الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي كِتَابه الْمدْخل يجوز أَن سَمُرَة علم بتحريمها وَلم يعلم بِحرْمَة بيعهَا وَلَو لم يكن كَذَلِك لما أقره عمر على عمله ولعزله لَو فعله عَن علم انْتهى وَهَذَا يرد قَول بَعضهم وَلم أر فِي شَيْء من الْأَخْبَار أَن سَمُرَة كَانَ واليا لعمر على شَيْء من أَعماله انْتهى لِأَن قَول الَّذِي اطلع على شَيْء حجَّة على قَول من يَدعِي عدم الِاطِّلَاع عَلَيْهِ وَأَيْضًا الدَّعْوَى بِعَدَمِ رُؤْيَة شَيْء فِي الْأَخْبَار الَّذِي نَقله غير وَاحِد من الْحفاظ غير مسموعة لِأَنَّهُ يبعد أَن يطلع أحد على جَمِيع مَا وَقع فِي قَضِيَّة من الْأَخْبَار قَوْله " قَاتل الله الْيَهُود " فسره البُخَارِيّ من رِوَايَة أبي ذَر باللعنة وَهُوَ قَول ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا وَقَالَ الْهَرَوِيّ مَعْنَاهُ قَتلهمْ الله وَحكى عَن بَعضهم عاداهم وَالْأَصْل فِي فَاعل أَن يكون من اثْنَيْنِ وَرُبمَا يكون من وَاحِد مثل سَافَرت وطارقت قَوْله " فجملوها " بِالْجِيم أَي أذابوها يُقَال جمل الشَّحْم يجمله من بَاب نصر ينصر إِذا أذابه وَمِنْه الْجَمِيل وَهُوَ الشَّحْم الْمُذَاب وَقَالَ الدَّاودِيّ وَمِنْه سمى الْجمال لِأَنَّهُ يكون عَن الشَّحْم وَلَيْسَ هَذَا بَين لِأَنَّهُ قد يكون بعد الهزال وَقَالَ بَعضهم وَجه تَشْبِيه عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ بيع الْمُسلمين الْخمر بِبيع الْيَهُودِيّ الْمُذَاب من الشَّحْم الِاشْتِرَاك فِي النَّهْي عَن تنَاول كل مِنْهُمَا قلت هَذَا لَا يُسمى تَشْبِيها لعدم شُرُوط التَّشْبِيه فِيهِ وَإِنَّمَا هُوَ تَمْثِيل يَعْنِي بيع فلَان الْخمر مثل بيع الْيَهُودِيّ الشَّحْم الْمُذَاب وَالْمعْنَى حَال هَذَا الرجل الَّذِي بَاعَ الْخمر العجيبة الشَّأْن كَحال الْيَهُود الَّذين حرم عَلَيْهِم الشَّحْم ثمَّ جملوه فباعوه وعلماء الْبَيَان قد فرقوا بَين التَّشْبِيه والتمثيل وَجعلُوا لكل وَاحِد بَابا مُفردا نعم إِذا كَانَ وَجه التَّشْبِيه منتزعا من أُمُور يُسمى تمثيلا كَمَا فِي تَشْبِيه {مثل الَّذِي حملُوا التَّوْرَاة ثمَّ لم يحملوها كَمثل الْحمار يحمل أسفارا} فَإِن تَشْبِيه مثل الْيَهُود الَّذين كلفوا بِالْعَمَلِ بِمَا فِي التَّوْرَاة ثمَّ لم يعملوا بذلك بِمثل الْحمار الْحَامِل للأسفار فَإِن وَجه التَّشْبِيه بَينهمَا وَهُوَ حرمَان الِانْتِفَاع بأبلغ نَافِع مَعَ الكد والتعب فِي استصحابه لَا يخفى كَونه منتزعا من عدَّة أُمُور وَقَالَ هَذَا الْقَائِل أَيْضا كل مَا حرم تنَاوله حرم بَيْعه قلت قد ذكرنَا فِيمَا مضى أَن هَذَا لَيْسَ بكلي فَإِن الْحَيَّة يحرم تنَاولهَا وَلَا يحرم بيعهَا للضَّرُورَة للتداوي وَقَالَ أَيْضا وَتَنَاول الْخمر وَالسِّبَاع وَغَيرهمَا مِمَّا حرم أكله إِنَّمَا يَتَأَتَّى بعد ذبحه وَهُوَ بِالذبْحِ يصير ميتَة لِأَنَّهُ لَا ذَكَاة لَهُ وَإِذا صارة ميتَة صَار نجسا وَلم يجز بَيْعه انْتهى قلت كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَن يَقُول هَذَا فِي مَذْهَبنَا لِأَن من لم يقف على مَذَاهِب الْعلمَاء فِي مثل هَذَا يعْتَقد أَنه أَمر مجمع عَلَيْهِ وَلَيْسَ كَذَلِك فَإِن عندنَا مَا لَا يُؤْكَل لَحْمه إِذا ذبح يطهر لَحْمه حَتَّى إِذا صلى وَمَعَهُ من ذَلِك أَكثر من قدر الدِّرْهَم تصح صلَاته وَلَو وَقع فِي المَاء لَا يُنجسهُ لِأَنَّهُ بالذكاة يطهر لِأَن الذَّكَاة أبلغ من الدّباغ فِي إِزَالَة الدِّمَاء والرطوبات وَقَالَ الْكَرْخِي كل حَيَوَان يطهر جلده بالدباع يطهر بالذكاة فَهَذَا يدل على أَنه يطهر لَحْمه وشحمه وَسَائِر أَجْزَائِهِ وَفِي الْبَدَائِع الذَّكَاة تطهر المذكي بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ إِلَّا الدَّم المسفوح هُوَ الصَّحِيح وَقَالَ ابْن بطال أجمع الْعلمَاء على تَحْرِيم بيع الْميتَة بِتَحْرِيم الله تَعَالَى لَهَا قَالَ تَعَالَى {حرمت عَلَيْكُم الْميتَة وَالدَّم} وَاعْترض بعض الْمَلَاحِدَة بِأَن الابْن إِذا ورث من أَبِيه جَارِيَة كَانَ الْأَب وَطئهَا فَإِنَّهَا تحرم على الابْن وَيحل لَهُ بيعهَا بِالْإِجْمَاع وَأكل ثمنهَا وَقَالَ القَاضِي هَذَا تمويه على من لَا علم عِنْده لِأَن جَارِيَة الْأَب لم يحرم على الابْن مِنْهَا غير الِاسْتِمْتَاع على هَذَا الْوَلَد دون غَيره من النَّاس وَيحل لهَذَا الابْن الِانْتِفَاع بهَا فِي جَمِيع الْأَشْيَاء سوى الِاسْتِمْتَاع وَيحل لغيره الِاسْتِمْتَاع وَغَيره بِخِلَاف الشحوم فَإِنَّهَا مُحرمَة الْمَقْصُود مِنْهَا وَهُوَ الْأكل مِنْهَا على جَمِيع الْيَهُود وَكَذَلِكَ شحوم الْميتَة مُحرمَة الْأكل على كل وَاحِد فَكَانَ مَا عدا الْأكل تَابعا بِخِلَاف مَوْطُوءَة الْأَب وَفِي الحَدِيث لعن العَاصِي الْمعِين وَلَكِن يحْتَمل أَن قَول عمر كَانَ للتغليظ لِأَن هَذَا كلمة تَقُولهَا الْعَرَب عِنْد إِرَادَة الزّجر وَلَيْسَت على حَقِيقَتهَا وَفِيه إبِْطَال الْحِيَل والوسائل إِلَى الْمحرم وَفِيه تَحْرِيم بيع الْخمر وَقَالَ ابْن الْمُنْذر وَغَيره فِيهِ الْإِجْمَاع وشذ من قَالَ يجوز بيعهَا وَيجوز بيع العنقود المستحيل بَاطِنه خمرًا وَقَالَ بَعضهم فِيهِ أَن الشَّيْء إِذا حرم عينه حرم ثمنه قلت هَذَا لَيْسَ بكلي وَقَالَ أَيْضا فِيهِ دَلِيل على أَن بيع الْمُسلم الْخمر من الذِّمِّيّ لَا يجوز وَكَذَا تَوْكِيل الذِّمِّيّ الْمُسلم فِي بيع الْخمر قلت لَا خلاف فِي المسئلة الأولى وَلَا فِي الثَّانِيَة وَلَكِن الْخلاف فِيمَا إِذا وكل الذِّمِّيّ الْمُسلم بِبيع الْخمر والْحَدِيث لَا يدل على مسئلة التَّوْكِيل من الْجَانِبَيْنِ وَفِيه اسْتِعْمَال الْقيَاس فِي الْأَشْبَاه والنظائر وَقَالَ بَعضهم وَاسْتدلَّ بِهِ على تَحْرِيم جثة الْكَافِر إِذا قَتَلْنَاهُ وَأَرَادَ الْكفَّار شِرَاءَهُ قلت وَجه هَذَا الِاسْتِدْلَال من هَذَا الحَدِيث غير ظَاهِرَة -
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute