تَعَالَى عنهُ قَالَ حَجَمَ أبُو طَيْبَةَ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأمَرَ لَهُ بِصَاعٍ مِنْ تَمْرٍ وأمَرَ أهْلَهُ أنْ يُخَفِّفُوا مِنْ خَرَاجِهِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الْمَذْكُور فِيهِ أَن أَبَا طيبَة حجم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيطلق عَلَيْهِ أَنه حجام. وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة.
والْحَدِيث أخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْبيُوع أَيْضا عَن القعْنبِي. وَأَبُو طيبَة، بِفَتْح الطَّاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة، قيل: إسمه دِينَار. وَقيل: نَافِع، وَقيل: ميسرَة. وَقَالَ ابْن الْحذاء: عَاشَ مائَة وَثَلَاثًا وَأَرْبَعين سنة. وَهُوَ مولى محيصة، بِضَم الْمِيم وَفتح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالصاد الْمُهْملَة: ابْن مَسْعُود الْأنْصَارِيّ، وَأَهله هم بَنو بياضة.
قَوْله: (من خراجه) ، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة، وَهُوَ مَا يقرره السَّيِّد على عَبده أَن يُؤَدِّيه إِلَيْهِ كل يَوْم.
وَفِيه: دَلِيل على جَوَاز الْحجامَة وَجَوَاز أَخذ الْأُجْرَة عَلَيْهَا. وَفِيه: دَلِيل على إِبَاحَة مقاطعة الْمولى عَبده على خراج مَعْلُوم مياومة أَو مشاهرة. وَفِيه: جَوَاز وضع الضريبة عَنهُ وَالتَّخْفِيف عَلَيْهِ، وَرُوِيَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَأَلَهُ: كم ضريبتك؟ فَقَالَ: ثَلَاثَة آصَع، فَوضع عَنهُ صَاعا، وَإِنَّمَا أضيف الْوَضع إِلَيْهِ لِأَنَّهُ كَانَ هُوَ الْآمِر بِهِ، وَهَذَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ فَقَالَ: حَدثنَا فَهد، قَالَ: حَدثنَا أَبُو غَسَّان، قَالَ: حَدثنَا أَبُو عوَانَة عَن أبي بشر عَن سُلَيْمَان بن قيس عَن جَابر بن عبد الله الْأنْصَارِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَعَا أَبَا طيبَة فحجمه، فَسَأَلَهُ: (كم ضريبتك؟) فَقَالَ: ثَلَاثَة آصَع. فَوضع عَنهُ صَاعا) وَأخرجه أَبُو يعلى فِي (مُسْنده) بِإِسْنَادِهِ إِلَى جَابر وَلَفظه: قَالَ: (بعث رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِلَى أبي طيبَة فحجمه) إِلَى آخِره نَحوه، وَأَبُو بشر اسْمه جَعْفَر بن إِيَاس الْيَشْكُرِي، وَعلل بَعضهم الحَدِيث بِأَنَّهُ لم يسمع من سُلَيْمَان بن قيس، وَأخرج الطَّحَاوِيّ أَيْضا من حَدِيث أبي جميلَة عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: (احْتجم رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأعْطى أجره) ، وَلَو كَانَ بِهِ بَأْس لم يُعْطه. وَأخرجه ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) وَأَبُو جميلَة اسْمه ميسرَة، وَثَّقَهُ ابْن حبَان. فَإِن قلت: روى الطَّحَاوِيّ عَن الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي عَن ابْن أبي فديك عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي ذِئْب عَن ابْن شهَاب عَن حرَام بن سعد بن محيصة، أحد بني حَارِثَة عَن أَبِيه، (أَنه سَأَلَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَن كسب الْحجام؟ فَنَهَاهُ أَن يَأْكُل من كَسبه، ثمَّ عَاد فَنَهَاهُ، ثمَّ عَاد فَنَهَاهُ، فَلم يزل يُرَاجِعهُ حَتَّى قَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أعلف كَسبه ناضحك وأطعمه رقيقك) . قلت: فِي إِبَاحَته، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَن يطعمهُ الرَّقِيق والناضح دَلِيل على أَنه لَيْسَ بِحرَام، أَلا ترى أَن المَال الْحَرَام الَّذِي لَا يحل للرجل لَا يحل لَهُ أَيْضا أَن يطعمهُ رَقِيقه وَلَا نَاضِحَهُ؟ لِأَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قد قَالَ فِي الرَّقِيق: (أطعموهم مِمَّا تَأْكُلُونَ) . فَلَمَّا ثَبت إِبَاحَة النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لمحيصة أَن يعلف ذَلِك نَاضِحَهُ وَيطْعم رَقِيقه من كسب حجامه، دلّ ذَلِك على نسخ مَا تقدم من نَهْيه عَن ذَلِك، وَثَبت حل ذَلِك لَهُ وَلغيره، قَالَه الطَّحَاوِيّ ثمَّ قَالَ: وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَمُحَمّد رحمهمَا الله تَعَالَى.
٣٠١٢ - حدَّثنا مُسَدَّدٌ قَالَ حدَّثنا خالِدٌ هُوَ ابنُ عَبْدِ الله قَالَ حَدثنَا خالِدٌ عنْ عِكْرِمَةَ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ احْتَجَمَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأعْطَى الَّذِي حَجَمَهُ ولَوْ كانَ حَرَاما لَمْ يُعْطِهِ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، لِأَن قَوْله: (حجمه) يَقْتَضِي الْحجام، وخَالِد بن عبد الله هُوَ: الطَّحَّان الوَاسِطِيّ، وخَالِد الثَّانِي هُوَ خَالِد بن مهْرَان الْحذاء الْبَصْرِيّ.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْإِجَارَة عَن مُسَدّد عَن يزِيد بن زُرَيْع. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْبيُوع عَن مُسَدّد بِهِ.
قَوْله: (أعْطى الَّذِي حجمه) لم يذكر الْمَفْعُول الثَّانِي، وَهُوَ نَحْو: شَيْئا أَو صَاعا من تمر، بِقَرِينَة الحَدِيث السَّابِق. قَوْله: (وَلَو كَانَ) ، أَي: الَّذِي أعطَاهُ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لَهُ حَرَامًا لم يُعْطه، وَهَذَا نَص فِي إِبَاحَة أجر الْحجام.
وَفِيه: اسْتِعْمَال الأحير من غير تَسْمِيَة أحره وإعطاؤه قدرهَا، وَأكْثر، قَالَه الدَّاودِيّ، وَلَعَلَّ محمل الحَدِيث أَنهم كَانُوا يعلمُونَ مقدارها، فَدَخَلُوا على الْعَادة.