الثَّالِث: عبد الرَّحْمَن بن عَمْرو الْأَوْزَاعِيّ. الرَّابِع: يحيى بن أبي كثير وَاسم أبي كثير صَالح. الْخَامِس: أَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف. السَّادِس: أَبُو هُرَيْرَة.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وبصيغة الْإِفْرَاد فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع، وَهَذَا من الغرائب، أَن كل وَاحِد من الروَاة صرح بِالتَّحْدِيثِ. وَفِيه: القَوْل فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن شَيْخه من أَفْرَاده. وَفِيه: أَن الْوَلِيد وَالْأَوْزَاعِيّ شاميان وَيحيى يمامي وَأَبُو سَلمَة مدنِي. وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابِيّ. وَفِيه: ثَلَاثَة من المدلسين على نسق وَاحِد.
ذكر من أخرجه غَيره: أخرجه مُسلم فِي الْحَج عَن زُهَيْر بن حَرْب وَعبيد الله بن سعيد، كِلَاهُمَا عَن الْوَلِيد بن مُسلم بِهِ. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن أَحْمد بن حَنْبَل عَن الْوَلِيد بن مُسلم بِهِ إلَاّ أَنه لم يذكر قصَّة أبي شاه، وَفِي الْعلم عَن مُؤَمل بن الْفضل عَن الْوَلِيد بن مُسلم بِهِ مُخْتَصرا، وَعَن عَليّ بن سهل الرَّمْلِيّ عَن الْوَلِيد بن مُسلم وَفِي الدِّيات عَن الْعَبَّاس ابْن الْوَلِيد بن يزِيد عَن أَبِيه عَن الْأَوْزَاعِيّ بِبَعْضِه. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الدِّيات عَن مَحْمُود بن غيلَان وَيحيى بن مُوسَى، كِلَاهُمَا عَن الْوَلِيد بن مُسلم بِبَعْضِه، وَفِي الْعلم بِهَذَا الْإِسْنَاد. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْعلم عَن الْعَبَّاس بن الْوَلِيد بن يزِيد عَن أَبِيه وَعَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن وَعَن أَحْمد بن إِبْرَاهِيم. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الدِّيات عَن عبد الرَّحْمَن بن إِبْرَاهِيم دُحَيْم عَن الْوَلِيد بن مُسلم بِبَعْضِه: من قتل لَهُ قَتِيل إِلَى قَوْله: يفدى.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (لما فتح الله على رَسُوله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مَكَّة قَامَ فِي النَّاس) ظَاهره أَن الْخطْبَة وَقعت عقيب الْفَتْح وَلَيْسَ كَذَلِك، بل وَقعت بعد الْفَتْح عقيب قتل رجل من خُزَاعَة رجلا من بني لَيْث، وَالدَّلِيل على ذَلِك أَن البُخَارِيّ أخرج هَذَا الحَدِيث عَن أبي هُرَيْرَة من وَجه آخر فِي الْعلم فِي: بَاب كِتَابَة الْعلم، عَن أبي نعيم عَن شَيبَان عَن يحيى عَن سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة: أَن خُزَاعَة قتلوا رجلا من بني لَيْث عَام فتح مَكَّة بقتيل مِنْهُم قَتَلُوهُ، فَأخْبر بذلك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَركب رَاحِلَته فَخَطب فَقَالَ: إِن الله قد حبس عَن مَكَّة الْفِيل أَو الْقَتْل ... الحَدِيث. قَوْله:(الْقَتْل) فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين: بِالْقَافِ وبالتاء الْمُثَنَّاة من فَوق، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: بِالْفَاءِ وبالياء آخر الْحُرُوف، وَالْمرَاد بِهِ الْفِيل الَّذِي أخبر الله فِي كِتَابه فِي سُورَة {ألم تَرَ كَيفَ فعل رَبك بأصحاب الْفِيل}(الْفِيل: ١) . قَوْله:(وَلَا تحل لأحد كَانَ قبلي) ، كلمة: لَا، بِمَعْنى: لم، أَي: لم تحل. قَوْله:(وَلَا ينفر) ، على صِيغَة الْمَجْهُول من التنفير، يُقَال:(نفر ينفر نفوراً ونفاراً إِذا فر وَذهب. قَوْله: (وَلَا تحل) على بِنَاء الْمَعْلُوم والساقطة هِيَ اللّقطَة. قَوْله:(إلَاّ لِمُنْشِد) أَي، لمعرف يَعْنِي: لَا تحل لقطتهَا إلَاّ لمن يُرِيد أَن يعرفهَا فَقَط، لَا لمن أَرَادَ أَن يتملكها. قَوْله:(من قتل لَهُ قَتِيل) ، قد مر أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّمَا قَالَ هَذَا لما أخبر أَن خُزَاعَة قتلوا رجلا من بني لَيْث عَام فتح مَكَّة بقتيل مِنْهُم، أَي: بِسَبَب قَتِيل مِنْهُم. قَوْله:(فَهُوَ بِخَير النظرين) ، أَي: بِخَير الْأَمريْنِ، يَعْنِي: الْقصاص وَالدية، فَأَيّهمَا اخْتَار كَانَ لَهُ إِمَّا أَن يفدى، على صِيغَة الْمَجْهُول، أَي: يعْطى لَهُ الْفِدْيَة، أَي: الدِّيَة، وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ وَغَيره: إِمَّا أَن يودى لَهُ، من وديت الْقَتِيل أديه دِيَة: إِذا أَعْطَيْت دِيَته، وَإِمَّا أَن يُقيد، أَي: يقْتَصّ، من الْقود، وَهُوَ الْقصاص وَفِي رِوَايَة: وَأما أَن يُقَاد لَهُ. قَوْله:(فَقَامَ أَبُو شاه) ، بِالْهَاءِ لَا غير، قَالَ النَّوَوِيّ: وَقد جَاءَ فِي بعض الرِّوَايَات بِالتَّاءِ، وَكَذَا عَن ابْن دحْيَة. وَفِي (الْمطَالع) : وَأَبُو شاه، مصروفاً ضَبطه بَعضهم، وقرأته أَنا معرفَة ونكرة. قلت: معنى قَوْله: مصروفاً، أَنه بِالتَّنْوِينِ، وَمعنى: شاه، بِالْفَارِسِيَّةِ ملك وَيجمع على شاهان، وَقد ورد النَّهْي عَن القَوْل بشاهان شاه، يَعْنِي: ملك الْمُلُوك، وَيقدم الْمُضَاف إِلَيْهِ على الْمُضَاف فِي اللُّغَة الفارسية.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: وَهَذَا الحَدِيث مُشْتَمل على أَحْكَام: مِنْهَا: أَحْكَام تتَعَلَّق بحرم مَكَّة، وَقد مر أبحاثه فِي كتاب الْحَج. وَمِنْهَا: مَا يتَعَلَّق باللقطة، وَقد مر أبحاثها فِي كتاب اللّقطَة. وَمِنْهَا: مَا يتَعَلَّق بِكِتَاب أبي شاه، وَقد مر فِي كتاب الْعلم. وَمِنْهَا: مَا يتَعَلَّق بِالْقصاصِ وَالدية، وَهُوَ قَوْله: وَمن قتل لَهُ قَتِيل، وَقد اخْتلفُوا فِيهِ، وَهُوَ أَن من قتل لَهُ قَتِيل عمدا فَوَلِيه بِالْخِيَارِ بَين أنم يعْفُو وَيَأْخُذ الدِّيَة أَو يقْتَصّ، رَضِي بذلك الْقَاتِل أَو لم يرض، وَهُوَ مَذْهَب سعيد بن الْمسيب وَمُحَمّد بن سِيرِين وَمُجاهد وَالشعْبِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَإِلَيْهِ ذهب الشَّافِعِي وَأحمد وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر. وَقَالَ ابْن حزم: صَحَّ هَذَا عَن ابْن عَبَّاس، وَرُوِيَ عَن عمر بن عبد الْعَزِيز، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم،