للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يَعْنِي: كَانَ يتعهدهم ويراعي الْأَوْقَات فِي وعظهم، ويتحرى مِنْهَا مَا كَانَ مَظَنَّة الْقبُول، وَلَا يَفْعَله كل يَوْم لِئَلَّا يسأم. والخائل الْقَائِم المتعهد للْحَال، ذكره الْخطابِيّ. والآن يَأْتِي مزِيد الْكَلَام فِيهِ إِن شَاءَ الله تَعَالَى. قَوْله: (بِالْمَوْعِظَةِ) قَالَ الصغاني: الْوَعْظ والعظة وَالْمَوْعِظَة مصَادر قَوْلك: وعظته أعظه. والوعظ: هُوَ النصح والتذكير بالعواقب، وَعطف الْعلم على الموعظة من بَاب عطف الْعَام على الْخَاص، عكس: وَمَلَائِكَته وَجِبْرِيل. وَذكره الموعظة لكَونهَا مَذْكُورَة فِي الحَدِيث، وَأما الْعلم فَإِنَّمَا ذكره استنباطاً. قَوْله: (كي لَا ينفروا) : أَي: لِئَلَّا يملوا عَنهُ ويتباعدوا مِنْهُ، يُقَال: نفر ينفر، من بَاب: ضرب يضْرب، وَنَفر ينفر من بَاب نصر ينصر نفوراً بِالضَّمِّ، ونفار بِالْفَتْح، والنفور أَيْضا جمع نافر كشاهد وشهود، وَيُقَال: فِي الدَّابَّة نفار، بِكَسْر النُّون، وَهُوَ اسْم مثل الحران، والتركيب يدل على تجافٍ وتباعد.

٦٨ - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ يُوسُفَ قَالَ أخْبَرَنا سُفْيانُ عَن الأعْمَشِ عَن أبي وائِلٍ عنِ ابْنِ مَسْعُودَ قَالَ كَانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَتَخَوَّلُنا بالمَوْعِظَةِ فِي الأيَّامِ كَرَاهةَ السَّآمَة عَلَيْنا.

مُطَابقَة الحَدِيث لإحدى الترجمتين وَهِي قَوْله: (بِالْمَوْعِظَةِ) ظَاهِرَة، وَالْبَاب مترجم بترجمتين إِحْدَاهمَا: قَوْله: (بِالْمَوْعِظَةِ) وَالْأُخْرَى: قَوْله: (كي لَا ينفروا) ، فأورد فِيهِ حديثين كل مِنْهُمَا يُطَابق وَاحِدَة مِنْهُمَا.

بَيَان رِجَاله: وهم خسمة: الأول: مُحَمَّد بن يُوسُف، قَالَ الشَّيْخ قطب الدّين فِي (شَرحه) : هُوَ مُحَمَّد بن يُوسُف بن وَاقد الْفرْيَابِيّ، أَبُو عبد اللَّه الضَّبِّيّ، مَوْلَاهُم، سكن قيسارية من سَاحل الشَّام، أدْرك الْأَعْمَش وروى عَنهُ وَعَن السفيانين وَغَيرهم، وروى عَنهُ أَحْمد بن حَنْبَل وَمُحَمّد الذهلي وَمُحَمّد بن مُسلم ابْن وارة وَغَيرهم، وروى عَنهُ البُخَارِيّ فِي مَوَاضِع كَثِيرَة، وروى فِي كتاب الصَدَاق عَن إِسْحَاق غير مَنْسُوب عَنهُ، وروى بَقِيَّة الْجَمَاعَة عَن رجل عَنهُ. قَالَ أَحْمد: كَانَ رجلا صَالحا. وَقَالَ النَّسَائِيّ وَأَبُو حَاتِم: ثِقَة. وَقَالَ البُخَارِيّ: كَانَ من أفضل أهل زَمَانه، مَاتَ فِي ربيع الأول سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَمِائَتَيْنِ. وَقَالَ الْكرْمَانِي: هُوَ مُحَمَّد بن يُوسُف أَبُو أَحْمد البيكندي، وَهَذَا وهم، لِأَن البُخَارِيّ حَيْثُ يُطلق مُحَمَّد بن يُوسُف لَا يُرِيد بِهِ، إلَاّ الْفرْيَابِيّ، وَإِن كَانَ يروي أَيْضا عَن البيكندي. فَافْهَم. الثَّانِي: سُفْيَان الثَّوْريّ: فَإِن قلت: مُحَمَّد بن الْفرْيَابِيّ يروي عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة أَيْضا كَمَا ذكرنَا، فَمَا الْمُرَجح هَهُنَا لِسُفْيَان الثَّوْريّ؟ قلت: الْفرْيَابِيّ، وَإِن كَانَ يروي عَن السفيانين، وَلكنه حَيْثُ يُطلق لَا يُرِيد بِهِ، إلَاّ الثَّوْريّ. الثَّالِث: سُلَيْمَان بن مهْرَان الْأَعْمَش. الرَّابِع: أَبُو واثل، شَقِيق بن سَلمَة الْكُوفِي. الْخَامِس: عبد اللَّه بن مَسْعُود، رَضِي الله عَنهُ.

بَيَان الْأَنْسَاب: الْفرْيَابِيّ، بِكَسْر الْفَاء وَسُكُون الرَّاء بعْدهَا الْيَاء آخر الْحُرُوف وَبعد الْألف بَاء مُوَحدَة نِسْبَة إِلَى فرياب، اسْم مَدِينَة من نواحي بَلخ. قَالَ الصغاني: فرياب مثل جربال، وَيُقَال: فيرياب مثل: كيمياء، وَيُقَال: فارياب، مثل: قاصعاء، وَأما: فاراب، فَهِيَ نَاحيَة وَرَاء نهر سيحون فِي تخوم بِلَاد التّرْك، وفراب مثل سَحَاب قَرْيَة فِي سفح جبل على ثَمَانِيَة فراسخ من سَمَرْقَنْد، وفراب مثل: كفار، قَرْيَة من قرى أَصْبَهَان. الضَّبِّيّ، بِفَتْح الضَّاد الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة: نِسْبَة إِلَى ضبة بن اد بن طابخة بن الياس بن مُضر، وَفِي قُرَيْش أَيْضا: ضبة بن الْحَارِث بن فهر، ذكره ابْن حبيب. وَفِي هُذَيْل أَيْضا: ضبة بن عَمْرو ابْن الْحَارِث بن تَمِيم بن سعد بن هُذَيْل. البيكندي، بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف الساكنة وَفتح الْكَاف وَسُكُون النُّون بعْدهَا الدَّال الْمُهْملَة: نِسْبَة إِلَى بيكند، قَرْيَة من قرى بُخَارى.

بَيَان لطائف اسناده: مِنْهَا: أَن فِيهِ التحديث والعنعنة. وَمِنْهَا: أَن رُوَاته كوفيون مَا خلا الْفرْيَابِيّ. وَمِنْهَا: أَن فِيهِ رِوَايَة تَابِعِيّ عَن تَابِعِيّ. فَإِن قلت: الْأَعْمَش مُدَلّس وَقد عنعن هُنَا، وَقد روى مُسلم من طَرِيق عَليّ بن مسْهر عَن الْأَعْمَش عَن شَقِيق عَن عبد اللَّه، فَذكر الحَدِيث: قَالَ عَليّ بن مسْهر قَالَ الْأَعْمَش: وحَدثني عَمْرو بن مرّة عَن شَقِيق عَن عبد اللَّه مثله، فقد يُوهم هَذَا أَن الْأَعْمَش دلسه، أَولا عَن شَقِيق، ثمَّ سمى الْوَاسِطَة بَينهمَا. قلت: صرح أَحْمد فِي رِوَايَة هَذَا الحَدِيث بِسَمَاع الْأَعْمَش عَن شَقِيق، فَقَالَ: سَمِعت شقيقاً، وَهُوَ أَبُو وَائِل، وَكَذَا صرح الْأَعْمَش بِالتَّحْدِيثِ عِنْد البُخَارِيّ فِي الدَّعْوَات من رِوَايَة حَفْص بن غياث عَنهُ، قَالَ: حَدثنِي شَقِيق، وَزَاد فِي أَوله: إِنَّهُم كَانُوا ينتظرون عبد اللَّه بن مَسْعُود ليخرج إِلَيْهِم فيذكرهم، وَإنَّهُ لما خرج قَالَ: أما إِنِّي أخبر بمكانكم، وَلكنه يَمْنعنِي من الْخُرُوج إِلَيْكُم ... فَذكر الحَدِيث.

<<  <  ج: ص:  >  >>