مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَعبيد الله بن أبي جَعْفَر وَاسم أبي جَعْفَر: يسَار الْأمَوِي الْقرشِي الْمصْرِيّ، وَمُحَمّد بن عبد الرَّحْمَن أَبُو الْأسود يَتِيم عُرْوَة بن الزبير، وَقد تقدما فِي الْغسْل. وَنصف الْإِسْنَاد الأول مصريون وَالنّصف الثَّانِي مدنيون.
وَهَذَا الحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله:(أعمر) بِفَتْح الْهمزَة من بَاب الْأَفْعَال من الثلاثي الْمَزِيد فِيهِ، وَقَالَ عِيَاض: كَذَا وَقع، وَالصَّوَاب عمر ثلاثياً قَالَ تَعَالَى:{وعمروها أَكثر مِمَّا عمروها}(الرّوم: ٩) . وَكَذَا قَالَ فِي (الْمطَالع) وَقَالَ ابْن بطال: وَيحْتَمل أَن يكون أَصله: من اعْتَمر أَرضًا، وَسَقَطت التَّاء من الأَصْل. قلت: لَا حَاجَة إِلَى هَذَا الْكَلَام مَعَ مَا فِيهِ من توهم الْغَلَط، لِأَن صَاحب (الْعين) ذكر: أعمرت الأَرْض، وَقَالَ غَيره: يُقَال: أعمر الله بَاب مَنْزِلك، فَالْمُرَاد من أعمر أَرضًا بِالْإِحْيَاءِ فَهُوَ أَحَق، أَي: أَحَق بِهِ من غَيره، وَإِنَّمَا حذف هَذَا الَّذِي قدرناه للْعلم بِهِ، وَوَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر: من أعمر، على بِنَاء الْمَجْهُول أَي: من أعْمرهُ غَيره، فَالْمُرَاد من الْغَيْر الإِمَام، وَهَذَا يدل على أَن إِذن الإِمَام لَا بُد مِنْهُ، وَوَقع فِي (جمع الْحميدِي) : من عمر، ثلاثياً، وَكَذَا وَقع عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ من وَجه آخر: عَن يحيى بن بكير شيخ البُخَارِيّ فِيهِ. قَوْله:(فَهُوَ أَحَق) ، زَاد الْإِسْمَاعِيلِيّ:(فَهُوَ أَحَق بهَا) ، أَي: من غَيره، وَاحْتج بِهِ الشَّافِعِي وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد على أَنه لَا يحْتَاج فِيهِ إِلَى إِذن الإِمَام فِيمَا قرب وَفِيمَا بعد، وَعَن مَالك: فِيمَا قرب لَا بُد من إِذن الإِمَام وَإِن كَانَ فِي فيافي الْمُسلمين والصحارى وَحَيْثُ لَا يتشاح النَّاس فِيهِ فَهِيَ لَهُ بِغَيْر إِذْنه، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَيْسَ لأحد أَن يحيي مواتاً إلَاّ بِإِذن الإِمَام فِيمَا بَعدت وَقربت، فَإِن أَحْيَاهُ بِغَيْر إِذْنه لم يملكهُ، وَبِه قَالَ مَالك فِي رِوَايَة، وَهُوَ قَول مَكْحُول وَابْن سِيرِين وَابْن الْمسيب وَالنَّخَعِيّ.
وَاحْتج أَبُو حنيفَة بقوله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:(لَا حمى إلَاّ لله وَلِرَسُولِهِ) فِي (الصَّحِيحَيْنِ) والحمى: مَا حمي من الأَرْض فَدلَّ أَن حكم الْأَرْضين إِلَى الْأَئِمَّة لَا إِلَى غَيرهم. فَإِن قلت: احْتج الطَّحَاوِيّ لِلْجُمْهُورِ مَعَ حَدِيث الْبَاب بِالْقِيَاسِ على مَاء الْبَحْر وَالنّهر، وَمَا يصاد من طير وحيوان، فَإِنَّهُم اتَّفقُوا على أَن مَا أَخذه أَو صَاده ملكه، سَوَاء قرب أَو بعد، وَسَوَاء أذن الإِمَام أم لم يَأْذَن. قلت: هَذَا قِيَاس بالفارق، فَإِن الإِمَام لَا يجوز لَهُ تمْلِيك مَاء نهر لأحد، وَلَو ملك رجلا أَرضًا ملكه، وَلَو احْتَاجَ الإِمَام إِلَى بيعهَا فِي نَوَائِب الْمُسلمين جَازَ بَيْعه لَهَا، وَلَا يجوز ذَلِك فِي مَائِهِمْ وَلَا صيدهم وَلَا نهرهم، وَلَيْسَ للْإِمَام بيعهَا وَلَا تمليكها لأحد، وَإِن الإِمَام فِيهَا كَسَائِر النَّاس. وَاحْتج بَعضهم لأبي حنيفَة بِحَدِيث معَاذ يرفعهُ:(إِنَّمَا للمرء مَا طابت بِهِ نفس إِمَامه) . قلت: هَذَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث بَقِيَّة عَن رجل لم يسمه عَن مَكْحُول عَنهُ، وَقَالَ: هَذَا مُنْقَطع فِيمَا بَين مَكْحُول وَمن فَوْقه، وَفِيه رجل مَجْهُول، وَلَا حجَّة فِي مثل هَذَا الْإِسْنَاد. فَإِن قلت: رَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة من حَدِيث عَمْرو بن وَاقد عَن مُوسَى بن يسَار عَن مَكْحُول عَن جُنَادَة بن أبي أُميَّة عَن معَاذ؟ قلت: قَالَ: عَمْرو مَتْرُوك بِاتِّفَاق.
وَأجِيب: عَن أَحَادِيث الْبَاب بِأَنَّهُ يحْتَمل أَن يكون مَعْنَاهَا: من أَحْيَاهَا على شَرَائِط الْإِحْيَاء فَهِيَ لَهُ، وَمن شَرَائِطه: تحظيرها، وَإِذن لَهُ فِي ذَلِك، وتمليكه إِيَّاهَا. وَيُؤَيّد هَذَا مَا رَوَاهُ أَحْمد عَن سَمُرَة بن جُنْدُب، وَقد ذَكرْنَاهُ عَن قريب، وَعَن الطَّحَاوِيّ: عَن مُحَمَّد بن عبيد الله بن سعيد أبي عون الثَّقَفِيّ الْأَعْوَر الْكُوفِي التَّابِعِيّ، قَالَ: خرج رجل من أهل الْبَصْرَة يُقَال لَهُ: أَبُو عبد الله إِلَى عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَقَالَ: إِن بِأَرْض الْبَصْرَة أَرضًا لَا تضر بِأحد من الْمُسلمين وَلَيْسَ بِأَرْض خراج. فَإِن شِئْت أَن تقطعنيها اتخذها قضباً وَزَيْتُونًا! فَكتب عمر إِلَى أبي مُوسَى: إِن كَانَت حمى فاقطعها إِيَّاه، أفَلَا تَرى أَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لم يَجْعَل لَهُ أَخذهَا وَلَا جعل لَهُ ملكهَا إلَاّ بإقطاع خَليفَة ذَلِك الرجل إِيَّاهَا وَلَوْلَا ذَلِك لَكَانَ يَقُول لَهُ: وَمَا حَاجَتك إِلَى إقطاعي إياك تحميها وتعمرها فتملكها فَدلَّ ذَلِك أَن الْإِحْيَاء عِنْد عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، هُوَ مَا أذن الإِمَام فِيهِ للَّذي يَتَوَلَّاهُ ويملكه إِيَّاه. قَالَ الطَّحَاوِيّ: وَقد دلّ على ذَلِك أَيْضا مَا حَدثنَا بِهِ ابْن مَرْزُوق، قَالَ: حَدثنَا أَزْهَر السمان عَن ابْن عون عَن مُحَمَّد، قَالَ: قَالَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: لنا رِقَاب الأَرْض، فَدلَّ ذَلِك على أَن رِقَاب الْأَرْضين كلهَا إِلَى أَئِمَّة الْمُسلمين، وَأَنَّهَا لَا تخرج من أَيْديهم إلَاّ بإخراجهم إِيَّاهَا إِلَى من رَأَوْا على حسن النّظر