله فِي الْقُرْآن، وَلَو كَانَ هَذَا من بَاب الْقيَاس لقالوا: إِنَّمَا الرِّبَا مثل البيع، وَإِنَّمَا قَالُوا: إِنَّمَا البيع مثل الرِّبَا، فَلم حرم هَذَا وأبيح هَذَا؟ وَهَذَا اعْتِرَاض مِنْهُم على الشَّرْع، فَرد الله عَلَيْهِم بقوله: {وَأحل الله البيع وَحرم الرِّبَا} (الْبَقَرَة: ٥٧٢) . فليسا نظيرين. قَوْله: {فَمن جَاءَهُ موعظة من ربه} (الْبَقَرَة: ٥٧٢) . أَي: من بلغه نهي الله عَن الرِّبَا. {فَانْتهى} (الْبَقَرَة: ٥٧٢) . حَال وُصُول الشَّرْع إِلَيْهِ. {فَلهُ مَا سلف} (الْبَقَرَة: ٥٧٢) . من الْمُعَامَلَة، كَقَوْلِه: {عَفا الله عَمَّا سلف} (الْمَائِدَة: ٥٩) . وَلم يَأْمر الشَّارِع برد الزِّيَادَات الْمَأْخُوذَة فِي الْجَاهِلِيَّة، بل عَفا عَمَّا سلف كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَلهُ مَا سلف وَأمره إِلَى الله} (الْمَائِدَة: ٥٩) . وَقَالَ سعيد بن جُبَير وَالسُّديّ {فَلهُ مَا سلف} (الْبَقَرَة: ٥٧٢) . فَلهُ مَا أكل من الرِّبَا قبل التَّحْرِيم، قَوْله: {وَمن عَاد} أَي: إِلَى الرِّبَا، فَفعله بعد بُلُوغ نهي الله لَهُ عَنهُ فقد اسْتوْجبَ الْعقُوبَة وَقَامَت عَلَيْهِ الْحجَّة، وَلِهَذَا قَالَ: {فَأُولَئِك أَصْحَاب النَّار هم فِيهَا خَالدُونَ} (الْبَقَرَة: ٥٧٢) . وَاخْتلف فِي عقد الرِّبَا: هَل هُوَ مَنْسُوخ لَا يجوز بِحَال أَو بيع فَاسد إِذا أزيل فَسَاده صَحَّ بَيْعه؟ فجمهور الْعلمَاء على أَنه بيع مَنْسُوخ، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: هُوَ بيع فَاسد إِذا أزيل عَنهُ مَا يُفْسِدهُ انْقَلب صَحِيحا.
٤٨٠٢ - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ قَالَ حدَّثنا غُنْدَرٌ قَالَ نزلت حَدثنَا شُعْبَةُ عنْ مَنْصُورٍ عَنْ أبِي الضُّحَى عنْ مَسْرُوقٍ عَن عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قالَتْ لَمَّا آخِرُ البَقَرَةِ قَرَأهُنَّ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْهِمْ فِي المَسْجِدِ ثُمَّ حَرَّمَ التِّجَارَةَ فِي الخَمْرِ. .
مطابقته لِلْآيَةِ الَّتِي هِيَ مثل التَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن آيَات الرِّبَا الَّتِي فِي آخر سُورَة الْبَقَرَة مبينَة لأحكامه وذامة لآكليه، فَإِن قلت: لَيْسَ فِي الحَدِيث شَيْء يدل على كَاتب الرِّبَا وَشَاهده؟ قلت: لما كَانَا معاونين على الْأكل صَارا كَأَنَّهُمَا قائلان أَيْضا: إِنَّمَا البيع مثل الرِّبَا، أَو كَانَا راضيين بِفِعْلِهِ، والرضى بالحرام حرَام أَو عقد التَّرْجَمَة لَهما وَلم يجد حَدِيثا فيهمَا بِشَرْطِهِ، فَلم يذكر شَيْئا. والْحَدِيث قد مضى فِي أَبْوَاب الْمَسَاجِد فِي: بَاب تَحْرِيم تِجَارَة الْخمر فِي الْمَسْجِد، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عَبْدَانِ عَن أبي حَمْزَة عَن الْأَعْمَش عَن مُسلم عَن مَسْرُوق عَن عَائِشَة، وَأخرجه هُنَا: عَن مُحَمَّد بن بشار عَن غنْدر، وَهُوَ لقد مُحَمَّد بن جَعْفَر الْبَصْرِيّ وَأَبُو الضُّحَى اسْمه، مُسلم بن صبيح الْكُوفِي، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مُسْتَوفى.
٥٨٠٢ - حدَّثنا مُوسَى بنُ إسْماعِيلَ قَالَ حَدثنَا جرير بن حَازِم قَالَ حدَّثنا أبُو رجَاءٍ عنْ سَمُرَةَ بنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute