للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَقَالَ ابنُ مَسْعُودٍ: حدّثنا رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهَوَ الصَّادِقُ المَصْدُوق، وَقَالَ شَقِيقُ عَنْ عَبْدِ اللَّه: سَمِعْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَلِمَةً، وَقَالَ حذَيْفَةُ: حدّثنا رسولُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَدِيثَيْنِ.

هَذِه ثَلَاث تعاليق أوردهَا تَنْبِيها على أَن الصَّحَابِيّ تَارَة كَانَ يَقُول: حَدثنَا، وَتارَة كَانَ يَقُول: سَمِعت، فَدلَّ ذَلِك على أَنه لَا فرق بَينهمَا. التَّعْلِيق الأول: الَّذِي رَوَاهُ عبد اللَّه بن مَسْعُود طرف من الحَدِيث الْمَشْهُور، أوصله البُخَارِيّ فِي كتاب الْقدر، وَسَيَجِيءُ الْكَلَام عَلَيْهِ هُنَاكَ إِن شَاءَ الله تَعَالَى. الثَّانِي: رَوَاهُ أَبُو وَائِل شَقِيق عَن عبد اللَّه هُوَ ابْن مَسْعُود، أوصله البُخَارِيّ فِي كتاب الْجَنَائِز. الثَّالِث: رَوَاهُ حُذَيْفَة ابْن الْيَمَان رَضِي الله عَنهُ، أوصله البُخَارِيّ فِي كتاب الرقَاق، وَسَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَاسم الْيَمَان: حسل، بِكَسْر الْحَاء وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة، وَيُقَال: حسيل، بِالتَّصْغِيرِ ابْن جَابر بن عَمْرو بن ربيعَة بن جروة، بِالْجِيم الْمَكْسُورَة، ابْن الْحَارِث بن مَازِن بن قطيعة بن عبس بن بغيض، بِفَتْح الْمُوَحدَة وغين وضاد معجمتين، ابْن ريث، بِفَتْح الرَّاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف، وَفِي آخِره ثاء مُثَلّثَة، بن غطفان بن سعد بن قيس بن غيلَان بن مُضر بن نزار بن معد بن عدنان الْعَبْسِي، حَلِيف بني عبد الْأَشْهَل من الْأَنْصَار. قَالُوا: واليمان، لقب حسل. وَقَالَ الْكَلْبِيّ وَابْن سعد: هُوَ لقب جروة، وَإِنَّمَا لقب الْيَمَان لِأَن جروة أصَاب دَمًا فِي قومه فهرب إِلَى الْمَدِينَة، فَخَالف بني عبد الْأَشْهَل من الْأَنْصَار، فَسَماهُ قومه: الْيَمَان، لِأَنَّهُ حَالف اليمانية، أسلم هُوَ وَأَبوهُ وشهدا أحدا، وَقتل أَبوهُ يَوْمئِذٍ، قَتله الْمُسلمُونَ خطأ، فوهب لَهُم دَمه، وَأسْلمت أم حُذَيْفَة وَهَاجَرت، وأرادا أَن يشهدَا بَدْرًا فَاسْتَحْلَفَهُمَا الْمُشْركُونَ أَن لَا يشهدَا مَعَ النَّبِي، صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم، فَحَلفا لَهُم ثمَّ سَأَلَا النَّبِي، عَلَيْهِ السَّلَام، فَقَالَ النَّبِي، عَلَيْهِ السَّلَام: (نفي لَهُم بعهدهم ونستعين بِاللَّه عَلَيْهِم) . وَكَانَ صَاحب سر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمُنَافِقين، يعلمهُمْ وَحده. وَسَأَلَهُ عمر، رَضِي الله عَنهُ: هَل فِي عمالهم أحد مِنْهُم؟ قَالَ: نعم، وَاحِد. قَالَ: من هُوَ؟ قَالَ: لَا أذكرهُ، فَعَزله عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، كَأَنَّمَا دلّ عَلَيْهِ. وَكَانَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، إِذا مَاتَ ميت، فَإِن حضر الصَّلَاة عَلَيْهِ حُذَيْفَة صلى عَلَيْهِ عمر، رَضِي الله عَنهُ، وإلَاّ فَلَا. وَحَدِيثه لَيْلَة الْأَحْزَاب مَشْهُور فِيهِ معجزات، وَكَانَ فتح هَمدَان والري والدينور على يَده، ولاه عمر، رَضِي الله عَنهُ، الْمَدَائِن، وَكَانَ كثير السُّؤَال لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْفِتَن وَالشَّر ليجتنبهما، ومناقبه كَثِيرَة، رُوِيَ لَهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عشرُون حَدِيثا. قَالَه الْكرْمَانِي فِي شَرحه، وَقَالَ الشَّيْخ قطب الدّين فِي شَرحه: أخرجَا لَهُ اثْنَي عشر حَدِيثا اتفقَا عَلَيْهَا وَانْفَرَدَ البُخَارِيّ بِثمَانِيَة، وَمُسلم بسبعة عشر. قلت: فَهَذَا يدل على سقط عدد من الْكرْمَانِي إِمَّا مِنْهُ وَإِمَّا من النساخ، توفّي حُذَيْفَة بِالْمَدَائِنِ سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ بعد قتل عُثْمَان، رَضِي الله عَنهُ، بِأَرْبَعِينَ لَيْلَة، روى لَهُ الْجَمَاعَة.

وقالَ أبُو العَالِيَةِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: عَنِ النَّبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ، وقالَ أنَسُ: عَنِ النَّبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وجَلَّ، وقالَ أبُو هُرَيْرَةَ: عَنِ النَّبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّكُمْ عَزَّ وجَلَّ.

هَذِه ثَلَاث تعاليق أُخْرَى أوردهَا تَنْبِيها على حكم العنعنة، وَأَن حكمهَا الْوَصْل عِنْد ثُبُوت اللقى، وَفِيه تَنْبِيه آخر وَهُوَ أَن رِوَايَة النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، إِنَّمَا هِيَ عَن ربه، سَوَاء صرح بذلك الصَّحَابِيّ أم لَا، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ أَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله عَنْهُمَا، روى عَنهُ حَدِيثه الْمَذْكُور فِي مَوضِع آخر، وَلم يذكر فِيهِ: عَن ربه، لَا يُقَال: ذكر العنعنة لَا تعلق لَهُ بالترجمة، وَكَذَا ذكر الرِّوَايَة، لأَنا نقُول: لفظ الرِّوَايَة شَامِل لجَمِيع الْأَقْسَام الْمَذْكُورَة، وَكَذَا لفظ العنعنة، لاحْتِمَاله كلاًّ من هَذِه الْأَلْفَاظ الثَّلَاثَة، وَهَذِه التَّعَالِيق وَصلهَا البُخَارِيّ فِي كتاب التَّوْحِيد، وَهَؤُلَاء الصَّحَابَة قد ذكرُوا فِيمَا مضى، وَأما أَبُو الْعَالِيَة فقد قَالَ الشَّيْخ قطب الدّين فِي شَرحه: هُوَ الْبَراء، بالراء الْمُشَدّدَة، واسْمه زِيَاد بن فَيْرُوز الْبَصْرِيّ الْقرشِي مَوْلَاهُم، وَقيل: اسْمه أذينة، وَقيل: كُلْثُوم، وَقيل: زِيَاد بن أذينة، سمع ابْن عَبَّاس وَابْن عمر وَابْن الزبير وَغَيرهم، قَالَ أَبُو زرْعَة: ثِقَة توفّي سنة تسعين، روى لَهُ البُخَارِيّ وَمُسلم، وَإِنَّمَا قيل لَهُ: الْبَراء، لِأَنَّهُ كَانَ يبري النبل، وَمثله: أَبُو معشر الْبَراء، واسْمه يُوسُف، وَكَانَ يبري النبل. وَقيل يبري الْعود، وَمن عداهما الْبَراء مخفف، وَكله مَمْدُود، وَقَالَ الْكرْمَانِي: أَبُو الْعَالِيَة، بِالْمُهْمَلَةِ والتحتانية، وَالظَّاهِر أَنه رفيع،

<<  <  ج: ص:  >  >>