للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مَاجَه من رِوَايَة سُفْيَان بن عُيَيْنَة، وَفِي الْبَاب عَن ابْن عمر رَوَاهُ ابْن مَاجَه من رِوَايَة يُونُس بن عبيد عَن نَافِع عَن ابْن عمر: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (مطل الْغَنِيّ ظلم وَإِذا أُحِيل أحدكُم على ملي فَليَحْتَلْ) . وَعَن الشريد بن سُوَيْد أخرجه أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه من رِوَايَة مُحَمَّد بن مَيْمُون بن مُسَيْكَة عَن عَمْرو بن الشريد عَن أَبِيه، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لي: الْوَاجِد يحل عرضه وعقوبته، وَعَن جَابر أخرجه الْبَزَّار من رِوَايَة مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر عَنهُ: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (مطل الْغَنِيّ ظلم وَإِذا أتبع أحدكُم على ملي فَليتبعْ) .

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (مطل الْغَنِيّ ظلم) ، المطل فِي الأَصْل من قَوْلهم: مطلت الحديدة أمطلها إِذا مددتها لتطول. وَفِي (الْمُحكم) : المطل التسويف بالعدة وَالدّين، مطله حَقه وَبِه يمطله مطلاً فأمطل. قَالَ الْقَزاز: وَالْفَاعِل ماطل ومماطل، وَالْمَفْعُول: ممطول ومماطل. تَقول: ماطلني ومطلني حَقي. وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: المطل عدم قَضَاء مَا اسْتحق أَدَاؤُهُ مَعَ التَّمَكُّن مِنْهُ. وَقَالَ الْأَزْهَرِي: المطل المدافعة، وَإِضَافَة المطل إِلَى الْغَنِيّ إِضَافَة الْمصدر للْفَاعِل هُنَا وَإِن كَانَ الْمصدر قد يُضَاف إِلَى الْمَفْعُول، لِأَن الْمَعْنى أَنه يحرم على الْغَنِيّ الْقَادِر أَن يمطل بِالدّينِ بعد اسْتِحْقَاقه، بِخِلَاف الْعَاجِز، وَمِنْهُم من قَالَ: إِنَّه مُضَاف للْمَفْعُول، وَالْمعْنَى: أَنه يجب وَفَاء الدّين وَلَو كَانَ مُسْتَحقّه غَنِيا، وَلَا يكون غناهُ سَببا لتأخيره حَقه عَنهُ، فَإِذا كَانَ كَذَلِك فِي حق الْغَنِيّ فَهُوَ فِي حق الْفَقِير أولى، وَفِيه تكلّف وتعسف، وَفِي رِوَايَة ابْن عُيَيْنَة عَن أبي الزِّنَاد عِنْد النَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه: المطل ظلم الْغَنِيّ، وَالْمعْنَى: أَنه من الظُّلم، أطلق ذَلِك للْمُبَالَغَة فِي التنفير عَن المطل، وَقد رَوَاهُ الجوزقي من طَرِيق همام عَن أبي هُرَيْرَة بِلَفْظ: إِن من الظُّلم مطل الْغَنِيّ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: الظُّلم وضع الشَّيْء فِي غير مَوْضِعه لُغَة، وَفِي الشَّرْع: هُوَ محرم مَذْمُوم، وَعَن سَحْنُون: ترد شَهَادَة الملي إِذا مطل لكَونه سمي ظَالِما. وَعند الشَّافِعِي: بِشَرْط التّكْرَار. قَوْله: (فَإِذا أتبع) ، قَالَ الْقُرْطُبِيّ: هُوَ بِضَم الْهمزَة وَسُكُون التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة مَبْنِيا لما لم يسم فَاعله عِنْد الْجَمِيع. وَقَوله: (فَليتبعْ) ، بِالتَّخْفِيفِ من تبِعت الرجل بحقي أتبعه تباعة، بِالْفَتْح: إِذا طلبته، وَقيل: فَليتبعْ، بِالتَّشْدِيدِ وَالْأول أَجود عِنْد الْأَكْثَر. وَقَالَ الْخطابِيّ: إِن أَكثر الْمُحدثين يَقُولُونَهُ بِالتَّشْدِيدِ، وَالصَّوَاب التَّخْفِيف، وَمَعْنَاهُ: إِذا أُحِيل فَليَحْتَلْ، وَقد رَوَاهُ بِهَذَا اللَّفْظ: أَحْمد عَن وَكِيع عَن سُفْيَان الثَّوْريّ عَن أبي الزِّنَاد، وَفِي رِوَايَة ابْن مَاجَه من حَدِيث ابْن عمر بِلَفْظ: فإا أحلّت على ملي فَأتبعهُ وَهَذَا بتَشْديد التَّاء بِلَا خلاف. وَقَالَ الرَّافِعِيّ: الْأَشْهر فِي الرِّوَايَات، وَإِذا اتبع، يَعْنِي بِالْوَاو، وَلِأَنَّهُمَا جملتان لَا تعلق لأحداهما بِالْأُخْرَى. وغفل عَمَّا فِي (صَحِيح البُخَارِيّ) هُنَا فَإِنَّهُ بِالْفَاءِ فِي جَمِيع الرِّوَايَات، وَهُوَ كالتوطئة وَالْعلَّة لقبُول الْحِوَالَة. فَإِن قلت: رَوَاهُ مُسلم بِالْوَاو، وَكَذَا البُخَارِيّ فِي الْبَاب الَّذِي بعده. قلت: نعم لَكِن قَالَ: وَمن اتبع، وَقَوله: لي الْوَاجِد، قَالَ ابْن التِّين: لي الْوَاجِد بِفَتْح اللَّام وَتَشْديد الْيَاء أَي: مطله، يُقَال: لواه بِدِينِهِ ليا وليانا وأصل: لي لوى، اجْتمعت الْوَاو وَالْيَاء، وسبقت إِحْدَاهمَا بِالسُّكُونِ فقلبت الْوَاو يَاء وأدغمت الْيَاء فِي الْيَاء، والواجد، بِالْجِيم: الْغَنِيّ الَّذِي يجد مَا يقْضِي بِهِ دينه. قَوْله: يحل عرضه، أَي: لومه وعقوبته، أَي: حَبسه، هَذَا تَفْسِير سُفْيَان، وَالْعرض مَوضِع الْمَدْح والذم من الْإِنْسَان سَوَاء كَانَ فِي نَفسه أَو فِي سلفه أَو من يلْزمه أمره، وَقيل: هُوَ جَانِبه الَّذِي يصونه من نَفسه وحسبه ويحامي عَنهُ أَن ينتقص ويثلب، وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة: عرض الرجل نَفسه وبدنه لَا غير، وَفِي (الفصيح) : الْعرض ريح الرجل الطّيبَة أَو الخبيثة. وَيُقَال: هُوَ نقي الْعرض، أَي: بَرِيء من أَن يشْتم أَو يعاب. وَقَالَ ابْن خالويه: الْعرض الْجلد، يُقَال: هُوَ نقي الْعرض، أَي: لَا يعاب بِشَيْء. وَقَالَ ابْن الْمُبَارك: يحل عرضه: يغلظ عَلَيْهِ وعقوبته يحبس بِهِ.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: الزّجر عَن المطل. وَاخْتلف: هَل يعد فعله عمدا كَبِيرَة أم لَا؟ فالجمهور على أَن فَاعله يفسق، لَكِن هَل يثبت فسقه بمطله مرّة وَاحِدَة أم لَا؟ قَالَ النَّوَوِيّ: مُقْتَضى مَذْهَبنَا اشْتِرَاط التّكْرَار، ورد عَلَيْهِ السُّبْكِيّ فِي (شرح الْمِنْهَاج) : بِأَن مُقْتَضى مَذْهَبنَا عَدمه، وَاسْتدلَّ بِأَن منع الْحق بعد طلبه وَانْتِفَاء الْعذر عَن أَدَائِهِ كالغصب، وَالْغَصْب كَبِيرَة، وتسميته ظلما يشْعر بِكَوْنِهِ كَبِيرَة، والكبيرة لَا يشْتَرط فِيهَا التّكْرَار. نعم، لَا يحكم عَلَيْهِ بذلك إلَاّ بعد أَن يظْهر عدم عذره انْتهى. وَفِيه: أَن الْعَاجِز عَن الْأَدَاء لَا يدْخل فِي المطل. وَفِيه: أَن الْمُعسر لَا يحبس وَلَا يُطَالب حَتَّى يوسر، وَقيل: لصَاحب

<<  <  ج: ص:  >  >>