والإعانة، فَيَقْتَضِي ذَلِك جَوَاز بيع الْحَاضِر للبادي من غير كَرَاهَة، فَعلم من ذَلِك أَن النَّهْي الْوَارِد فِيهِ مَحْمُول على معنى خَاص وَهُوَ البيع بِأَجْر، وَقَالَ ابْن بطال: أَرَادَ البُخَارِيّ جَوَاز ذَلِك بِغَيْر أجر، وَمنعه إِذا كَانَ بِأَجْر، كَمَا قَالَ ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا؛ لَا يكون لَهُ سمسارا، فَكَأَنَّهُ أجَاز ذَلِك لغير السمسار إِذا كَانَ من طَرِيق النصح، وَجَوَاب الاستفهامين يعلم من الْمَذْكُور فِي الْبَاب، وَاكْتفى بِهِ على جاري عَادَته بذلك فِي بعض التراجم.
وَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا اسْتَنْصَحَ أحَدُكُمْ أخاهُ فَلْيَنْصَحْ لَهُ
ذكر هَذَا التَّعْلِيق تأييدا لجَوَاز بيع الْحَاضِر للبادي إِذا كَانَ بِغَيْر أجر، لِأَنَّهُ يكون من بَاب النَّصِيحَة الَّتِي أَمر بهَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَوصل هَذَا التَّعْلِيق أَحْمد من حَدِيث عَطاء بن السَّائِب عَن حَكِيم بن أبي يزِيد عَن أَبِيه: حَدثنِي، أبي، قَالَ: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:(دعوا النَّاس يرْزق الله بَعضهم من بعض، فَإِذا استنصح الرجلُ الرجلَ فلينصح لَهُ) . انْتهى. والنصح إخلاص الْعَمَل من شوائب الْفساد، وَمَعْنَاهُ: حِيَازَة الْحَظ للمنصوح لَهُ، وروى أَبُو دَاوُد من طَرِيق سَالم الْمَكِّيّ أَن أَعْرَابِيًا حَدثهُ أَنه قدم بحلوبة لَهُ على طَلْحَة بن عبيد الله، فَقَالَ لَهُ:(إِن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، نهى أَن يَبِيع حَاضر لبادٍ، وَلَكِن إذهب إِلَى السُّوق وَانْظُر من يُبَايِعك. فشاورني حَتَّى آمُرك وأنهاك) .
ورَخَّصَ فِيهِ عَطاءٌ
أَي: وَرخّص عَطاء بن أبي رَبَاح فِي بيع الْحَاضِر للبادي، وَوَصله عبد الرَّزَّاق عَن الثَّوْريّ عَن عبد الله بن عُثْمَان بن خَيْثَم عَن عَطاء بن أبي رَبَاح، قَالَ: سَأَلته عَن أَعْرَابِي أبيع لَهُ؟ فَرخص لي. فَإِن قلت: يُعَارض هَذَا مَا رَوَاهُ سعيد بن مَنْصُور من طَرِيق ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد. قَالَ: إِنَّمَا نهى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَن يَبِيع حَاضر لبادٍ، لِأَنَّهُ أَرَادَ أَن يُصِيب الْمُسلمُونَ غرتهم، فَأَما الْيَوْم فَلَا بَأْس. فَقَالَ عَطاء: لَا يصلح الْيَوْم. قلت: أجَاب بَعضهم بِأَن الْجمع بَين الرِّوَايَتَيْنِ أَن يحمل قَول عَطاء هَذَا على كَرَاهَة التَّنْزِيه؟ قلت: الْأَوْجه أَن يحمل ترخيصه فِيمَا إِذا كَانَ بِلَا أجر، وَمنعه فِيمَا إِذا كَانَ بِأَجْر، وَقَالَ بَعضهم: أَخذ بقول مُجَاهِد أَبُو حنيفَة وتمسكوا بِعُمُوم قَوْله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:(الدّين النَّصِيحَة) ، وَزَعَمُوا أَنه نَاسخ لحَدِيث النَّهْي، وَحمل الْجُمْهُور حَدِيث:(الدّين النَّصِيحَة) ، على عُمُومه إلَاّ فِي بيع الْحَاضِر للبادي فَهُوَ خَاص، فَيَقْضِي على الْعَام، وَهَذَا الْكَلَام فِيهِ تنَاقض، وَقَضَاء الْخَاص على الْعَام لَيْسَ بِمُطلق على زعمكم أَيْضا لاحْتِمَال أَن يكون الْخَاص ظنيا وَالْعَام قَطْعِيا، أَو يكون الْخَاص مَنْسُوخا وَأَيْضًا يحْتَمل أَن يكون الْخَاص مُقَارنًا أَو مُتَأَخِّرًا أَو مُتَقَدما، وَقَوله: والنسخ لَا يثبت فِي الِاحْتِمَال مُسلم، وَلَكِن من قَالَ: إِن قَوْله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:(الدّين النَّصِيحَة) ، نَاسخ لحَدِيث النَّهْي بِالِاحْتِمَالِ، بل الْأَصْلِيّ عندنَا فِي مثل هَذَا بالتراجيح: مِنْهَا أَن أحد الْخَبَرَيْنِ عمل بِهِ الْأمة، فههنا كَذَلِك، فَإِن قَوْله:(الدّين النَّصِيحَة) عمل بِهِ جَمِيع الْأمة وَلم يكن خلاف فِيهِ لأحد، بِخِلَاف حَدِيث النَّهْي، فَإِن الْكل لم يعْمل بِهِ، فَهَذَا الْوَجْه من جملَة مَا يدل على النّسخ، وَمِنْهَا أَن يكون أحد الْخَبَرَيْنِ أشهر من الآخر، وَهَهُنَا كَذَلِك بِلَا خلاف.
٧٥٣١ - حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله قَالَ حدَّثنا سُفْيانُ عنْ إسْمَاعِيلَ عنْ قَيْسٍ قَالَ سَمِعْتُ جَرِيرا رَضِي الله تَعَالَى عنهُ يَقُولُ بايَعْتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلى شَهادةِ أَن لَا إلاه إلَاّ الله وأنَّ مُحَمَّدا رسُولُ الله وإقَامِ الصَّلاةِ وإيْتَاءِ الزَّكَاةِ والسَّمْعِ والطَّاعَةِ والنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: أَو ينصحه، وَعلي بن عبد الله هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي خَالِد وَاسم أبي خَالِد سعد، وَقيل: هُرْمُز، وَقيل: كثير، وَقيس هُوَ ابْن أبي حَازِم واسْمه عَوْف، سمع من الْعشْرَة المبشرة، وَالثَّلَاثَة أَعنِي: اسماعيل وقيسا وجريرا: بجليون كوفيون مكتنون بِأبي عبد الله، وَهَذَا من النَّوَادِر، والْحَدِيث مضى فِي آخر كتاب الْإِيمَان من: بَاب قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (الدّين النَّصِيحَة لله وَلِرَسُولِهِ) ، وَمر الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى.