طَوِيل جدا فَوق الطول، وَعَن الْأَصْمَعِي: شعر مشعان، بتَشْديد النُّون: متنفش، وإشعانّ الشّعْر اشعينانا: كاحمارّ احميرارا، وَفِي (التَّهْذِيب) : تَقول الْعَرَب: رَأَيْت فلَانا مشعانَّ الرَّأْس إِذا رَأَيْته شعثا متنفش الرَّأْس مغبرا، وروى عَمْرو عَن أَبِيه: أشعن الرجل إِذا نامى عدوه، فاشعان شعره. قَوْله: (بيعا؟) ، مَنْصُوب على المصدرية أَي: اتبيع بيعا. قيل: وَيجوز الرّفْع أَي: أَهَذا بيع؟ قَوْله: (أم عَطِيَّة) ، بِالنّصب عطف على: بيعا. قَوْله: (أَو قَالَ) شكّ من الرَّاوِي. قَوْله: (قَالَ: لَا) أَي: قَالَ الرجل: لَيْسَ عَطِيَّة، أَو: لَيْسَ هبة (بل بيع) أَي: بل هُوَ بيع، وَأطلق البيع عَلَيْهِ بِاعْتِبَار مَا يؤول إِلَيْهِ.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: جَوَاز بيع الْكَافِر وَإِثْبَات ملكه على مَا فِي يَده، وَقَالَ الْخطابِيّ فِي قَوْله: أم هبة؟ دَلِيل على قبُول الْهَدِيَّة من الْمُشرك لَو وهب. فَإِن قلت: قد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعياض بن حمَار حِين أهْدى لَهُ فِي شركه: إِنَّا لَا نقبل زبد الْمُشْركين، يُرِيد عطاهم. قلت: قَالَ أَبُو سُلَيْمَان: يشبه أَن يكون ذَلِك مَنْسُوخا، لِأَنَّهُ قبل هَدْيه غير وَاحِد من أهل الشّرك، أهْدى لَهُ الْمُقَوْقس وأكيدر دومة. قَالَ: إلَاّ أَن يزْعم زاعم أَن بَين هَدَايَا أهل الشّرك وهدايا أهل الْكتاب فرقا. انْتهى.
قلت: فِيهِ نظر فِي مَوَاضِع.
الأول: أَن الزَّعْم بِالْفرقِ الْمَذْكُور يردهُ قَول عبد الرَّحْمَن فِي نفس هَذَا الحَدِيث: إِن هَذَا الرجل كَانَ مُشْركًا، وَقد قَالَ لَهُ: أبيع أم هَدِيَّة؟
الثَّانِي: هَدِيَّة أكيدر كَانَت قبل إِسْلَام عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، رَاوِي هَذَا الحَدِيث، لِأَن إِسْلَامه كَانَ فِي هدنة الْحُدَيْبِيَة، وَذَلِكَ فِي سنة سبع، وهدنة أكيدر كَانَت بعد وَفَاة سعد بن معَاذ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، الَّذِي قَالَ فِي حَقه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لما عجب النَّاس من هَدِيَّة أكيدر: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ، لمناديل سعد بن معَاذ فِي الْجنَّة أحسن من هَذِه، وَسعد توفّي بعد غَزْوَة بني قُرَيْظَة سنة أَربع فِي قَول عقبَة، وَعند إِبْنِ إِسْحَاق: سنة خمس، وأيّا مَا كَانَ فَهُوَ قبل إِسْلَام عبد الرَّحْمَن، وبَعْثُ حَاطِب بن أبي بلتعة إِلَى الْمُقَوْقس كَانَ فِي سنة سِتّ، ذكره ابْن مَنْدَه وَغَيره، فَدلَّ على أَنه قبل هَذَا الحَدِيث.
الثَّالِث: لقَائِل أَن يَقُول: هَذَانِ اللَّذَان قبل مِنْهُمَا هديتهما لَيْسَ سوقة، إِنَّمَا هما ملكان. فَقبل هديتهما تألفا، لِأَن فِي رد هديتهما نوع حُصُول شَيْء.
الرَّابِع: نقُول: كَانَ قبُول هديتهم بإثابته عَلَيْهِمَا، وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لهَذَا الْمُشرك أَيْضا كَانَ تأنيسا لَهُ، وَلِأَن يثيبه بِأَكْثَرَ مِمَّا أهْدى، وَكَذَا يُقَال فِي هَدِيَّة كسْرَى الْمَذْكُورَة فِي كتاب الْحَرْبِيّ من حَدِيث عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، ورد هَدِيَّة عِيَاض بن حمَار وَكَانَ بَينه وَبَين النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، معرفَة قبل الْبعْثَة، فَلَمَّا بعث أهْدى لَهُ فَرد هديته، وَكَذَا رد هَدِيَّة ذِي الجوشن، وَكَانَت فرسا، وَكَذَا رد هَدِيَّة ملاعب الأسنة، لأَنهم كَانُوا سوقة وَلَيْسوا ملوكا، وَأهْدى لَهُ ملك أَيْلَة بغلة، وفروة الجذامي هَدِيَّة فقبلهما وَكَانَا ملكَيْنِ، وَمِمَّا يُؤَيّد هَذَا مَا ذكره أَبُو عبيد فِي (كتاب الْأَمْوَال) : أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا قبل هَدِيَّة أبي سُفْيَان بن حَرْب لِأَنَّهَا كَانَت فِي مُدَّة الْهُدْنَة، وَكَذَا هَدِيَّة الْمُقَوْقس إِنَّمَا كَانَ قبلهَا لِأَنَّهُ أكْرم حَاطِبًا وَأقر بنبوته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يؤيسه من إِسْلَامه، وَقبُول هَدِيَّة الأكيدر لِأَن خَالِدا، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قدم بِهِ فحقن صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَمه وَصَالَحَهُ على الْجِزْيَة، لِأَنَّهُ كَانَ نَصْرَانِيّا ثمَّ خلى سَبيله، وَكَذَا ملك أَيْلَة لما أهْدى كَسَاه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بردا لَهُ، وَهَذَا كُله يرجع إِلَى أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ لَا يقبل هَدِيَّة إلَاّ ويكافىء.
ثمَّ إعلم أَن النَّاس اخْتلفُوا فِيمَا يهدى للأئمة، فَروِيَ عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنه كَانَ يُوجب رده إِلَى بَيت المَال، وَإِلَيْهِ ذهب أَبُو حنيفَة. وَقَالَ أَبُو يُوسُف: مَا أهْدى إِلَيْهِ أهل الْحَرْب فَهُوَ لَهُ دون بَيت المَال، وَأما مَا يهدى للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَاصَّة فَهُوَ فِي ذَلِك بِخِلَاف النَّاس، لِأَن الله تَعَالَى اختصه فِي أَمْوَال أهل الْحَرْب بِخَاصَّة لم تكن لغيره، قَالَ تَعَالَى: {وَلَكِن الله يُسَلط رسله على من يَشَاء} (الْحَشْر: ٦) . بعد قَوْله: {مَا أَفَاء الله على رَسُوله} (الْحَشْر: ٦) . فسبيل مَا تصل إِلَيْهِ يَده من أَمْوَالهم على جِهَة الْهَدِيَّة وَالصُّلْح سَبِيل الْفَيْء يَضَعهُ حَيْثُ أرَاهُ الله، فَأَما الْمُسلمُونَ إِذا أهدوا إِلَيْهِ فَكَانَ من سجيته أَن لَا يردهَا بل يثيبهم عَلَيْهَا.
وَفِيه: أَن ابتياع الأشاء من الْمَجْهُول الَّذِي لَا يعرف جَائِز حَتَّى يطلع على مَا يلْزم التورع عَنهُ، أَو يُوجب ترك مبايعته غصب أَو سَرقَة أَو شبههما، وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: من كَانَ بِيَدِهِ شَيْء فَظَاهره أَنه مَالِكه، وَلَا يلْزم المُشْتَرِي أَن يعلم حَقِيقَة ملكه.
وَاخْتلف الْعلمَاء فِي مبايعة من الْغَالِب على مَاله الْحَرَام