تعرض لهَذَا الَّذِي ذَكرْنَاهُ. الثَّالِث: قَالَ الْكرْمَانِي: وَهَذَا الحَدِيث رَوَاهُ مُعَلّقا، وَهُوَ إِمَّا بِمَعْنى الحَدِيث الَّذِي ذكره بعده بِالْإِسْنَادِ، فَهُوَ من بَاب نقل الحَدِيث بِالْمَعْنَى، وَإِمَّا أَنه ثَبت عِنْده بِهَذَا اللَّفْظ من طَرِيق آخر. وَقَالَ الشَّيْخ قطب الدّين: وَقد جَاءَت لَفْظَة التَّرْجَمَة فِي التِّرْمِذِيّ من رِوَايَة عبد الرحمان بن عبد اللَّه بن مَسْعُود عَن أَبِيه، قَالَ: سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: (نضر الله أمرأ سمع منَّا شَيْئا فَبَلغهُ كَمَا سمع، فَرب مبلغ اوعى من سامع) . قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن صَحِيح. قلت: كل مِنْهُمَا قد أبعد وتعسف، وَالَّذِي يَنْبَغِي أَن يُقَال هُوَ: إِن هَذَا حَدِيث مُعَلّق، أورد البُخَارِيّ مَعْنَاهُ فِي هَذَا الْبَاب، وَأما لَفظه: فَهُوَ مَوْصُول عِنْده فِي: بَاب الْخطْبَة بمنى، من كتاب الْحَج، أخرجه من طَرِيق قُرَّة بن خَالِد عَن مُحَمَّد بن سِيرِين، قَالَ: أَخْبرنِي عبد الرَّحْمَن بن أبي بكرَة، وَرجل آخر أفضل فِي نَفسِي من عبد الرَّحْمَن بن حميد بن عبد الرَّحْمَن، كِلَاهُمَا عَن أبي بكرَة، قَالَ: (خَطَبنَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَوْم النَّحْر، قَالَ: أَتَدْرُونَ أَي يَوْم هَذَا؟) وَفِي آخِره هَذَا اللَّفْظ. وَقد أخرج التِّرْمِذِيّ. فِي (جَامعه) وَابْن حباب وَالْحَاكِم فِي (صَحِيحَيْهِمَا) من حَدِيث زيد بن ثَابت، رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: (نصر الله أمرأ سمع مَقَالَتي فحفظها ووعاها فأداها إِلَى من لم يسْمعهَا، فَرب حَامِل فقه غير فَقِيه، وَرب حَامِل فقه إِلَى من هُوَ أفقه مِنْهُ) . قَالَ التِّرْمِذِيّ: حسن. وَقَالَ الْحَاكِم: صَحِيح على شَرط الشَّيْخَيْنِ. قَوْله: (نضر) بِالتَّشْدِيدِ أَكثر من التَّخْفِيف، أَي: حسن، وَيُقَال: نضر الله وَجهه، ونضر، بِالضَّمِّ وَالْكَسْر، حَكَاهُمَا الْجَوْهَرِي. قلت: وَجَاء: نضر، بِالْفَتْح أَيْضا، حَكَاهُ أَبُو عبيد. والمصدر: نضارة ونضرة أَيْضا، وَهُوَ: الْحسن والرونق. فَإِن قلت: كَيفَ قَالَ التِّرْمِذِيّ لحَدِيث ابْن مَسْعُود: وَهُوَ حَدِيث حسن صَحِيح، وَقد تكلم النَّاس فِي سَماع عبد الرحمان عَن أَبِيه، فَقَالُوا: كَانَ صَغِيرا؟ وَقَالَ يحيى بن معِين: عبد الرَّحْمَن وَأَبُو عُبَيْدَة ابْنا عبد اللَّه ابْن مَسْعُود لم يسمعا من أَبِيهِمَا. وَقَالَ أَحْمد: مَاتَ عبد اللَّه ولعَبْد الرَّحْمَن ابْنه سِتّ سِنِين أَو نَحْوهَا؟ قلت: كَأَنَّهُ لم يعبأ بِمَا قيل فِي عدم سَماع عبد الرَّحْمَن من أَبِيه لصغره، وَقَالَ الشَّيْخ قطب الدّين: لم يخرج البُخَارِيّ لأبي عُبَيْدَة شَيْئا، وَأخرج هُوَ وَمُسلم لعبد الرَّحْمَن عَن مَسْرُوق، فَلَمَّا كَانَ الحَدِيث لَيْسَ من شَرطه جعله فِي التَّرْجَمَة. قلت: هَذَا بِنَاء على تعسفه فِيمَا ذَكرْنَاهُ، وَالَّذِي جعله فِي التَّرْجَمَة قد ذكره فِي كتاب الْحَج على مَا ذكرنَا. الرَّابِع: قَوْله: (رب) هُوَ للتقليل، لكنه كثر فِي الِاسْتِعْمَال للتكثير بِحَيْثُ غلب حَتَّى صَارَت كَأَنَّهَا حَقِيقَة فِيهِ، وَهِي حرف خلافًا للكوفيين فِي دَعْوَى إسميته، وَقَالُوا: قد أخبر عَنهُ الشَّاعِر فِي قَوْله.
(وَرب قتل عَار)
وَأجِيب: بِأَن عَار، خبر لمبتدأ مَحْذُوف، وَالْجُمْلَة صفة للمجرور، أَو خبر للمجرور، إِذْ هُوَ فِي مَوضِع مُبْتَدأ، وينفرد: رب، بِوُجُوب تصديرها وتنكير مجرورها ونعته إِن كَانَ ظَاهرا، وإفراده وتذكيره وتمييزه بِمَا يُطَابق الْمَعْنى إِن كَانَ ضميراً، وَغَلَبَة حذف معداها ومضيه، وَوُجُوب كَون فعلهَا مَاضِيا لفظا أَو معنى. وَقَالَ الْكرْمَانِي: وفيهَا لُغَات عشر، ثمَّ عدهَا. قلت: فِيهَا سِتّ عشرَة لُغَة: ضم الرَّاء، وَفتحهَا، وَكِلَاهُمَا مَعَ التَّشْدِيد وَالتَّخْفِيف، وَالْأَوْجه الْأَرْبَعَة مَعَ تَاء التَّأْنِيث الساكنة أَو المتحركة، أَو مَعَ التجرد مِنْهَا، فَهَذِهِ اثْنَتَيْ عشرَة، وَالضَّم وَالْفَتْح مَعَ إسكان الْبَاء، وَضم الحرفين مَعَ التَّشْدِيد وَمَعَ التَّخْفِيف. قَوْله: (مبلغ) ، بِفَتْح اللَّام أَي: مبلغ إِلَيْهِ، فَحذف الْجَار وَالْمَجْرُور كَمَا يُقَال الْمُشْتَرك وَيُرَاد بِهِ الْمُشْتَرك فِيهِ. قَوْله: (أوعى) أفعل التَّفْضِيل من الوعي، وَهُوَ الْحِفْظ. فَإِن قلت: كَيفَ إِعْرَاب هَذَا الْكَلَام؟ قلت: إعرابه على مَذْهَب الْكُوفِيّين: أَن (رب مبلغ) ، كَلَام إضافي مُبْتَدأ، وَقَوله (أوعى من سامع) خَبره، وَالْمعْنَى: رب مبلغ إِلَيْهِ عني أفهم وأضبط لما أَقُول من سامع مني، وَلَا بُد من هَذَا الْقَيْد لِأَن الْمَقْصُود ذَلِك، وَقد صرح بذلك ابْن مَنْدَه فِي رِوَايَته من طَرِيق هودة عَن ابْن عون، وَلَفظه: (فَإِنَّهُ عَسى أَن يكون بعض من لم يشْهد أوعى لما أَقُول من بعض من شهد) . وَأما على مَذْهَب الْبَصرِيين، فَإِن قَوْله: (مبلغ) ، وَإِن كَانَ مجروراً بِالْإِضَافَة، وَلكنه مَرْفُوع على الِابْتِدَاء محلا. وَقَوله: (أوعى) صفة لَهُ، وَالْخَبَر مَحْذُوف وَتَقْدِيره: يكون أَو يُوجد، أَو نَحْوهمَا. وَقَالَ النُّحَاة فِي نَحْو: رب رجل صَالح عِنْدِي، مَحل مجرورها رفع على الابتدائية وَفِي نَحْو: رب رجل لَقيته، نصب على المفعولية، وَفِي نَحْو: رب رجل صَالح لَقيته، رفع أَو نصب كَمَا فِي قَوْلك: هَذَا لَقيته.
٦٧ - حدّثنا مُسَدَّدٌ قَالَ: حدّثنا بِشْرُ قَالَ: حدّثنا ابنُ عَوْنٍ عَن ابنِ سِيرِينَ عَن عبدِ الرَّحْمَنِ بن أبي بَكْرَةَ عَن أبِيهِ، ذَكَرَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قعَدَ على بَعِيرِهِ وأمْسَك إنسانٌ بِخِطامِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute