للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

باذان: إِنَّه بَلغنِي أَن رجلا من قُرَيْش يزْعم أَنه نَبِي، فسر إِلَيْهِ فاستتبه، فَإِن تَابَ وإلَاّ فَابْعَثْ إِلَيّ بِرَأْسِهِ. فَبعث باذان بكتابه إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَكتب إِلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِن الله وَعَدَني بقتل كسْرَى فِي يَوْم كَذَا وَكَذَا من شهر كَذَا وَكَذَا) . فَلَمَّا أَتَى باذانَ الكتابُ قَالَ: إِن كَانَ نَبيا سَيكون مَا قَالَ. فَقتل الله كسْرَى فِي الْيَوْم الَّذِي قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَالَ الزُّهْرِيّ: فَلَمَّا بلغ باذان بعث بِإِسْلَامِهِ وَإِسْلَام من مَعَه من الْفرس. قَوْله: (فحسبت) الْقَائِل هُوَ: ابْن شهَاب الزُّهْرِيّ، رَاوِي الحَدِيث. أَي قَالَ الزُّهْرِيّ. ظَنَنْت أَن سعيد بن الْمسيب قَالَ ... إِلَى آخِره.

بَيَان استنباط الْأَحْكَام: الأول: فِيهِ جَوَاز الْكِتَابَة بِالْعلمِ إِلَى الْبلدَانِ. الثَّانِي: فِيهِ جَوَاز الدُّعَاء على الْكفَّار إِذا أساؤوا الْأَدَب وأهانوا الدّين. الثَّالِث: فِيهِ أَن الرجل الْوَاحِد يجزىء فِي حمل كتاب الْحَاكِم إِلَى الْحَاكِم، وَلَيْسَ من شَرطه أَن يحملهُ شَاهِدَانِ كَمَا تصنع الْقُضَاة الْيَوْم، قَالَه ابْن بطال. قلت: إِنَّمَا حملُوا على شَاهِدين لما دخل على النَّاس من الْفساد، فاحتيط لتحصين الدِّمَاء والفروج وَالْأَمْوَال بِشَاهِدين.

٦٥ - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ مُقاتِلٍ أُبو الحَسَنِ أخْبَرَنا عبدُ اللَّهِ قَالَ: أخْبَرَنا شُعْبَةُ عَن قَتادَةَ عَن أَنَسِ بْنِ مالِكٍ قَالَ: كَتَبَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كِتَاباً أَو أَرادَ أنْ يَكْتُبَ فَقِيلَ لَهُ: إنِّهمْ لَا يقْرَأُنَ كِتاباً إلَاّ مَخْتُوماً، فاتَّخَذَ خاتَماً مِنْ فِضَّةٍ نَقْشُهُ: مُحَمَّدٌ رسولُ الله، كأَنِّي أَنْظُرُ إلَى بَيَاضِهِ فِي يَدِهِ، فَقُلْتُ لِقَتَادَةَ: مَنْ قَالَ: نَقْشُهُ مُحَمدٌ رسولُ الله؟ قَالَ أنَسٌ..

هَذَا يُطَابق الْجُزْء الْأَخير للتَّرْجَمَة، وَهُوَ ظَاهر.

بَيَان رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: أَبُو الْحسن مُحَمَّد بن مقَاتل، بِصِيغَة الْفَاعِل، من الْمُقَاتلَة بِالْقَافِ وبالمثناة من فَوق، الْمروزِي، شيخ البُخَارِيّ، انْفَرد بِهِ عَن الْأَئِمَّة الْخَمْسَة، روى عَن ابْن الْمُبَارك ووكيع، وروى عَنهُ أَحْمد بن حَنْبَل وَأَبُو زرْعَة وَأَبُو حَاتِم وَمُحَمّد بن عبد الرحمان النَّسَائِيّ. قَالَ الْخَطِيب: كَانَ ثِقَة، وَقَالَ أَبُو حَاتِم: صَدُوق، توفّي آخر سنة سِتّ وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ. الثَّانِي: عبد اللَّه بن الْمُبَارك، وَقد تقدم ذكره. الثَّالِث: شُعْبَة بن الْحجَّاج. الرَّابِع: قَتَادَة بن دعامة السدُوسِي. الْخَامِس: أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ، وَقد تقدمُوا.

بَيَان لطائف إِسْنَاده: وَمِنْهَا أَن فِيهِ التحديث والإخبار والعنعنة. وَمِنْهَا: أَن رُوَاته مَا بَين مروزي وواسطي وبصري، وَمِنْهَا: أَن رُوَاته أَئِمَّة أجلاء.

بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْجِهَاد عَن عَليّ بن الْجَعْد، وَفِي اللبَاس عَن آدم، وَفِي الْأَحْكَام عَن بنْدَار عَن غنْدر، وَأخرجه مُسلم فِي اللبَاس عَن أبي مُوسَى وَبُنْدَار، كِلَاهُمَا عَن غنْدر، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الزِّينَة، وَفِي السّير، وَفِي الْعلم، وَفِي التَّفْسِير عَن حميد بن مسْعدَة عَن بشر بن الْمفضل، خمستهم عَنهُ بِهِ.

بَيَان اللُّغَات: قَوْله: (مَخْتُومًا) ، من ختمت الشَّيْء ختماً فَهُوَ مختوم، ومختم، شدد للْمُبَالَغَة، وَختم الله لَهُ بِالْخَيرِ، وختمت الْقُرْآن: بلغت آخِره، واختتمت الشَّيْء نقيض افتتحت. قَوْله: (خَاتمًا) فِيهِ لُغَات، الْمَشْهُور مِنْهَا أَرْبَعَة: فتح التَّاء، وَكسرهَا، وخاتام، وخيتام، وَالْجمع: الْخَوَاتِم. وتختمت إِذا لبسته، والختام الَّذِي يخْتم بِهِ. قَوْله: (نقشه) ، من نقشت الشَّيْء فَهُوَ منقوش، وَقَالَ ابْن دُرَيْد: النقش نقشك الشَّيْء بلونين، أَو ألوان كَائِنا مَا كَانَ، والنقاش الَّذِي ينقشه والنقاشة حرفته.

بَيَان الْإِعْرَاب: قَوْله: (كتابا) مفعول كتب، وَهُوَ مفعول بِهِ لِأَن الْكتاب هُنَا اسْم غير مصدر. قَوْله: (أَن يكْتب) ، جملَة فِي مَحل النصب لِأَنَّهَا مفعول: أَرَادَ، وَأَن، مَصْدَرِيَّة أَي: الْكِتَابَة. قَوْله: (إلَاّ مَخْتُومًا) ، نصب على الِاسْتِثْنَاء لِأَنَّهُ من كَلَام غير مُوجب. قَوْله: (خَاتمًا) مفعول إتخذ، وَكلمَة: من، فِي: من فضَّة، بَيَانِيَّة. قَوْله: (نقشه) كَلَام إضافي مَرْفُوع بِالِابْتِدَاءِ. وَقَوله: (مُحَمَّد رَسُول الله) جملَة إسمية من الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر، خبر الْمُبْتَدَأ. فَإِن قلت: الْجُمْلَة إِذا وَقعت خَبرا لَا بُد لَهَا من عَائِد. قلت: إِذا كَانَ الْخَبَر عين الْمُبْتَدَأ لَا حَاجَة إِلَيْهِ. قَالَ الْكرْمَانِي: وَهِي وَإِن كَانَت جملَة، وَلكنهَا فِي تَقْدِير الْمُفْرد، تَقْدِيره: نقشه هَذِه الْكَلِمَات. قلت: هَذِه الْكَلِمَات، أَيْضا جملَة، لِأَنَّهَا مُبْتَدأ وَخبر. قَوْله: (كَأَنِّي) أصل: كَأَن، للتشبيه لَكِنَّهَا هَهُنَا للتحقيق، ذكره الْكُوفِيُّونَ والزجاج، وَمَعَ هَذَا لَا يَخْلُو عَن معنى التَّشْبِيه. قَوْله: (أنظر إِلَى بياضه) جملَة فِي مَحل الرّفْع على أَنَّهَا خبر: كَأَن. قَوْله: (فِي يَده) حَال إِمَّا من الْبيَاض، أَو من الْمُضَاف إِلَيْهِ، أَي كَأَنِّي انْظُر إِلَى بَيَاض الْخَاتم حَال كَون الْخَاتم فِي يَد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. فَإِن قلت: الْخَاتم لَيْسَ فِي الْيَد، بل فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>