فلَمَّا تَبايَعْنَا رَجَعْتُ عَلَى عَقِبَي حَتَّى خَرَجْتُ مِنْ بَيْتِهِ خَشْيَةَ أنْ يُرَاددَّنِي الْبَيْعَ وكانَتِ السُّنَّةُ أنَّ المُتَبَايِعيْنِ بِالْخِيَارِ حَتَّى يَتَفَرَّقا قَالَ عَبْدُ الله فلَمَّا وجَبَ بَيْعِي وبيْعُهُ رأيْتُ أنِّي قدْ غَبَنْتُهِ بِأنِّي سُقْتُهُ إلَى أرْضِ ثَمُودٍ بِثَلَاثِ لَيالٍ وساقَنِي إلَى المَدِينَةِ بِثَلاثِ لَيالٍ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن للبايعين التَّصَرُّف على حسب إرادتهما قبل التَّفَرُّق إجَازَة وفسخا.
قَوْله: (قَالَ أَبُو عبد الله) هُوَ البُخَارِيّ نَفسه. قَوْله: (وَقَالَ اللَّيْث) أَي: ابْن سعد الْمصْرِيّ: حَدثنِي عبد الرَّحْمَن بن خَالِد بن مُسَافر الفهمي الْمصْرِيّ وإليها عَن مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ. وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله الْإِسْمَاعِيلِيّ عَن أبي عمرَان: حَدثنَا الرَّمَادِي، قَالَ: وَأَخْبرنِي يَعْقُوب بن سُفْيَان قَالَ: وأنبأنا الْقَاسِم حَدثنَا ابْن زَنْجوَيْه، قَالُوا: حَدثنَا أَبُو صَالح حَدثنَا اللَّيْث حَدثنِي عبد الرَّحْمَن بن خَالِد بِهَذَا. وَقَالَ أَبُو نعيم: ذكره البُخَارِيّ فَقَالَ: وَقَالَ اللَّيْث، وَلم يذكر من دونه. وَقد دلّ على أَن الحَدِيث لأبي صَالح، وَأَبُو صَالح لَيْسَ من شَرطه. قَوْله: (مَالا) أَي: أَرضًا أَو عقارا. قَوْله: (بالوادي) ، قَالَ الْكرْمَانِي: اللَّام للْعهد، وَهُوَ عبارَة عَن وَاد مَعْهُود عِنْدهم: وَقيل: هُوَ وَادي الْقرى قلت: وَادي الْقرى من أَعمال الْمَدِينَة. قَوْله: (بِخَيْبَر) ، وَهُوَ بَلْدَة عنزة فِي جِهَة الشمَال والشروق عَن الْمَدِينَة على نَحْو سِتّ مراحل، وخيبر بلغَة الْيَهُود حصن. قَوْله: (فَلَمَّا تبايعنا رجعت على عَقبي) وَفِي رِوَايَة أَيُّوب بن سُوَيْد: (طفقت أنكص على عَقبي الْقَهْقَرَى) ، وعقبي، بِلَفْظ الْمُفْرد والمثنى. قَوْله: (خشيَة أَن يرادني) خشيَة مَنْصُوب على أَنه مفعول لَهُ، وَمعنى: أَن يرادني: أَن يطْلب اسْتِرْدَاده مني، وَهُوَ بتَشْديد الدَّال، وَأَصله: يرادني. قَوْله: (وَكَانَت السّنة أَن الْمُتَبَايعين بِالْخِيَارِ حَتَّى يَتَفَرَّقَا) ، أَرَادَ أَن هَذَا هُوَ السَّبَب فِي خُرُوجه من بَيت عُثْمَان، وَأَنه فعل ذَلِك ليجب البيع وَلَا يبْقى خِيَار فِي فَسخه قلت: قَوْله: وَكَانَت السّنة، تدل على أَنه كَانَ هَكَذَا فِي أول الْأَمر، وَعَن هَذَا قَالَ ابْن بطال: وَكَانَت السّنة تدل على أَن ذَلِك كَانَ فِي أول الْأَمر، فَأَما فِي الزَّمن الَّذِي فعل ابْن عمر ذَلِك، فَكَانَ التَّفَرُّق بالأبدان متروكا، فَلذَلِك فعله ابْن عمر، لِأَنَّهُ كَانَ شَدِيد الإتباع، وَاعْترض بَعضهم على هَذَا بقوله، وَقد وَقع فِي رِوَايَة أَيُّوب بن سُوَيْد: كُنَّا إِذا تبايعنا كَانَ كل وَاحِد منا بِالْخِيَارِ مَا لم يتفرق الْمُتَبَايعَانِ، فتبايعت أَنا وَعُثْمَان، فساق الْقِصَّة، قَالَ: وفيهَا إِشْعَار باستمرار ذَلِك. انْتهى. قلت: القَوْل فِيهِ مثل مَا قَالَ ابْن بطال فِي حَدِيث الْبَاب، وَقَوله: وفيهَا إِشْعَار باستمرار ذَلِك، غير مسلَّم، لِأَن هَذِه دَعْوَى بِلَا برهَان. على أَنا نقُول: ذكر ابْن رشد فِي (الْمُقدمَات) لَهُ: أَن عُثْمَان قَالَ لِابْنِ عمر: لَيست السّنة بافتراق الْأَبدَان، قد انتسخ ذَلِك، وَقد اعْترض عَلَيْهِ بَعضهم بقوله: هَذِه الزِّيَادَة لم أر لَهَا إِسْنَادًا. قلت: لَا يلْزم من عدم رُؤْيَته إِسْنَاده عدم رُؤْيَة قَائِله أَو غَيره، فَهَذَا لَا يشفي العليل وَلَا يرْوى الغليل. قَوْله: (قَالَ عبد الله) ، يَعْنِي ابْن عمر. قَوْله: (إِلَى أَرض ثَمُود) ، وهم قَبيلَة من الْعَرَب الأولى، وهم قوم صَالح، عَلَيْهِ السَّلَام، يصرف وَلَا يصرف، وأرضهم قريبَة من تَبُوك، وَحَاصِل الْمَعْنى أَنه يبيِّن وَجه غبنه عُثْمَان بقوله: سقته، يَعْنِي: زِدْت الْمسَافَة الَّتِي كَانَت بَينه وَبَين أرضه الَّتِي صَارَت إِلَيْهِ على الْمسَافَة الَّتِي كَانَت بَينه وَبَين أرضه الَّتِي بَاعهَا بِثَلَاث لَيَال، وَأَنه نقص الْمسَافَة الَّتِي بيني وَبَين أرضي الَّتِي أَخَذتهَا عَن الْمسَافَة الَّتِي كَانَت بيني وَبَين الأَرْض الَّتِي بعتها بِثَلَاث لَيَال، وَإِنَّمَا قَالَ: إِلَى الْمَدِينَة، لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا كَانَا بهَا، فَرَأى ابْن عمر الْغِبْطَة فِي الْقرب من الْمَدِينَة، فَلذَلِك قَالَ: رَأَيْت قد غبنته.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ احْتج بِهِ من قَالَ: إِن الِافْتِرَاق بالْكلَام. وَقَالُوا: لَو كَانَ معنى الحَدِيث التَّفَرُّق بالأبدان لَكَانَ المُرَاد مِنْهُ الحض وَالنَّدْب إِلَى حسن الْمُعَامَلَة من الْمُسلم للْمُسلمِ، ألَا ترى إِلَى قَول ابْن عمر: وَكَانَت السّنة أَن الْمُتَبَايعين بِالْخِيَارِ؟ قَالَ ذَلِك لما ذكرنَا. وَقَالَ ابْن التِّين: وَذكر عبد الْملك أَن فِي بعض الرِّوَايَات: وَكَانَت السّنة يَوْمئِذٍ. قَالَ: وَلَو كَانَ على الْإِلْزَام لقَالَ: كَانَت السّنة، وَتَكون إِلَى يَوْم الدّين. قَالَ ابْن بطال: حكى ابْن عمر أَن النَّاس كَانُوا يلتزمون حِينَئِذٍ النّدب لِأَنَّهُ كَانَ زمن مكارمة، وَأَن الْوَقْت الَّذِي حكى فِيهِ التَّفَرُّق بالأبدان كَانَ التَّفَرُّق بالأبدان متروكا، وَلَو كَانَ على الْوُجُوب مَا قَالَ: وَكَانَت السّنة، فَلذَلِك جَازَ أَن يرجع على عقبه، لِأَنَّهُ فهم أَن المُرَاد بذلك الحض وَالنَّدْب، لَا سِيمَا هُوَ الَّذِي حضر فعل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي هِبته الْبكر لَهُ بِحَضْرَة البَائِع قبل التَّفَرُّق. وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: روينَا عَن ابْن عمر مَا يدل على أَن رَأْيه كَانَ فِي الْفرْقَة بِخِلَاف مَا ذهب إِلَيْهِ من قَالَ: إِن البيع لَا يتم إلَاّ بهَا، وَهُوَ مَا حَدثنَا سُلَيْمَان بن شُعَيْب حَدثنَا بشر بن بكر حَدثنَا الْأَوْزَاعِيّ حَدثنِي الزُّهْرِيّ عَن
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute