الحَدِيث عَن عَاصِم عَن دَاوُد بن جميل عَن كثير بن قيس عَن أبي الدَّرْدَاء، وَهَذَا أصح من حَدِيث مَحْمُود، وَلَا يعرف هَذَا الحَدِيث إلَاّ من حَدِيث عَاصِم. وَلَيْسَ إِسْنَاده عِنْدِي بمتصلٍ وَفِي (علل) الدَّارَقُطْنِيّ رَوَاهُ الْأَوْزَاعِيّ عَن كثير بن قيس، عَن يزِيد بن سَمُرَة عَن أبي الدَّرْدَاء. قَالَ: وَلَيْسَ بِمَحْفُوظ. وَقَالَ ابْن عبد الْبر: لم يقمه الْأَوْزَاعِيّ، وَقد خلط فِيهِ. وَقَالَ حَمْزَة: رَوَاهُ الْأَوْزَاعِيّ عَن عبد السَّلَام بن سليم عَن يزِيد بن سَمُرَة وَغَيره من أهل الْعلم عَن كثير بن قيس. قَالَ أَبُو عمر: وَعَاصِم بن رَجَاء، هَذَا ثِقَة مَشْهُور، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: عَاصِم بن رَجَاء وَمن فَوْقه إِلَى أبي الدَّرْدَاء ضعفاء، وَلَا يثبت. قَالَ: دَاوُد بن جميل، مَجْهُول، وَقَالَ الْبَزَّار: دَاوُد بن جميل وَكثير بن قيس لَا يعلمَانِ فِي غير هَذَا الحَدِيث، وَلَا نعلم روى عَن كثير غير دَاوُد والوليد بن مرّة، وَلَا نعلم روى عَن دَاوُد عَن غير عَاصِم. قَالَ ابْن الْقطَّان: اضْطربَ فِيهِ عَاصِم، فَعَنْهُ فِي ذَلِك ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهَا: قَول عبد اللَّه بن دَاوُد عَن عَاصِم بن دَاوُد عَن كثير بن قيس. الثَّانِي: قَول أبي نعيم عَن عَاصِم عَمَّن حَدثهُ عَن كثير. الثَّالِث: قَول مُحَمَّد بن يزِيد الوَاسِطِيّ عَن عَاصِم عَن كثير، لم يذكر بَينهمَا أحد. والمتحصل من حَال هَذَا الْخَبَر هُوَ الْجَهْل بِحَال رَاوِيَيْنِ من رُوَاته، وَالِاضْطِرَاب فِيهِ مِمَّن لم يثبت عَدَالَته. انْتهى. وَقد مر من عِنْد التِّرْمِذِيّ أَن مُحَمَّد بن يزِيد روى عَن مَحْمُود بن خِدَاش فَسَماهُ قيس بن كثير، فَصَارَ اضطراباً رَابِعا، وَالْخَامِس: قَالَ فِي (التَّهْذِيب) : دَاوُد بن جميل، وَقَالَ بَعضهم: الْوَلِيد بن جميل. وَفِي (جَامع بَيَان الْعلم) لِابْنِ عبد الْبر، من رِوَايَة ابْن عَبَّاس عَن عَاصِم عَن جميل بن قيس، ثمَّ قَالَ: قَالَ حَمْزَة بن مُحَمَّد، كَذَا قَالَ ابْن عَيَّاش: فِي هَذَا الْخَبَر جميل بن قيس. وَقَالَ مُحَمَّد بن يزِيد وَغَيره عَن عَاصِم عَن كثير بن قيس، قَالَ: وَالْقلب إِلَى مَا قَالَه مُحَمَّد بن يزِيد أميل، وَهَذَا اضْطِرَاب سادس. وسابع: ذكره الدَّارَقُطْنِيّ، وَقد تقدم. وثامن: ذكره ابْن قَانِع فِي كتاب الصَّحَابَة، وَزعم أَن كثير بن قيس صَحَابِيّ، وَأَنه هُوَ الرَّاوِي عَن النَّبِي، صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم، هَذَا الحَدِيث، وَتبع ابْن القانع ابْن الْأَثِير على هَذَا. وَقَول ابْن الْقطَّان: لَا يعلم كثير فِي غير هَذَا الحَدِيث يردهُ قَول أبي عمر: روى عَن أبي الدَّرْدَاء، وَعبد اللَّه بن عمر بن الْخطاب، رَضِي الله عَنْهُمَا، وَمَعَ ذَلِك فقد قَالَ أَبُو عمر: قَالَ حَمْزَة: وَهُوَ حَدِيث حسن غَرِيب. وَالْتزم الْحَاكِم صِحَّته، وَكَذَلِكَ ابْن حبَان رَوَاهُ عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق الثَّقَفِيّ: ثَنَا عبد الْأَعْلَى بن حَمَّاد، قَالَ: ثَنَا عبد اللَّه بن دَاوُد، فَذكره مطولا. وَلما ذكر فِي (كتاب الضُّعَفَاء) تأليفه حَدِيث جَابر بن عبد اللَّه قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (أكْرمُوا الْعلمَاء فَإِنَّهُم وَرَثَة الْأَنْبِيَاء) قَالَ: فِيهِ الضَّحَّاك بِهِ حَمْزَة، وَلَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ. وَقد رُوِيَ: (الْعلمَاء وَرَثَة الْأَنْبِيَاء) بأسانيد صَالِحَة، وَرَوَاهُ أَبُو عمر من حَدِيث الْوَلِيد بن مُسلم عَن خَالِد بن يزِيد عَن عُثْمَان بن أَيمن عَن أبي الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ، وَلما ذكر الْخَطِيب فِي (تَارِيخه) حَدِيث نَافِع عَن مَوْلَاهُ ابْن عمر أَن رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: (حَملَة الْعلم فِي الدُّنْيَا خلفاء الْأَنْبِيَاء، وَفِي الْآخِرَة من الشُّهَدَاء) . قَالَ: هَذَا حَدِيث مُنكر لم نَكْتُبهُ إلَاّ بِهَذَا السَّنَد، وَهُوَ غير ثَابت، وَإِنَّمَا سمى الْعلمَاء وَرَثَة الْأَنْبِيَاء لقَوْله تَعَالَى: {ثمَّ أَوْرَثنَا الْكتاب الَّذين اصْطَفَيْنَا من عبادنَا} (فاطر: ٣٢) . قَوْله: (ورثوا الْعلم) ، بِفَتْح الْوَاو وَتَشْديد الرَّاء من التوريث. وَيجوز بِفَتْح الْوَاو وَكسر الرَّاء المخففة، وَالضَّمِير الْمَرْفُوع فِيهِ يرجع إِلَى الْأَنْبِيَاء فِي قِرَاءَة التَّشْدِيد، وَإِلَى الْعلمَاء فِي قِرَاءَة التَّخْفِيف، وَأعَاد بَعضهم الضَّمِير إِلَى الْعلمَاء فِي الْوَجْهَيْنِ وَلَيْسَ بِصَحِيح، وَيجوز ضم الْوَاو وَتَشْديد الرَّاء الْمَكْسُورَة أَيْضا، فعلى هَذَا يرجع الضَّمِير أَيْضا إِلَى الْعلمَاء. قَوْله: (من أَخذه) أَي: من أَخذ الْعلم من مِيرَاث النُّبُوَّة أَخذ بحظ، أَي: بِنَصِيب وافر كثير كَامِل، فَإِن قلت: لِمَ لَمْ يفصح البُخَارِيّ بِكَوْن هَذَا حَدِيثا. قلت: للعلل الَّتِي ذَكرنَاهَا، وَلذَا لَا يعد أَيْضا من تعاليقه، وَلَكِن إِيرَاده فِي التَّرْجَمَة يشْعر بِأَن لَهُ أصلا، وَشَاهده فِي الْقُرْآن.
ومَنَ سَلَكَ طَرِيقاً يَطْلُبُ بِهِ عِلْماً سَهَّلَ الله لَهُ طَرِيقاً إِلى الجَنةِ
هَذَا أخرجه مُسلم من حَدِيث الْأَعْمَش عَن أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة، وَهُوَ حَدِيث طَوِيل أَوله: (من نفس عَن مُؤمن كربَة)
الحَدِيث، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ أَيْضا، وَقَالَ: حَدِيث حسن. فَإِن قلت: هَذَا حَدِيث صَحِيح، وَلذَا أخرجه مُسلم، فَكيف اقْتصر التِّرْمِذِيّ على قَوْله: حسن، وَلم يقل: حسن صَحِيح؟ قلت: لِأَنَّهُ يُقَال: إِن الْأَعْمَش دلّس فِيهِ، فَقَالَ: حدثت عَن أبي صَالح، وَلَكِن فِي رِوَايَة مُسلم عَن أبي أُسَامَة عَن الْأَعْمَش: حَدثنَا أَبُو صَالح، فانتفت تُهْمَة تدليسه. وَأخرجه ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) عَن أبي الْأَحْوَص عَن هَارُون بن عنترة عَن أَبِيه عَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله عَنْهُمَا، مَوْقُوفا. قَوْله: (يطْلب) جملَة وَقعت حَالا، وَالضَّمِير فِي: بِهِ، رَجَعَ إِلَى المسلك الَّذِي يدل عَلَيْهِ قَوْله: سلك، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {أعدلوا هُوَ أقرب للتقوى} (الْمَائِدَة: ٨) . قَوْله: (علما) ، إِنَّمَا نكره ليتناول
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute