هَذَا. وَأعلم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بذلك أَنه سَيكون كَذَا وَأخْبرهُ بذلك فِي صُورَة الْكَائِن، لِأَن الَّذِي يُخبرهُ عَن الْمُسْتَقْبل كالواقع لِأَنَّهُ مخبر صَادِق، وكل مَا يُخبرهُ من المغيبات الْآتِيَة كَائِن لَا محَالة. وَالثَّانِي: قَوْله: وَأما الْإِسْلَام، فقد أَمر بقتل الْكلاب لَا يقوم بِهِ دَلِيل على مدعاه، لِأَن أمره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقتل الْكلاب فِي أول الْإِسْلَام، ثمَّ نسخ ذَلِك بِإِبَاحَة الِانْتِفَاع بهَا للصَّيْد وللماشية وَالزَّرْع، وَلَا شكّ أَن الْإِبَاحَة بعد التَّحْرِيم نسخ لذَلِك التَّحْرِيم، وَرفع لحكمه. وَالثَّالِث: دَعْوَى الْخُصُوص تحكم وَلَا دَلِيل عَلَيْهِ، لِأَن تَخْصِيص الْعَام بِلَا دَلِيل إِلْغَاء لحكمه الَّذِي تنَاوله، فَلَا يجوز، وَالْعجب من النَّوَوِيّ أَيْضا أَنه ادّعى عُمُوم الحَدِيث الْمَذْكُور للحيوان الْمُحْتَرَم، وَهُوَ أَيْضا لَا دَلِيل عَلَيْهِ، وأصل الحَدِيث مَبْنِيّ على إِظْهَار الشَّفَقَة لمخلوقات الله تَعَالَى من الْحَيَوَانَات، وَإِظْهَار الشَّفَقَة لَا يُنَافِي إِبَاحَة قتل المؤذي من الْحَيَوَانَات، وَيفْعل فِي هَذَا مَا قَالَه ابْن التَّيْمِيّ: لَا يمْتَنع إجراؤه على عُمُومه، يَعْنِي: فيسقي ثمَّ يقتل، لأَنا أمرنَا بِأَن نحسن القتلة ونهينا عَن الْمثلَة، فعلى قَول مدعي الْخُصُوص: الْكَافِر الْحَرْبِيّ وَالْمُرْتَدّ الَّذِي اسْتمرّ على ارتداده إِذا قدما للْقَتْل، وَكَانَ الْعَطش قد غلب عَلَيْهِمَا، يَنْبَغِي أَن يَأْثَم من يسقيهما لِأَنَّهُمَا غير محترمين فِي ذَلِك الْوَقْت، وَلَا يمِيل قلب شفوق فِيهِ رَحْمَة إِلَى منع السَّقْي عَنْهُمَا، يسقيان ثمَّ يقتلان.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: قَالَ بَعضهم: فِيهِ: جَوَاز السّفر مُنْفَردا وَبِغير زَاد. قلت: قد ورد النَّهْي عَن سفر الرجل وَحده، والْحَدِيث لَا يدل على أَن رجلا كَانَ مُسَافِرًا، لِأَنَّهُ قَالَ: (بَينا رجل يمشي) ، فَيجوز أَن يكون مَاشِيا فِي أَطْرَاف مَدِينَة أَو عمَارَة، أَو كَانَ مَاشِيا فِي مَوضِع فِي مدينته. وَكَانَ خَالِيا من السكان. فَإِن قلت: قد مضى فِي أَوَائِل الْبَاب أَن فِي رِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ: يمشي بفلاة، وَفِي رِوَايَة أُخْرَى: يمشي بطرِيق مَكَّة؟ قلت: لَا يلْزم من ذَلِك أَن يكون الرجل الْمَذْكُور مُسَافِرًا، وَلَئِن سلمنَا أَنه كَانَ مُسَافِرًا لَكِن يحْتَمل أَنه كَانَ مَعَه قوم فَانْقَطع مِنْهُم فِي الفلاة لضَرُورَة عرضت لَهُ، فَجرى لَهُ مَا جرى فَلَا يفهم مِنْهُ جَوَاز السّفر وَحده فَافْهَم. وَأما السّفر بِغَيْر زَاد، فَإِن كَانَ فِي علمه أَنه يحصل لَهُ الزَّاد فِي طَرِيقه فَلَا بَأْس، وَإِن كَانَ يتَحَقَّق عَدمه فَلَا يجوز لَهُ بِغَيْر الزَّاد. وَفِيه: الْحَث على الْإِحْسَان إِلَى النَّاس، لِأَنَّهُ إِذا حصلت الْمَغْفِرَة بِسَبَب سقِِي الْكَلْب، فسقي بني آدم أعظم أجرا. وَفِيه: أَن سقِِي المَاء من أعظم القربات. قَالَ بعض التَّابِعين: من كثرت ذنُوبه فَعَلَيهِ بسقي المَاء، فَإِذا غفرت ذنُوب الَّذِي سقى كَلْبا فَمَا ظنكم بِمن سقى مُؤمنا موحداً وأحياه بذلك؟ وَقَالَ ابْن التِّين: وَرُوِيَ عَنهُ مَرْفُوعا: أَنه دخل على رجل فِي السِّيَاق، فَقَالَ لَهُ: مَاذَا ترى؟ فَقَالَ: أرى ملكَيْنِ يتأخران وأسودين يدنوان، وأري الشَّرّ ينمى وَالْخَيْر يضمحل، فأعني مِنْك بدعوة يَا نَبِي الله، فَقَالَ: أللهم أشكر لَهُ الْيَسِير، واعف عَنهُ الْكثير، ثمَّ قَالَ لَهُ: مَاذَا ترى؟ فَقَالَ: أرى ملكَيْنِ يدنوان والأسودين يتأخران، وَأرى الْخَيْر ينمي وَالشَّر يضمحل. قَالَ: فَمَا وجدت أفضل عَمَلك؟ قَالَ: سقِِي المَاء. وَفِي حَدِيث سُئِلَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَي الصَّدَقَة أفضل؟ قَالَ: سقِِي المَاء. وَفِيه: مَا احْتج بِهِ على جَوَاز الصَّدَقَة على الْمُشْركين لعُمُوم قَوْله: أجر. وَفِيه: أَن المجازاة على الْخَيْر وَالشَّر قد يكون يَوْم الْقِيَامَة من جنس الْأَعْمَال، كَمَا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من قتل نَفسه بحديدة عذب بهَا فِي نَار جَهَنَّم، وَقَالَ بَعضهم: يَنْبَغِي أَن يكون مَحَله، مَا إِذا لم يُوجد هُنَاكَ مُسلم، فالمسلم أَحَق. قلت: هَذَا قيد لَا يعْتَبر بِهِ، بل تجوز الصَّدَقَة على الْكَافِر، سَوَاء يُوجد هُنَاكَ مُسلم أَو لَا، وَقَالَ بَعضهم أَيْضا: وَكَذَا إِذا دَار الْأَمر بَين الْبَهِيمَة والآدمي الْمُحْتَرَم واستويا فِي الْحَاجة، فالآدمي أَحَق. قلت: إِنَّمَا يكون أَحَق فِيمَا إِذا قسم بَينهمَا، يخَاف على الْمُسلم من الْهَلَاك، إو إِذا أَخذ جُزْءا للبهيمة يخَاف على الْمُسلم، فَأَما إِذا لم يُوجد وَاحِد مِنْهُمَا يَنْبَغِي أَن لَا تحرم الْبَهِيمَة أَيْضا، لِأَنَّهَا ذَات كبد رطبَة.
تابَعَهُ حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ والرَّبِيعُ بنُ مُسْلِمٍ عنْ مُحَمَّدِ بنِ زِيادٍ
٤٦٣٢ - حدَّثنا ابنُ أبِي مرْيَمَ حدَّثَنَا نافِعُ بنُ عُمَرَ عنِ ابنِ أبِي مُلَيْكَةَ عنْ أسْماءَ بِنْتِ أبِي بَكْرٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلَّى صَلاةَ الكُسُوفِ فقالَ دَنَتْ مِنِّي النَّارُ حتَّى قُلْتُ أيْ رَبِّ وأنَا مَعَهُمْ فإذَا امْرَأَةٌ حَسِبْتُ أنَّهُ قَالَ تخْدِشُها هِرَّةٌ قَالَ مَا شأْنُ هَذِهِ قَالُوا حبَسَتْها حتَّى ماتَتْ جوعا. (انْظُر الحَدِيث ٥٤٧) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute